إضرابات القدس تذكّرنا بأنّ المدينة ليست موحدة

حجم الخط

بقلم: درور يميني


حلوت (الكعك الحلو)؟ لماذا حلوت، سألت في مخبز "الأمين" على مسافة دقيقتين من باب العامود، مركز الاضطرابات في الأيام الاخيرة. هذا لرمضان، أجابوا. قبل اطلاق مدفع "الافطار"، بدأت المشتريات ترتفع. في شارع الانبياء، الذي كان فيه قبل يومين فقط شبه فتك، تجول يهود بين عرب، بلا أي خوف. انسجام؟ تعايش؟ هذا خيار أيضا.
قادني الهدوء الى البلدة القديمة. كان يفترض بهذا أن يكون مخيفا. شارع باب الواد. سبق ان حصلت هناك أمور؛ قُتل يهود هناك. ومساء أول من أمس، بدا كل شيء رائعا واحتفاليا جدا، دكاكين الحلويات بكل الانواع، كانت احتفالية.
كل هذا بسبب المتدينين، أو الشرطة. هذا ما قاله لي ريمون هيمو، صاحب الدكان الثالث في باب الواد. لماذا منعوا الجلوس على المدرج المجاور لباب العامود؟ تساءل. في دكانه الصغير، العجيب، كان يجلس ايضا شابان يهوديان. هم اصدقاء. سبق أن قلنا انسجام. يجب أن نقول مرة اخرى.
دخلت بعض الدكاكين، استقبلوني على نحو جميل ربما بسبب رجال حرس الحدود الذين كانوا يقفون اثنين كل مئة متر. كانوا يقفون في الظل دون ان يلحظهم احد تقريبا، على الا يثير وجودهم الاضطرابات. وفجأة بدا ان شيئا ما يسخن. فقد اوقفت شرطية من حرس الحدود واحد أفراد طاقمها رجلا يهوديا بقميص ابيض كان يريد أن يدخل الى شارع الواد. اوقفوه او أمروه بالعودة على اعقابه. شيء ما في لباسه، مع الكيبا بدا مهددا بعض الشيء. هو من "لاهفا"؟ هم يعرفونه. وقد انصرف دون أن يثير جلبة. عاد الهدوء. كم هو رائع أن آتي الى مساء هادئ، فكرت في نفسي، في ظل حديث مصادف مع عرب بشوشي الوجه. وكرر هؤلاء الشكوى من أن المدرج كان في السنوات السابقة مفتوحا، وادى اغلاقه الى الاضطرابات. ليس بالضبط، قلت لهم، فعنف التك توك بدأ قبل رمضان. فأجابوا ولكن لماذا نحن المذنبون؟ ننتظر بضع دقائق، قلت للمصور، وبعدها ننصرف.
كانت الساعة 9:20. وفي اعلى المدرج، امام باب العامود، ظهرت شخصية معروفة. احمد الطيبي. اجاب بالطبع عن اسئلة الصحافيين وحرص على ان يقول انه يعارض كل عنف. ولكن لماذا تتحدثون فقط عن ضحايا التك توك، لماذا لا تروون عن العرب الذين يتعرضون للاذى على نحو دائم؟ بدأ الاحتشاد حوله يتسع. وتحول العشرات ليصبحوا المئات. توجه الطيبي الى الحاجز الذي منع الجلوس على المدرج فقال له افراد شرطة حرس الحدود بأدب انهم لا يمكنهم ان يفتحوه. غادر هو نفسه بعد دقائق قليلة ولكن الجلبة بدأت. شعارات وطنية بلا نهاية بما في ذلك تحرير حيفا ويافا، القدس عربية وما شابه. طفل صغير، ابن عشر سنوات، ربما اقل هتف بجانبي: "يا يهود يا يهود جيش محمد سوف يعود". وهذه دعوة اسلامية لابادة اليهود. لماذا، بحق الجحيم يهتف اطفال صغار الشعار الاكثر عنصرية؟ ولماذا بحق الجحيم يوجد يهود يجيبونهم بـ "الموت للعرب"؟
بعد نحو ربع ساعة من بدء الجلبة سيتبين امام ناظرينا مشهد غريب. شبان عرب ازالوا الحواجز، ووضعوها جانبا، بينما يقف رجال قوات الامن دون حراك، بل يساعدونهم في ذلك. ماذا حصل؟ يتبين أنه جاء أمر من المفتش العام بازالة الحواجز. أحيانا يُتخذ قرار حكيم وصحيح بعد أن يكون جرب الطريق المغلوط. هذا يذكرنا بقصة البوابات الالكترونية. الجلبة لم تتوقف، ولكن شيئا ما هدأ.
جلست لأكتب، وإلى جانبي جلست مجموعة من الشبان. احدهم، سامي، مسلم متزمت، كان سره ان يبدأ بالحديث. خلص، فتحوا، قال لي، الآن رمضان ولا حاجة لكل هذه الجلبة. وحتى بعين غير حادة، كان يمكن للمرء أن يلاحظ خصومات صغيرة على مكانة الصارخ المتصدر. هنا وهناك كانت حاجة لتهدئة الشبان الذين تنافسوا على هذا الحق.
عدنا الى هيمو الذي يدعي بانه المسيحي الوحيد في شارع الواد. ذات مرة، كما روى، كان تيدي كوليك يجلس عنده. صدقته. كان لديه نصيحة: اعيدوا نيسو، وكان يقصد نيسو شوحام، قائد اللواء الذي حتى انفجار قضية التحرشات عرف كيف يفرض الهدوء. الكل كان يحترمه. نيسو لن يعود. والآن نحن مع قرار المفتش العام بالفتح الذي ربما، ربما فقط، سيهدئ الخواطر.
للقدس وجوه عديدة. لحظات عديدة من التعايش الحساس وبعدها يمكن لذات الاشخاص ذوي الوجوه البشوشة ان يصبحوا متظاهرين عنيفين. ربما، من يدري، بعضهم شاركوا في محاولات الفتك. كان يفترض بالقدس ان تكون مدينة موحّدة. هذا لا ينجح. يمكن للمدن المختلطة أن تزدهر فقط عندما يكون السكان فيها غير معادين. اما القدس، كما ينبغي الاعتراف، فهي ليست واحدة من هذه المدن.

عن "يديعوت"