إطلالة من الداخل: هكذا يعيش المستوطنون في سلوان

حجم الخط

بقلم: نير حسون



أخذت المواجهة المستمرة بين سكان سلوان والمستوطنين، الذين استوطنوا فيها، في السنة الأخيرة انعطافة بصرية غير متوقعة. قام اليهود بفتح جبهة اخرى عندما بدؤوا في وضع إشارات نجمة داود زرقاء على أسطح البيوت، والتي تضيء لمسافة بعيدة. ردّ الفلسطينيون على ذلك بوضع أهلة (جمع هلال) خضراء اللون. بمناسبة حلول شهر رمضان تزينت سلوان بأضواء اخرى ملونة، ومن مسافة بعيدة تظهر القرية سعيدة وهادئة.
ولكن نظرة عن قرب تكشف صورة معقدة اكثر. قبل اسبوعين، تحت جنح الظلام، دخل عشرات المستوطنين الى مبان جديدة في سلوان. كان هذا خطوة مؤثرة من قبل جمعية عطيرت كوهانيم، التي نجحت في العثور على متعاونين فلسطينيين قاموا ببناء هذه المباني وسلموها المفاتيح عند انتهاء البناء.
تندمج هذه المباني بشكل جيد مع خطة ربط منشآت اليهود في سلوان كي تصبح حيا واحدا. والى أن يتم اسكانها بعائلات دائمة فانه يسكن فيها الآن رجال حراسة جندتهم الجمعية، سواء براتب أو تطوعا. من بين المتطوعين كان ايضا عيران تصدقياهو، مرشد وباحث في الجغرافيا السياسية للقدس، وهو يساري أراد أن يطل عن قرب على المستوطنة اليهودية في سلوان.
والى أن تدخل المنشآت الجديدة تحت مظلة الحماية الحكومية، تقوم الجمعية بتجنيد رجال حراسة بوساطة الشبكات الاجتماعية. جاء تصدقياهو اليهم عبر اعلان وضع في شبكة الواتس اب في القدس: «وظيفة مهمة من أجل التوطين في شرقي القدس، مطلوب عدد من المسلحين ذوي اللياقة القتالية... الراتب في عيد الاستقلال هو 750 شيقلا وفي اليوم العادي 500 شيقل. أحد الشروط هو امتلاك سلاح شخصي. قام تصدقياهو باجراء اتصال مع ضابط أمن المبنى الذي لم يسأله أسئلة كثيرة. قال إن هناك تهديدات ضد المكان، لكن بالاجمال هناك هدوء ويمكن الجلوس والتعلم عبر «الزووم»، قال تصدقياهو للصحيفة بعد يوم من عودته من هذه المهمة. «قال إن الاشخاص لا يأتون من اجل المال، بل يأتون من اجل المثل والشعور بأنهم يؤدون رسالة. قلت له إنني لا أشاركهم الشعور في أداء رسالة، لكن هذا الامر يهمني. هو لم يسأل عن تفاصيل ولم يطلب رخصة السلاح». قام تصدقياهو بحراسة أحد المباني ليوم وعاد مع فهم وأفكار حول المستوطنين، نظرتهم، وعلاقاتهم مع الجيران.
المستوطنة في سلوان تشمل منشأتين، تحتل جمعية العاد منطقة وادي حلوة – مدينة داود المحاذية لسور البلدة القديمة، وتقوم «عطيرت كوهانيم» بتوطين اليهود عميقا داخل الحي الفلسطيني بطن الهوى، على التلة الابعد من البلدة القديمة. لا يدخل السكان الى هذه المنطقة بسياراتهم الخاصة، بل من خلال عمليات نقل محمية من قبل وزارة الاسكان. هذا النقل لمن جاءوا من اجل تأمين المنشآت الجديدة نظمه سكان بيت يونتان، وهو المبنى الاكبر في قلب الحي الذي بنته الجمعية قبل نحو عشرين سنة بمساعدة عميل فلسطيني، وتعيش فيه نحو عشر عائلات يهودية. هكذا وجد تصدقياهو نفسه يصعد في منتهى السبت الماضي الى سيارة محمية انتظره فيها رجال حماية من قبل وزارة الاسكان. «طوال سنوات كنت أتجول هنا بسيارتي الخاصة أو الحافلة الصغيرة للسياح بدون حماية، وأشاهد السيارات المصفحة للمستوطنين من الخارج. ولكن على الفور عندما صعدت الى السيارة المحمية بدأت أشعر بالخوف»، قال تصدقياهو عن التحول الذي اجتازه في الطريق. «فجأة أرى الشوارع من وراء القضبان مع موسيقى تصويرية لجهاز اتصال يصدر خشخشة». وقد جلست معه في السيارة فتاة عمرها 14 سنة من أحد البيوت الأقدم. ووصف تصدقياهو كيف أنهما انتقلا مثل «رزمة من رجل حماية الى آخر». عندما نزلا من السيارة قابلا رجال حراسة آخرين، قادوهم عبر الأزقة. «نسير بشكل سريع مثل فتح محور في الجيش. ندخل الى ساحة، في الداخل كانت هناك عائلة تحتفل بقداس السبت».
