صادقت الغرفة الأولى من البرلمان المغربي، بالإجماع على مشروع قانون رقم 12.18 الذي يُدخل تعديلات جديدة على القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال.
ويدخل مشروع القانون في إطار جهود المملكة الرامية إلى تعزيز المنظومة القانونية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذا ملاءمتها مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا الباب من طرف "مجموعة العمل المالي".
وحسب محمد البوشوكي، الأستاذ الباحث في القانون العام، فإن "هذا التعديل جاء بعدما وُضع المغرب في اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية، بسبب عدم ملاءمة بعض نصوص قانونه مع المعايير الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب."
وأضاف البوشوكي في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن أبرز التعديلات الجديدة تتجلى في رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 574.3 من مدونة القانون الجنائي، تماشيا مع المعايير الدولية التي تدعو إلى الحد من تفشي جرائم الأموال والمعروفة "بالأموال القذرة".
وكانت "مجموعة العمل المالي" قد وضعت في فبراير الماضي، المغرب والسنغال وبوركينا فاسو وجزر كايمان تحت المراقبة لتقصيرها في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأكد البوشوكي أن القانون الجديد يعد خطوة هامة للبلاد في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال، حيث يسهل طريقة تعقب ومُصادرة الأموال غير المشروعة، زيادة على ملاءمة التشريعات المغربية مع نظيرتها الدولية، علما أن المغرب له التزامات دولية في هذا المجال.
وتابع الأستاذ الباحث، أن القوانين الدولية تتغير بسرعة، لمواكبة تطور جرائم الأموال، وذلك نظرا لطبيعة الجريمة وتعدد المتدخلين، إضافة إلى التقدم المهول الحاصل في مجال التواصل والتكنولوجيا. وهذا ما يفرض على التشريعات الوطنية مسايرة هذه التطورات من خلال تحيين ترسانتها القانونية وفق المعايير الدولية.
وفي السياق، أفاد البوشوكي بأن مقتضيات القانون الجديد أضافت وزارة الداخلية ووزارة المالية للعمل على تشديد المراقبة على الكازينوهات، ومؤسسات ألعاب الحظ، ووزارة السكنى، لمراقبة الوكلاء العقاريين وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالنسبة لتجار المعادن النفيسة أو العادية أو الأعمال الفنية. هذه الإضافة من شأنها المساهمة بشكل قوي في تسهيل عملية الحد من تغول جرائم غسل الأموال على الأقل في إطار تبادل التجارب والمعلومات.
إحداث لجنة وطنية
وينص مشروع القانون على إحداث لجنة تحمل اسم "اللجنة الوطنية المكلفة بتطبيق قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بالإرهاب وتمويله"، سيُعهد إليها بالسهر على تطبيق العقوبات المالية تنفيذا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بالإرهاب وتمويله وانتشار التسلح.
وستقوم هذه اللجنة بتجميد ممتلكات الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين، أو الكيانات، أو التنظيمات، أو العصابات، أو الجماعات الواردة أسماؤها باللوائح المُلحقة بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وتحديد الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين أو الكيانات أو التنظيمات والعصابات أو الجماعات المقترح إدراجها.
كما يجوز لها أن تقوم، بقرار معلل بتجميد الممتلكات، التي تعود ملكيتها إلى هؤلاء الأشخاص أو الجماعات "متى تبين لها توافر أسباب معقولة تفيد ارتكابها أو محاولة ارتكابها أفعالا لها علاقة بتمويل الإرهاب”.
توسيع دائرة الجرائم
من جهته، أكد عبد الحي الغربة، الباحث بالمركز الدولي للدراسات والبحث العلمي متعدد التخصصات، على أن "القانون الجديد جاء بمقتضى من شأنه توسيع دائرة الأفعال التي تشكل جريمة غسل أموال، ولو ارتكبت خارج التراب الوطني، وذلك بإضافة جرائم الأسواق المالية، وجريمة البيع وتقديم الخدمات بشكل هرمي إلى لائحة الجرائم الواردة."
