لاسرائيل وروسيا مريح بقاء الاسد في الحكم

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

الصاروخ السوري الذي انفجر أول أمس قرب أشلين، على بعد 30 كم من ديمونة، لم يكن موجه للمس بمشروع النسيج المعروف. وهو ايضا لم يتم اعتراضه من قبل الوسائل الاسرائيلية التي تم اعدادها لذلك، لكنه بالتأكيد يدعو للتفكير فيما كان سيحدث لو. وهو يمكن ايضا أن يوضح بأن التهديد الاساسي لاسرائيل ليس بالضرورة هو أن رئيس الحكومة يركز ضده كل جهوده ويجند له شبكة علاقاته العامة التي لا تخشى ايضا من السير الحثيث على مسار التصادم مع الادارة الامريكية. اسرائيل، التي تعمل بشكل حر في المجال الجوي لسوريا ولبنان وحسب التقارير هي تمس بقلب الانتاج النووي لايران، تقصف مواقع قرب دمشق وعلى الحدود بين سوريا والعراق وتحلق كسائحة فوق بيروت، ليست دولة محصنة، حتى لو امام صواريخ صدفية أو غير صدفية تم اطلاقها من اراضي غزة.

​العمود الفقري لاستراتيجية اسرائيل امام هذه التهديدات هو بالتحديد تكتيكي. بلاغة تهديدية واصابات محددة، التي ايضا وإن كانت، كما تم النشر، ناجحة بحد ذاتها وقادرة على تصفية رؤساء تنظيمات، علماء أو منشآت عسكرية، من بينها منشآت نووية، لم تنجح حتى الآن في احداث تغيير جوهري في التهديد الاستراتيجي. بالضبط اتفاقات رسمية مثل التي وقعت بينها وبين دول عربية أو اتفاقات غير رسمية، مثل التي هي قائمة بين اسرائيل وحماس، وهي التي خلقت واقع جديد خفف من شبكة التهديدات.

​سوريا هي مثال جيد لدولة العدو التي لديها خط مواجهة ساخن امام اسرائيل، لكن بحد ذاتها ورغم الوجود الايراني على اراضيها، إلا أنها لا تعتبر تهديد استراتيجي ولو فقط بسبب قدرتها العسكرية المحدودة. وشبكة العلاقات بين اسرائيل وسوريا تعززها سلسلة تفاهمات تطورت بين اسرائيل وروسيا. مؤخرا ايضا دول الخليج، لا سيما اتحاد الامارات والبحرين، اضيفت كدعامة لضمان الهدوء من سوريا بسبب تأسيس علاقاتها مع النظام السوري.

​“هل يمكن التفكير بحل فيه تخرج روسيا وايران وتركيا من سوريا، ايضا يغادرها بشار الاسد؟”، هذا هو السؤال الذي طرحه في هذا الاسبوع تيد دويتش، الرئيس الديمقراطي للجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب، امام عدد من الخبراء الذين جمعهم لمناقشة الاستراتيجية الامريكية المطلوبة الآن امام سوريا. عدد من الخبراء اوضحوا أن التوق لذلك غير واقعي. وآخرون أوصوا بتعاون امريكي – روسي يبقي في أيدي روسيا اصولها العسكرية في سوريا مقابل أن تتنازل عن بشار الاسد. ولكن بين الحاضرين ساد اتفاق كاسح حول أن تدخل امريكي جديد في سوريا، ازاء سياسة بايدن المعلنة والتي نصت على أنه “حان الوقت لاعادة الجنود الى الوطن”، أو فرض حل يتجاوز روسيا، يمكنهما في هذه الاثناء تغذية الاحلام فقط.

​اسرائيل، التي هي ليست شريكة حتى في النقاشات حول الاتفاق النووي مع ايران، لا توجد في موقف يؤثر على تشكيل الاستراتيجية الامريكية تجاه سوريا. ولكن لا توجد أي ضمانة في أن اسرائيل نفسها تعرف ما هي الاستراتيجية المرغوب فيها بالنسبة لها. حسب رجال استخبارات اسرائيليين فان الوضع القائم ليس الوضع المثالي، لكنه الوضع الافضل الذي يمكن لاسرائيل أن تتطلع اليه. نظام الاسد لا يسعى الى حرب مباشرة أو غير مباشرة مع اسرائيل، هو لا يرد على مهاجمة اهداف ايرانية، والتنسيق العسكري والجوي مع روسيا يعمل كالعادة، وتمركز حزب الله في هضبة الجولان السورية تم كبحه وايران نفذت اعادة انتشار لقواتها حتى لو أنها لم تسحبها الى المدى الذي كانت اسرائيل تطمح اليه.