ايضا دخول المستوطنين للمباني الجديدة تم التخطيط له بصورة تذكر بعملية عسكرية. قامت الجمعية من اجل هذا الامر بادخال مجموعة تتكون من عدة عشرات من الشباب، أحدهم اخبر تصدقياهو بأن المراسلات في مجموعة الواتس آب التي انشؤوها تتم بوساطة الرموز. «سميت المجموعة مثلا 'نزهة الى الشمال'، ويتم التنسيق بجمل مثل 'غدا سيكون الطقس جميلاً. سيكون بالامكان الذهاب في نزهة'. وعلى الفور بعد دخول المستوطنين الى المكان ثارت عاصفة في شرقي القدس حول مسألة من تعاون معهم. إحدى العائلات في سلوان نشرت بيان ادانة لأحد أبناء العائلة الذي اتهم بالبيع. بيت شخص آخر، يعيش في الضفة، تم احراقه من قبل مجهولين بعد أن ذكر اسمه ايضا كعميل محتمل. المباني الجديدة تمت مهاجمتها بالمفرقعات والحجارة. وحسب اقوال تصدقياهو، في الاحاطة قبل المهمة قيل لرجال الحراسة بأن 'العرب أرادوا إظهار أن هذا لا يمر بسلام'. ولكن في هذه الاثناء كل شيء هادئ، والعمل هو المكوث في البيت والرد اذا وقعت احداث».
يسمى المبنى الذي مكث فيه تصدقياهو من قبل المستوطنين متسبيه يوسف. لم يستكمل البناء فيه بعد، وفي بيت الدرج ما زالت هناك كوابل مكشوفة وأكوام من مواد البناء. من السطح يظهر مشهد طبيعي مدهش لمنطقة الحرم وكل شرقي القدس. عدد من الشقق دخلتها عائلات في السابق، لكنها لا توجد في المكان بشكل دائم. والمكان يشغله في هذه الاثناء بالاساس رجال حراسة في العشرينيات. «جميعهم لطفاء، الاجواء لطيفة، مثل حركة شبيبة أو جنود مستجدين»، قال تصدقياهو ابن الاربعين سنة. «في الخارج توجد العاب نارية بمناسبة شهر رمضان، لكن لا أحد يتأثر بذلك». وحسب قوله، معظم المتطوعين في المنشأة كانوا شبابا يتعلمون في مؤسسة هار هامور، وهو التيار الاصولي القومي الذي تنتمي اليه عطيرت كوهانيم (منه جاء ايضا حزب نوعم)، الى جانب «عدد من الشباب الذين يتعلمون دراسات شرقية في اريئيل. وقد ساعدتهم في دروس العربية».
وقال تصدقياهو إنه في نظر هؤلاء الشباب، «سكان سلوان اليهود هم نخبة الاستيطان. هم يعيشون في ظروف صعبة، باخلاص وبأكبر قدر من التفاني. يقومون بمقارنتهم بالاستيطان اليهودي في الخليل وحتى أكثر». ظروف الحياة في المنشآت الاستيطانية في سلوان هي حقا قاسية. السكان لا يتجولون وحدهم في الشوارع، وكل خروج لهم من البيت يجب أن يكون منسقا مسبقا مع رجال الحراسة. يلعب الاولاد على الاسطح أو في منشآت حولها أسوار. يتم إلقاء حجارة وزجاجات حارقة على بيوت المستوطنين وعلى سياراتهم تقريبا بشكل يومي.
«هناك التقيت طفلا عمره 8 سنوات، بالضبط مثل ابني»، قال تصدقياهو. «سألته كيف هو العيش هنا، هل هذا أمر غير مخيف؟ قال لي «الحجارة هراء». وهو يعرف ما الذي سيفعله ايضا في حالة القاء زجاجة حارقة. احد رجال الحراسة الآخرين سأله، ما الذي سيفعله اذا شاهد ارهابياً؟ أجاب الولد: أستدعيكم، لكن قبل ذلك أقوم بمعالجته». قلت له بأنني كنت أريد أن اسمع أنه سيهرب أو يختبئ».