واستطرد الغربة في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "القانون الجديد يقتضي أيضا تعزيز إجراءات اليقظة والمراقبة الداخلية، وإرساء قواعد الاعتماد على أطراف ثالثة من أجل تنفيذ المقتضيات المتعلقة بتحديد هوية الزبون والمستفيد الفعلي وبفهم طبيعة علاقة الأعمال."
ويهدف النص عموما إلى تجاوز أوجه القصور التي كان يتضمنها نص القانون السابق، المستمدة أساسا من المؤاخذات التي أبان عنها التقييم المتبادل في جولتيه الأولى والثانية، وتفاديا أيضا للجزاءات التي يمكن أن تصدر عن الهيئات الدولية، والتي من شأنها التأثير على الجهود التي تبذلها المملكة المغربية في تحصين نظامها المالي والاقتصادي.
تعديلات مثيرة للجدل
وأثار مشروع القانون قبل المصادقة عليه، جدلاً واسعاً خلال مناقشته في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب المغربي، وذلك بسبب توسيعه للجرائم التي تخضع لمصادرة الممتلكات، والتي ترتبط بجريمة غسل الأموال.
وهاجم النائب توفيق الميموني، رئيس لجنة العدل والتشريع المنتمي لفريق الأصالة والمعاصرة المعارض، بشدة مشروع توسيع مصادرة الممتلكات، معتبراً أن ذلك بمثابة "تعليق للمشانق ضد المغاربة"، ورأى أن المصادرة تعد "عقوبة إضافية، ولا يمكن أن تكون مصادرة كلية، إنما جزئية".
وتساءل النائب الميموني: "كيف نحكم بالمصادرة على جرائم بسيطة تعد بمثابة جنحة ضبطية؟"، معتبراً أن توسيع المصادرة يعكس "نظاماً انتقامياً" حذر من "آثاره الوخيمة".
وذهب بعض النواب إلى أبعد من ذلك، باتهام الحكومة بالتعرض لتهديدات وإكراهات وضغوط خارجية تُمارس عليها لكي تُشرع بسرعة.
وردا على هذه الادعاءات، أكد وزير العدل محمد بن عبد القادر أنه "ليس هناك ضغوط على الحكومة، ويكفي العودة لتاريخ المصادقة على مشروع القانون في المجلس الحكومي وتاريخ إحالته على مجلس النواب، وهو ما يوضح أن هناك شهورا من المراجعة"، كاشفا أن الحكومة "أعدت لجنة للمراجعة، وبالتالي لا يوجد أي ضغط". مؤكدا في الوقت ذاته أن التعديلات الخاصة بالقانون هي ضرورية، وأن المخاوف المتعلقة به ليست في محلها.
خسائر كبيرة
ووفق تقرير للأمم المتحدة، صدر في أكتوبر من عام 2020، فقد ناهزت التدفقات المالية غير المشروعة من المغرب حوالي 16,6 مليارات دولار خلال سنتي 2013-2014.
جاء ذلك في تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، والذي كشف أن القارة الإفريقية تخسر حوالي 88,6 مليارات دولار سنوياً بسبب التهريب غير المشروع للأموال والأصول؛ وهو ما يُمثل 3,7 في المائة من ناتجها الداخلي الخام.
وتؤكد الأمم المتحدة، من خلال هذه الدراسة، أن مكافحة هذا التهريب غير المشروع للأموال والأصول يُمكن أن يولد أموالاً كافية بحلول سنة 2030 لتمويل ما يقارب من 50 في المائة من الـ2,4 تريليون دولار التي تحتاجها بلدان جنوب الصحراء للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
وتجدر الإشارة إلى أن التصنيف في اللائحة الرمادية، لا يعني أن الدول لا تحترم المعايير المطلوبة في هذا الشأن على المستوى الدولي، بل تعمل مع مجموعة العمل المالي من أجل معالجة النواقص في أنظمتها الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، على عكس دول اللائحة السوداء التي تضم كلا من إيران وكوريا الجنوبية.