من غير الممكن أن ينظر الفلسطيني السويّ بعين الشماتة لما تعرضت له عاصمة الثقافة والنور قبل بضعة أيام، ليس لأنها باريس العاصمة الفرنسية، التي عوّدتنا على أن تكون في مقدمة الدول الأوروبية الأكثر تعاطفاً مع القضية الفلسطينية. الفلسطيني الذي يكتوي كل يوم ومنذ عشرات السنوات بنيران إرهاب الدولة الإسرائيلي، لا يمكن أن يكون في موقع ممارسة الارهاب ضد الآخرين، حتى لو كانت حكوماتهم مرهونة لسياسات دعم أو التواطؤ مع إرهاب المحتل الإسرائيلي. فرنسا ليست الحلقة الأضعف أمنياً بين أخواتها الأوروبيات حتى يظنّ البعض أن استهدافها قد جاء عشوائياً، واستغلالاً لثغرات في الجدار الأمني ليست موجودة في دول أخرى. وفرنسا بالطبع ليست الدولة الأكثر عدوانية في التعامل مع الشعوب والدول الأخرى، ولا هي الدولة التي خاضت الحروب الاستعمارية ضد أفغانستان والعراق خلال العقدين الأخيرين ولكنها مع ذلك ليست بريئة تماماً كدولة كبيرة فاعلة ومؤثرة في الشؤون الدولية. في المجمل فإن فرنسا تنتمي إلى مجموعة الدول التي تسير في فلك السياسات الأميركية، التي كانت قادرة دائماً على تجنيد أخواتها الأصغر في حروبها الخارجية، دون أن يحصل أي من هذه الأخوات على حصة من ميراث المصالح التي تستحوذ عليها الولايات المتحدة الأميركية. الغرب الرأسمالي كله منخرط بهذا القدر أو ذاك في المغامرات الحربية التي تستهدف البحث عن فرص لتوسيع مصالحها الأنانية، دون أي اعتبار للقيم والمواثيق الدولية، أو احترام إرادات الشعوب الأخرى الضعيفة. من يساهم في صناعة الإرهاب، أو يتواطأ مع الجماعات والدول الإرهابية لا بد وأن يكتوي يومياً بالنيران التي يشعلها بيديه. لسنا بحاجة إلى التذكير بالاعترافات التي أدلى بها أكثر من خبير وأكثر من مسؤول أميركي وأوروبي حول مسؤولية الدول الغربية في تأسيس الجماعات التي تعتبرها إرهابية، وكان آخر هذه الاعترافات ما ورد على لسان رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بشأن مسوّغات الحرب التدميرية الظالمة على العراق. ليس هذا وحسب بل إن تاريخ العلاقات بين الدول الأوروبية، وبين الجماعات الصهيونية الإرهابية قبل قيام دولة إسرائيل، وتبنِّي سياسة الدعم الكامل لإسرائيل منذ قيامها. إن تاريخ هذه العلاقة حتى وقتنا الحالي يشهد على أن تلك الدول، قد وضعت نفسها في خانة المتهمين الدائمين في رعاية ودعم وتصاعد إرهاب الدولة الإسرائيلية. ليست الفصائل الفلسطينية مسؤولة من قريب أو بعيد عما تعرضت له عاصمة الثقافة والنور، فلقد حافظت هذه الفصائل منذ عقود على سياسة تقوم على تكريس جهدها في داخل حدود فلسطين التاريخية، وتوقفت عن استراتيجية ملاحقة المصالح الداعمة لإسرائيل في العالم. الفلسطينيون هم الأكثر تعرضاً للإرهاب، لكن قضتيهم كانت ولا تزال وستظل مخفراً يستفز ملايين العرب والمسلمين، ويحثهم على تصعيد روح المقاومة والانتقام. لقد تجاهلت الولايات المتحدة، وحليفاتها الأوروبيات، أهمية القضية الفلسطينية، وأدارت الظهر لحقوق الفلسطينيين وأركنت، إلى دعم أو التواطؤ مع المخططات الإسرائيلية طالما أنها لا تستفز ردود فعل بمستوى يهدد مصالح هؤلاء في المنطقة. ربما كانت باريس هي التي وقع عليها الاختيار، لكي تصل الرسائل إلى عواصم دول أخرى بما في ذلك وأساساً، الولايات المتحدة، التي استقبلت نتنياهو مؤخراً بقدرٍ كبير من الحفاوة والدلال والاستعداد لتقديم الدعم. من هناك من واشنطن، وبعد لقائه بوزير الخارجية الأميركي جون كيري أفصح نتنياهو بلغة لا تقبل التأويل عن مخططات إسرائيل، التي تستهدف انسحابا أحادي الجانب من أجزاء من الضفة الغربية على غرار ما فعلت في غزة العام 2005. وقال نتنياهو إن القدس والمسجد الأقصى، مشكلتان ليس لهما حلول في الوقت الراهن، وكأن لدى الحكومة الإسرائيلية استعداداً لحلول أخرى في وقت لاحق غير هدم المسجد الأقصى ومصادرة القدس كلها وتهجير أهلها. مزيد من الإرهاب الإسرائيلي يعني مزيداً من الدعم الأميركي والغربي، هذه هي المعادلة، الكفيلة باستفزاز شعوب وجماعات، وأفراد كثر ليسوا حصرا على العرب والمسلمين. وفي الواقع فإن مراجعة السياسات الأميركية في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، سيكتشف الكل بما في ذلك وأساساً ضحايا الارهاب أن الولايات المتحدة هي المحرّض الأكبر والمحفّز الأكبر، للارهاب العالمي، وأن إسرائيل هي أهمّ أدواته.