من بوابات أربع، يستأنف العراق دوره «القومي»، وأضع «قومي» بين مزدوجين، بالنظر لاختلاف هذا المفهوم بين عهدين: البعث زمن صدام حسين ومن سبقه، باعتباره رباطا إيديولوجيا عقديا لـ»أمة واحدة ذات رسالة خالدة»، والعهد الجديد، بمعنى الرابطة القومية، المؤسسة على مفهوم «المصلحة» و»حسن الجوار» و»الأمن والتعاون».
البوابة الأولى؛ الإطار الثلاثي، أو «المشرق الجديد» الذي تحدث به رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، ويضم الأردن: واسطة العقد، ومصر: أكبر بلد عربي، والعراق: الراقد فوق خزان من الثروات والفرص، الضائعة حتى الآن.
البوابة الثانية؛ دور الوسيط، بين إيران وأخصامها العرب، وهم كثر على أية حال، وأن كانت درجات الخصومة (أو قُل العداوة) تتفاوت ما بين دولة وأخرى…آخر فصول هذا الدور، وساطته بين السعودية وإيران، وأول جولة من المحادثات الأمنية الثنائية، عقدت في بغداد، وساطة دعمتها طهران وأكدتها على لسان سفيرها في بغداد…وثمة أحاديث عن مسعى عراقي لتسليك قنوات الحوار بين عدد من العواصم العربية (عمان والقاهرة على سبيل المثال) والعاصمة الإيرانية.
البوابة الثالثة؛ إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وهنا يتعين ملاحظة أن العراق احتفظ بموقف متميز في إطار الجامعة، في كل ما يتعلق بالملف السوري، وما كان مرفوضاً ومستهجناً من مواقفه ومقارباته، لم يعد كذلك اليوم، بعد أن طرأت تغييرات كبرى على مواقف دول عربية وازنة من المسألة السورية، من مصر إلى الأردن، مروراً بعواصم خليجية عدة، ربما باستثناء قطر، التي ما زالت مع تركيا، على مواقفها السابقة من الأسد ونظامه.
البوابة الرابعة؛ وربما تكون أضيق من سابقاتها، وأعني بها الجهد العراقي، المتواضع حتى الآن، لتوسيع المصالحات الإقليمية، بإدماج تركيا في هذه العملية، مع أن التقارب المتسارع بين أنقرة وكل من القاهرة والرياض، ربما تبطل أهمية هذه البوابة، ويجعل الاستغناء عنها ممكناً، طالما أن الأطراف لا تجد صعوبة في التفاعل المباشر.
سنُعطي العراق المنكوب بأزماته الداخلية وحروب الآخرين عليه، «الكريديت»، كونه يسعى لجمع شتات الدول العربية، وترميم انشقاقاتها، لكن العراق وهو يفعل ذلك، إنما يسعى في الوقت ذاته، إلى لملمة جراحه، وجمع شتاته، وهو الموزع على المحاور والعواصم المنقسمة.
العراق في مسعاه لاستعادة دوره العربي، يجد نفسه مرغماً على جمع شتات العرب، حتى تصبح العبارة مكتملة، والجملة مفهومة، والعراق إذ يجهد للتوفيق بين المختصمين في الإقليم، فإنه يسعى لاستعادة التوازن في علاقاته الإقليمية والدولية، بعد أن تُرك نهباً للنفوذ الإيراني المهيمن، وللانتهاكات التركية لأرضه وأجوائه وسيادته، وبعد أن ظلّ مسرحاً لعمليات مختلف شبكات «الإسلام المسلح والمتطرف» المدعومة من «ذوي القربى».
العراق، يخدم أعمق مصالحه الوطنية، ويسعى في استعادة أمنه واستقراره وانسجامه المجتمعي، وهو يسعى في استعادة علاقاته العربية وتفعيل دوره الإقليمي…وهو جهد مقدّر من الجميع، وتبدو مختلف الأطراف بأمس الحاجة إليه، في لحظة الإنهاك والإعياء التي أصابتها، بعد أزيد من عقد من صراعات المحاور وحروب الوكالة.
لكن المشكلة، التي لا تدفعنا للذهاب بعيداً في تفاؤلنا، هي أن العراق نفسه، ما زال عرضة للانقلابات والتبدلات، سيما وأن الكاظمي، الذي يقود هذا المسعى، و»يُنظّر» له، لا يستند إلى قاعدة شعبية وحزبية صلبة، فالرجل جاء بتسوية / صفقة، وقد يغادر المسرح السياسي بتسوية /صفقة مماثلة، وربما يكون ذلك قبل أن يُتِمّ مشواره ومهمته، ربما يحدث ذلك بعد انتخابات نهاية العام الجاري، ومن دون أن تتوفر أية ضمانة، بأن هذا المسار سيستمر مع القادمين الجدد.