ضـــم 3.8 ملـيــون فلسطيـني تهـــديـــدٌ وجـــوديٌّ لإســرائيــل

هآرتس
حجم الخط

سياسيون ومثقفون إسرائيليون، من اليمين الوطني الديني، يمجدون حركات اليمين في أوروبا، التي خطت على علمها الكفاح ضد الهجرة الإسلامية.
 وتدعي هذه الحركات بأن الهجرة الإسلامية ستمس بالهوية الثقافية للدول القومية الأوروبية وتنطوي على خطر أمني لا بأس به.
 سياسيون أوروبيون، ممن يدعون إلى تقييد الهجرة الإسلامية إلى بلادهم ويحذرون من أن ازدياد السكان المسلمين سيغير طبيعة أوروبا ويجعلها أوروبيا، مثل هرات فلدوس الهولندي، هم حلفاء اليمين الإسرائيلي.
 ثمة ادعاءات مشابهة يطلقها سياسيون في هنغاريا ودول شرق أوروبين أخرى، وتعارض دعوة المستشارة الألمانية، انجيلا ميركيل، ضد استيعاب دول الاتحاد الأوروبي مئات آلاف اللاجئين من سورية ومن دول إسلامية أخرى، وبمثابة شكل آخر لقانون العودة الإسرائيلي أعلنت سلوفاكيا مثلاً أنها مستعدة لأن تستوعب اللاجئين المسيحيين فقط من سورية. 
إن الجدال بين المؤمنين بأنه سيكون ممكناً أن يدمج في الدول الأوروبية سكان مسلمون كثيرون والساعين إلى الحفاظ على التعريف الوطني التقليدي لدول مثل ألمانيا، فرنسا، وهنغاريا يتركز على طبيعة أوروبا.
 جدالات مشابهة موجودة في الولايات المتحدة رداً على موجات الهجرة الكبرى من أميركا اللاتينية ومن آسيا، وفي دول الهجرة الأخرى مثل كندا واستراليا. 
وفي اسرائيل أيضا يدور جدال كهذا بين أولئك الذين يريدون تغيير طابعها اليهودي وأولئك الذين يريدون تعزيزه. 
حتى لو استمرت الهجرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، بوتيرتها الحالية، من الصعب تصور وضع يعرض فيه سياسي ما مضاعفة عدد المسلمين في فرنسا أو في ألمانيا، فالناخبون غير المسلمين، ومنهم الليبراليون من مؤيدي الهجرة، سيدعون بأن مثل هذا السياسي يحقق خطة للانتحار الوطني، فإذا كان 30 بالمئة من السكان في ألمانيا أو فرنسا مسلمين فإن الطابع الثقافي لهاتين الدولتين سيتغير تماماً. 
ما يبدو مصيبة وطنية في فرنسا أو في ألمانيا يعتبر سيناريو واقعياً ينبغي دفعه إلى الأمام في اسرائيل، فبعد كل شيء، لا فرق بين سياسي إسرائيلي يعارض تقسيم البلاد لدولة يهودية ودولة عربية ويؤيد ضم «يهودا»، «السامرة»، وغزة وبين سياسي فرنسي أو ألماني يريد أن يحول أوروبا إلى أوروبيا، فضم نحو 3.8 مليون فلسطيني من سكان «المناطق» لإسرائيل سيجعل نحو 40 بالمئة من مواطني الدولة اليهودية عرباً مسلمين/ وإسرائيل ستصبح إسرابيا. 
فهل احد ما يعتقد ألا تصبح مثل هذه الدولة في غضون وقت غير طويل جزءاً من العالم العربي؟ الجالية اليهودية فيها ستصبح أقلية عرقية ودينية، مثل الأكراد في العراق أو المارونيين في لبنان.
 سيكون من الصعب أن نتوقع من أغلبية جمهور الناخبين، والتي ستضم مسلمين ويهوداً أصوليين، ستؤيد أجندة غربية تؤيد ضمن أمور أخرى حقوق المرأة وتدفع إلى الأمام حقوق المثليين. 
وبينما يتنازل المتخيلون لدولة واحدة لكل مواطنيها من اليسار مسبقا عن الهوية اليهودية لإسرائيل، فإن اليمينيين يحلمون أن تبقى اسرائيل معقلا صهيونيا يدافع عن مصالح العالم الغربي ضد الإسلام الراديكالي، وينجحون في تسويق هذه الفكرة لمعارضي الهجرة الإسلامية إلى أوروبا.
 لشدة المفارقة، فإن أحداث الأسابيع الأخيرة في القدس الموحدة، حيث العرب المسلمون هم نحو ثلث سكانها، يمكن أن تشكل نموذجا للكابوس الأوروبي.
 مثل هذه الأحداث قد تحصل في باريس أو في أمستردام في المستقبل غير البعيد، إذا ما ازداد عدد سكانهما المسلمين. 
إن استيعاب السكان ذوي الهوية العرقية، الدينية، والثقافية المختلفة تماما عن السكان الأغلبية، هو تحد قاس للدولة القومية الليبرالية، وإن كان مثل هذا المشروع يمكن أن يتحقق بالتدريج وعلى مدى فترة طويلة نسبيا.
 حتى الولايات المتحدة، دولة الهجرة التي لا تعتبر دولة القومية الأنجلوساكسونية، تكتشف الإشكالية التي في استيعاب مئات آلاف المهاجرين من المكسيك. 
 وعليه فليس مفاجئاً أنه في الفترة التي بدأ فيها التطرف الديني في العالم الإسلامي، بدت فكرة الهجرة الإسلامية الكبيرة إلى أوروبا المسيحية أحياناً مهمة متعذرة.
 في هذا السياق فإن فكرة أن تضاعف اسرائيل، التي تعرف نفسها دولة يهودية وغربية، عدد سكانها المسلمين، وتحافظ على هويتها ليست عملية بل خطيرة.
 ومؤيدو الفكرة يدعون بأن ما يمنع الاندماج الناجح لعرب شرق القدس هو النقص في أماكن العمل وشبكة المجاري المتخلفة.
 وفهم مادي من هذا النوع يعمل على دفعه إلى الأمام مثلا موشيه آرنس، غير المستعد ليعترف بأن الاختلاف في منظومات الهوية، أكثر من الفروق في مستوى المعيشة، يفسر الصعوبة التي في جعل أجزاء «بلاد اسرائيل» اليهودية والعربية وحدة سياسية واحدة.
 بدلاً من التشديد على المشاكل الأخلاقية النابعة من الاحتلال الإسرائيلي، يمكن لزعماء المعسكر الصهيوني وأحزاب المعارضة الأخرى أن يعرضوا سياسة معسكر اليمين كخطر وجودي لإسرائيل.
 يمكنهم أن يكتفوا بوصف ما يجري الآن في سورية، في العراق، وفي أجزاء أخرى من الشرق الأوسط والادعاء بأن سياسة الحكومة الحالية هي التي ستجعل اسرائيل دولة عربية – إسلامية.
 عن «هآرتس»