تشمل مهمة الحماية مرافقة العائلات بين منشآت المستوطنة المختلفة. «الظروف صعبة وكل شيء قذر جدا وضاج»، وصف تصدقياهو، «طوال الليل هناك اطلاق للمفرقعات واحاديث للشباب – احاديث حول مواعدات وحول التوراة والمثل، والناس يدخلون ويخرجون، بعد ذلك، عند الفجر، يأتي المسحراتي (شخص يدق الطبل ويتجول في الشوارع في شهر رمضان، ويوقظ الصائمين من اجل الصلاة وتناول وجبة السحور)»، واضاف بأنه لم ينجح في النوم أبدا. وقد خدم في وحدة قتالية، ومن المهم له التأكيد على أنه رغم أنه جاء يحمل ايديولوجيا، إلا أنه اثناء مكوثه في المبنى شعر بأنه ملزم بالعمل كرجل حماية في حالة الطوارئ. «صليت بأن لا يقع حدث أمني يقتضي مني الرد. أنا لست مع العنف من أي طرف، لكني استطيع أن اتفهم عداء الفلسطينيين للمستوطنين في سلوان. في الليل كنت أقلق من ذلك، وفي النهار كانت الاجواء سهلة اكثر.
تصدقياهو، الزميل في منتدى التفكير الاقليمي، أنهى مؤخرا رسالة الدكتوراه عن العامل الديني في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. «هؤلاء الاشخاص يتم دفعهم بدافع ديني عميق جدا. في النقاش معهم أنطلق من مكان قيمي يتعلق بالمساواة السياسية وحقوق الانسان، لكنهم يتحدثون بلغة مختلفة، لغة دينية. هذا حوار طرشان، في الوقت الذي تتحدث فيه سياسة هم يتحدثون ديناً». مستوطنو عطيرت كوهانيم لا يعتبرون مجموعة عسكرية أو عنيفة بشكل خاص تجاه الفلسطينيين. «الهدف هو خلق فضاء يهودي من مدينة داود وحتى جبل الزيتون»، قال تصدقياهو. «لا أحد يستفز الجيران العرب، واضافة الى ذلك يوجد شعور بأن هذا فضاء معاد وأنك موجود في حصار دائم. هناك جهل كبير تجاه العرب. عندما مشينا في الازقة قال لي أحد الفتيان بأنه يأمل أن يفهموا أنه «لا حاجة الى هذه الكراهية. ببساطة نحن سنعيش هنا معا». تصدقياهو تولد لديه الانطباع بأن المستوطنين «ببساطة لا يرون كيف أن تواجد اليهود في سلوان، الحي الفقير والمهمل والضعيف والذي يشكل قلب النزاع، يسحق اشخاصا يتم رميهم من بيوتهم ويفكك التجمع الفلسطيني ويسحق الحلم الفلسطيني فيما يتعلق بالقدس والمسجد الاقصى». وحسب قوله «هذا الشاب ببساطة أراد العيش معهم بسلام وأخوة تحت نظام من التفوق اليهودي».
ولكن بالنسبة لتصدقياهو هناك ايضا استنتاجات فيما يتعلق بالكيفية التي يجب أن يواجه فيها اليسار الاسرائيلي التحدي الذي تفرضه جمعيات مثل عطيرت كوهانيم. «جمعيات المستوطنين في شرقي القدس توجد لها هالة اسطورية من القوة»، قال. «هي تعمل مثل منظمات استخبارات، مصممة، غنية، مدعومة بقوة مؤسساتية وتحقق انجازات بصورة منهجية». وهو يعتقد أنه ربما من اجل مواجهتها يجب تبني أساليبها. «صحيح أنني لم اصل الى هناك كمبعوث من أي تنظيم، ولم احضر من اجل التجسس، لكن أنت تتفاجأ من السهولة التي يمكنك فيها الدخول الى صفوف هذه المنظمة، ومشاهدة الفضاء المادي والفكري ودراسة طرق عملهم من الداخل». وحسب قوله، يمكن أن تجد ايضا «نقاط ضعف»، يمكن استغلالها في النضال ضد استمرار توسع هذه الجمعيات في شرقي القدس. «ببساطة، يجب أن نتحلى بالشجاعة وأن نفكر خارج الصندوق»، قال تصدقياهو. «أعارض بشكل كبير ومبدئي اهدافهم. ولكني اعترف بأنني أتأثر بالتصميم وأساليب العمل الناجعة. إزاء الوضع السياسي لليسار في اسرائيل، اعتقد أننا نحسن الصنع اذا تعلمنا منهم بعض الامور في العمل الميداني».
في هذه الأثناء، على سطح المبنى وضع المستوطنون نجمة داود كبيرة باللون الأزرق. في الأيام القريبة القادمة سيقومون برفعها وربطها بالكهرباء.

عن «هآرتس»