يتدحرجون نحو مواجهة عسكرية جديدة

حجم الخط

بقلم: غيورا آيلند


ان احداث الايام الاخيرة في القدس وفي غزة تستوجب نظرة لا تبدأ بما يحصل "هنا والان". يمكن التركيز على تحليل دوافع الطرف الخصم، ولكن الطريق الاهم هو في الفحص النقدي الذي يقارن بين المصالح الإسرائيلية الحقيقية وبين افعالنا العملية. كلما كانت الفجوة بين هذين الامرين اكبر يكون الخطأ في جانبنا أكثر.
نبدأ بالقدس. كانت لإسرائيل مصلحة واضحة لبناء احياء يهودية خلف الخط الاخضر في القدس. أحياء مثل راموت، جفعات زئيف، بسغات زيف، غيلو وغيرها تعبر عن حاجة بلدية ووطنية. وبالمقابل لا توجد اي مصلحة وطنية لتشجيع اسكان لليهود في قلب احياء عربية مكتظة. عندما يصر عشرات اليهود القومجيين على السكن في قلب سلوان، الحي الذي يعيش فيه عشرات الاف الفلسطينيين، والذي يقع على مسافة مئات الامتار من الحرم، فاننا نخلق احتكاكا زائدا من العدم. لا يدور الحديث عن حدث وحيد، بل عن نشاط إسرائيلي مبادر اليه يحصل تقريبا في كل حي عربي في شرق القدس، نشاط يعد في نظر الفلسطينيين وعن حق كإصبع في العين.
عندما تسمح الشرطة لمنظمة عنصرية مثل لاهفا بإشعال شرارة في منطقة باب العامود في شهر رمضان فلا غرو أن يؤدي الامر الى اضطرارات وعنف. يعتقد موقف حكومة إسرائيل في السنوات الاخيرة، وبقدر كبير من المنطق، بانه في هذه المرحلة من الصواب ادارة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني وعدم محاولة حله. والمصلحة المباشرة النابعة من هذا النهج هي منع احتكاكات زائدة. اما عمليا فنحن نشجع بالفعل وبالقصور احتكاكات زائدة، بدءاً بأعمال "تدفيع الثمن"، التي لا يتم القضاء عليها وحتى خلق توترات في القدس. ضمت إسرائيل القدس الشرقية في 1967 ولكنها لا تعطي السكان الفلسطينيين المواطنة بل الاقامة فقط. يثور السؤال، الى اي برلمان يسمح لهم بالتصويت؟ إسرائيل تقول لا ولا، لن تصوتوا لكنيستنا، ولكن ايضا لن تصوتوا للسلطة الفلسطينية. هذا ايضا هو مصدر زائد للتوتر، ليس فقط مع الفلسطينيين بل أيضا مع جهات دولية.
من هنا الى غزة. أولا وقبل كل شيء، من المهم أن نفهم بان غزة أصبحت بحكم الامر الواقع منذ 2006 دولة، وكل دولة تحركها اولا وقبل كل شيء المصالح. وبالفعل، لإسرائيل مصلحتان بالنسبة لغزة. الاولى أمنية والثانية بيئية (في الا تضخ مجاري غزة الى البحر المشترك). المصلحة العليا لحكومة غزة هي اقتصادية، إذ انه بدون تحسين وضع البنى التحتية والتشغيل هناك، من شأن "حماس" ان تفقد الحكم. في هذا الوضع يوجد لقاء مصالح لدولة إسرائيل وغزة يقوم على اساس الهدوء الطويل من جهة، وبناء بنى تحتية، وعلى رأسها ميناء من جهة اخرى. كلما بنيت بنى تحتية اكثر سيكون لدولة غزة ما تخسره اذا ما بادرت الى مواجهة عسكرية، الضبط مثلما يكون هذا الاعتبار هو الامر الاساس الذي يوجه خطى "حزب الله" في الحفاظ على الهدوء منذ 15 سنة. "حماس"، مثل "حزب الله"، ليست فقط منظمة "ارهابية" بل أولا وقبل كل شيء كيان سياسي يعمل بحذر وبحكمة.
الاستنتاج بسيط، إسرائيل يمكنها أن تتوصل الى اتفاق بحكم الامر الواقع مع دولة غزة، ولكنها لا تفعل هذا؛ ليس لانه يتعارض ومصلحة إسرائيلية وطنية، بل لأسباب ارى غير مبررة. اكثر من ذلك، فان التفضيل الذي تبديه حكومات إسرائيل منذ 2006 هو لمواصلة الوضع القائم الذي معناه هو النار المتقطعة كل بضعة اسابيع، نار صاروخية كل بضعة اشهر، ومواجهة عسكرية واسعة كل بضع سنين.
هذه السياسة غير معلنة بالطبع، إذ لا يمكن لاي جهة سياسية ان تشرح للامهات القلقات في غلاف غزة بان هذا هو الطريق الذي تم اختياره، ولهذا فاننا نتدحرج من جولة الى جولة. الاسباب الملموسة تتغير ولكن الصورة الكبرى تبقى ثابتة.

عن "يديعوت"