​“أي تغيير سياسي في سوريا يمكن أن يضعنا امام علامات استفهام صعبة”، قال للصحيفة خبير استشاري في الاستخبارات الاسرائيلية في الشؤون السورية. “نحن لا نعرف من الذي يمكن أن يستبدل الاسد، اذا نشأت ظروف لاستبداله. ولا يمكن معرفة النظام الذي سيقوم في اطار الحل السياسي، واي دول ستؤثر على النظام الجديد وماذا ستكون استراتيجية هذا النظام ازاء اسرائيل”.

​قريبا: انتخابات

​نفس هذا الخبير اضاف بأن النقاشات حول استبدال النظام في سوريا ليست في هذه الاثناء على رأس سلم اولويات اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية أو الحكومة الاسرارئيلية. الموضوع تم طرحه في السابق عندما دفعت روسيا المفاوضات من اجل التوصل الى حل في اطار عملية “الاستانة” (المحادثات التي شارك فيها ممثلو النظام وممثلو المعارضة في مدينة الاستانة، عاصمة كازاخستان، من اجل صياغة حل سياسي للازمة في سوريا)، التي في هذه الاثناء دخلت الى حالة جمود.

​اسرائيل اهتمت بالموضوع في بداية الحرب في سوريا، عندما كان مستقبل الاسد متعلق بالكبح، وممثلون اسرائيليون التقوا مع رجال معارضة من اجل مناقشة المساعدة العسكرية من اسرائيل وفحص امكانية المساعدة على اسقاط النظام. ولكن نجاح الاسد في السيطرة على معظم اجزاء سوريا بمساعدة روسيا وتفكك المعارضة الى عدد من الاجسام الادارية، أدت باسرائيل الى الاستنتاج بأنه من الافضل لها اقامة علاقات محددة مع منظمات يمكنها خدمة مصالح آنية مثل التي تعمل في جنوب سوريا من اجل منع تمركز تنظيمات مؤيدة لايران وعدم التفكير بخطط حول تغيير النظام.

​يبدو أن روسيا ايضا شريكة في الموقف الاسرائيلي. ومؤخرا قام بتقليص نشاطها من اجل التوصل الى حل سياسي. هي تشغل سلاح جوها ضد تمركزات متمردين، مثل القصف في هذا الاسبوع في مدينة تدمر، الذي فيه حسب تقارير روسيا “قتل فيه 200 ارهابي”، وهي تدعم المليشيات القبلية في شرق سوريا والتي سيطرت أمس على عدد من المباني في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة. في المقابل، هي تمسكت بسياسة الاتفاقات المحلية بين المليشيات والنظام، مثلما فعلت في العام 2018 بهدف تثبيت اتفاقات وقف اطلاق النار. هذه السياسة ساعدت بشكل كبير النظام في فرض سيطرته على مناطق كثيرة في الدولة، باستثناء المناطق المكتظة التي يسيطر فيها الاكراد، ومحافظة ادلب التي تنقسم السيطرة فيها بين قوات النظام في الجنوب وقوات المليشيات المسلحة، بالاساس جبهة تحرير الشام.

​روسيا هي ايضا من الدول القليلة التي تؤيد اجراءات الانتخابات العامة التي اعلن عنها الرئيس الاسد والتي يتوقع أن تجري في 26 أيار القادم. روسيا أوضحت أنه يجب على جميع الاطراف احترام الدستور السوري الذي يحدد برنامج الانتخابات وفترة ولاية الاسد. الذي اذا فاز في الانتخابات يمكنه مواصلة ولايته لسبع سنوات اخرى. وحسب الدستور، هذه هي الولاية الاخيرة التي يمكن للاسد التنافس فيها، لكن تغيير الدستور حسب احتياجات الرئيس ليس ظاهرة نادرة.

