مثلما كان متوقعاً، ارتفعت الأسعار ولو بنسب مختلفة خلال الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان، حيث ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن والزيوت وغيرها، وكان من الواضح أنه لولا حملات التنزيلات الواضحة ذات الترويج الإعلامي الكبير، التي قامت بها متاجر أو مراكز تسويق كبيرة، وبالأخص فيما يتعلق بأسعار الخضروات واللحوم، لكان التلاعب في الأسعار كبيراً ولدفع المستهلك الثمن مثلما كان يحدث في السنوات الماضية، سواء خلال شهر رمضان أو في غيره من الأوقات، في ظل غياب رقابة ومحاسبة فعلية من الجهات المختصة.
وخلال الأيام العشرة الأولى من رمضان وفي ظل التخبط في موضوع الأسعار، لعب المستهلك دوراً هاماً في تحديد بوصلة ارتفاع الأسعار، حيث إن إقبال المستهلك على المتاجر الكبيرة ذات الأسعار المنخفضة وبالأخص لسلع أساسية له ولأفراد عائلته على مائدة الإفطار في شهر رمضان، قد أدى الى إبطاء وتيرة ارتفاع الأسعار أو الحد منها، على الأقل حتى الآن، وحتى أن بعض محلات بيع اللحوم والدواجن أضحت على الاستعداد للمنافسة والبيع بأسعار مراكز التسويق الكبيرة، والعامل الحاسم في ظل ذلك هو تصرف المستهلك، الذي أثبت أن له دوراً هاماً في تحديد سقف الأسعار والحفاظ عليها.
وبالإضافة الى إقبال المستهلك على مراكز التسويق ذات الأسعار المنخفضة، فإن المستهلك يستطيع التحكم بالأسعار من خلال ترشيد الشراء أو الاستهلاك، أي العمل وبشكل مدروس على إضعاف الطلب وفي ظل ارتفاع العرض تنخفض الأسعار، أي أن ابتعاد المستهلك عن التسوق الجشع إن جاز التعبير وبالأخص في بداية شهر رمضان، سوف يحد من جشع التاجر أو صاحب المحل في رفع الأسعار، ومثل هكذا تصرفات وممارسات حدثت في الماضي وكان للمستهلك دور هام في ذلك.
وارتفاع الأسعار بحد ذاته يعني الإرهاق المتواصل للمستهلك وما لذلك من نتائج وانعكاسات قد تكون وخيمة على الكثير من الأفراد والعائلات، وخاصة حين يكون الارتفاع يشمل سلعاً أساسية لا غنى له عنها، وترتبط بسلع اخرى، وحين ترتفع أسعار بعض المنتجات، من المحتمل ان يبدأ المستهلك بالإقبال على منتجات أقل سعراً ولكنها أقل جودة أو سلامة، وهو حدث في الماضي.
والخطورة هنا تكمن بأن تكون هذه المنتجات أقل جودةً او قليلة الكفاءة، او ملوثة، وربما لها أضرار صحية وخيمة بسبب التلوث او تراكم الكيماويات، وما لذلك من تداعيات صحية، من الممكن ان لا نلمسها الآن، ولكن يمكن ان تنعكس على الناس بعد فترة، ومع العلم وحسب تقارير حديثة صدرت عن وزارة الصحة، ان أمراض السرطان على سبيل المثال أصبحت تشكل المسبب الثاني للوفاة في بلادنا، بالضبط بعد امراض القلب.
وحين الحديث عن ارتفاع الأسعار هذه الأيام، ومهما تحدثنا عن اقتصاد السوق، وعن العرض والطلب، وعن التقلبات الجوية، وعن الظروف السياسية، وعن التحكم في المعابر والحدود، وما الى ذلك من امور يمكن ان تساهم في ارتفاع الأسعار، الا انه لا يعقل ان تضاهي الأسعار عندنا وحتى بدون رفعها الجائر في شهر رمضان، الأسعار في الكثير من الدول، التي يبلغ دخل الفرد السنوي فيها، أضعاف أضعاف ما عندنا، وهذا يتطلب تغييراً جذرياً وجدياً في سياسة الجهات الرسمية، وهذا يتطلب المراقبة الجدية، وهذا يتطلب المحاسبة الصارمة لجشع بعض التجار، ونحن نعرف ان نسب الفقر والبطالة في بلادنا هي في ازدياد مطرد.
ومع كل ارتفاع جديد في الأسعار، يبدأ الاهتمام بالمستهلك وحقوقه واحتياجاته يحتل العناوين في وسائل الإعلام، حيث يبدو ان هذا الاهتمام لا يأخذ الحيز المطلوب الا اذا حدث الارتفاع ويزداد مع ازدياد حدة الارتفاع، وهذا الاهتمام سواء أكان من المسؤولين الرسميين او غير الرسميين، او من عديد الأشخاص والهيئات، فإنه في العادة لا يحمل الجديد للمستهلك الذي اعتاد على مثل هكذا شعارات، والذي بات يدرك ان كل الدعوات السابقة وحملات التفتيش على الأسعار وعلى المنتجات، لا تحقق ما يتم الحديث عنه او التصريح به، والذي يبقى في المحصلة شعارات إعلامية فقط.
ورغم صدور قائمة الأسعار الاسترشادية قبل عدة أيام من خلال وزارة الاقتصاد، الا ان غياب إشهار الأسعار او إظهارها على السلعة، سواء في حسبة الخضار او في المحلات التجارية، وعدم فعالية حملات التفتيش والرقابة وذلك لعدم كفاية الطواقم أو قلة الإمكانيات، وكذلك ضعف ردع القوانين وعدم تطبيق قانون حماية المستهلك الفلسطيني لعام 2005 في هذا الصدد، سوف يبقي الأسعار ترتفع حسب شهية بعض المستهلكين غير المبالين، وحسب مزاج او مستوى جشع التاجر او المزارع او المورد.
ومع الأمل أن تبقى حملات تخفيض الأسعار نشطة في مراكز التسوق الكبيرة وبالتالي تحد من ارتفاع الأسعار عند الآخرين، فإنه يجب التأكيد على الدور الهام الذي يستطيع أن يلعبه المستهلك في التحكم بالأسعار، وهذه نقطة مهمة لتبيان لماذا ترتفع الأسعار وبشكل كبير في أوقات معينة في السنة، مثلاً قبل الأعياد او المناسبات، اي ان إقبال المستهلك وبشكل غير عقلاني على الشراء مثلاً، اي الشراء بالجملة او بشكل غير منطقي، هذا الإقبال يؤدي الى رفع الأسعار بشكل كبير وغير مبرر وغير مسؤول، وبالتالي يتحمل المستهلك الذي يشتري بهذا الشكل والقادر على ذلك جزءاً من المسؤولية عن ارتفاع الأسعار، وكذلك مسؤولية الثمن الذي يدفعه المستهلك غير القادر على الشراء.