​المواطنون في سوريا يمكنهم ايضا التصويت في صناديق اقتراع في الخارج، لكن النظام أصدر تعليمات في السابق تقول إن السوريين الموجودين في الخارج، منهم 6 ملايين لاجيء، يمكنهم الانتخاب فقط اذا كانت لديهم بطاقة خروج رسمية من الدولة. وهذه تعليمات تحول معظم هؤلاء السورييتن الى اشخاص لا يحق لهم الانتخاب. ويمكن أن نضيف اليهم معظم الاكراد، الذين يتوقع أن يقاطعوا الانتخابات، وايضا ملايين المهجرين الذين يعيشون في الدولة ولكن ليس في بيوتهم، وهكذا لا يمكنهم الانتخاب في صناديقهم التي ينتمون اليها.

​معضلة بايدن

​الاستهزاء والانتقاد الدولي الموجه لنية اجراء الانتخابات لا تؤثر على الاسد أو على روسيا، الذين يرون فيها دليل على شرعية النظام وأن سوريا هي “دولة قانون”. الاهم من ذلك هو أن استمرار ولاية الاسد هي ايضا الضمانة القانونية لسلسلة الاتفاقات الاقتصادية التي وقعت عليها روسيا في السنوات الاخيرة مع النظام والتي تشمل امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز بشروط ممتازة، منها الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في الشهر الماضي للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية لسوريا في البحر المتوسط.

​هذا الاتفاق كان يكفي لهز لبنان وتركيا واليونان وقبرص، التي تحد المياه الاقتصادية السورية، حيث أن دخول روسيا الى هذا الملعب يمكن أن يضعضع ميزان تقسيم المياه الهش، الذي أدى في السابق الى ازمة عميقة بين تركيا واليونان وقبرص والاتحاد الاوروبي، وبين سوريا ولبنان، الذي يقول إن حدود المياه الاقتصادية بينه وبين سوريا غير مرسمة ولم يتم الاتفاق عليها حتى الآن. ايضا في هذا الموضوع لم يسمع حتى الآن موقف واشنطن، باستثناء توضيح بايدن الذي بحسبه طواقم مستشاريه يعملون الآن على فحص السياسات في الشرق الاوسط.

​في شهر تموز القادم ستتضح السياسة الامريكية بصورة أقل ضبابية عندما ستوضع على طاولة مجلس الامن مسألة فتح المعابر الحدودية امام قوافل المساعدة الانسانية لمواطني الدولة في الشمال. نحو 4.5 مليون شخص يعتمدون على قوافل المساعدة هذه، التي المصادقة على دخولها يوجد في أيدي النظام السوري والقيادة الروسية. في العام 2014 اتخذ قرار في الامم المتحدة لتشغيل اربعة معابر حدودية وهي من الاردن والعراق وتركيا، وفي كل فترة كان هناك حاجة لاتخاذ قرار جديد حول استمرار تشغيلها. روسيا والصين استخدمتا مرتين الفيتو حول تشغيل المعابر. وفي المرة الاخيرة صادقتا على معبر واحد يوجد بين شمال سوريا وتركيا.

​الولايات المتحدة والدول الاوروبية تطالب بزيادة عدد المعابر لأن المعبر الوحيد وهو معبر باب الهوى، غير قادر على التعامل مع آلاف الشاحنات التي تنتظر على طول الحدود كل يوم. سلع حيوية منها ادوية تنقذ الحياة، تنتهي صلاحيتها خلال الطريق. والقوات السورية التي تشرف على المعابر تقوم بسرقة جزء من هذه السلع أو تطالب بمبالغ مقابل العبور.

​إن اغلاق معظم المعابر التي حصلت على تعريف “استراتيجية التجويع”، التي بواسطتها يحاول النظام وروسيا اجبار المليشيات الكردية والمليشيات الاسلامية في ادلب على القاء سلاحها والاستسلام، ستضطر بايدن الى اتخاذ قرار سياسي واضح تجاه هذه السياسة الوحشية، هل سيكتفي بالادانة والرسائل الدبلوماسية، هل سيقوم بفرض المزيد من العقوبات على سوريا، وربما على روسيا ايضا، أو أنه سيقرر ارسال قوات مهمتها الاشراف على المعابر.

​إن أي قرار سيتخذه بايدن لن يكون مفصولا عن شبكة العلاقات المتعكرة بينه وبين الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، أو عن المعركة الدبلوماسية الهجومية التي يديرها ضد روسيا أو عن نتائج المفاوضات حول الاتفاق النووي امام ايران. بالنسبة لمواطني شمال سوريا الذين لا ينجحون في الحصول على الدواء والمواد الاساسية، فان هذه الاعتبارات المحترمة تعني تعرضهم لخطر وجودي، لكنهم بالطبع ليسوا شركاء.