في مكان خلاب ساحر تتلألأ فيه المصابيح كنجوم السماء بجمالها وبين الاشجار التي تبدو محيطة في قصر ما من قصور الثوار والمناضلين فرشت الحديقة بالكراسي والمناضيد المتصلة والمنفصلة والمشهد يقول سهرة رمضانية بعد الافطار وفي زاوية اخرى فرقة موسيقية مع مغني لاغاني من التراث يشدو بالحنين للارض ويردد الارض لنا يجلس المدعوون تتمايل رؤوسهم طربا مع مشاريب لكل من يهوى ويعشق من مشروبات عُرف من المدعوين عزام الاحمد وفتوح والمدني وطارق عباس ووليد عساف وانتصار ابو عمارة وسيدات مجتمع اخريات وربما لرجال اعمال وقادة امنيين ... المهم ما نقله الفيديو لهذا الحفل بتمايل الرؤوس على اغنية "" البلد النا " لهذا المطرب الذي يتقاضى ربما على مئات الشواكل ليطرب من مجموعة من اللصوص وناهبي المال العام وسارقي تاريخنا ونضالاتنا لتقع في لوحة على بعد مئات الامتار من المكان وبثلاث لغات العبرية والانجليزية والعربية مكتوب : انتبه (انك تدخل في منطقة تحت ادارة الحكم الذاتي لفلسطيني ، الدخول يتم بالتنسيق مع سلطات جيش الدفاع الاسرائيلي فقط "".
ربما المشهد الاول مرتبط بالشهد الثاني وهو اجتماع القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس عباس ليعلن ان فكرة تنفيذ الانتخابات مرتبطة بموافقة اسرائيلية لاجرائها في القدس ، هذا المشهد الذي بشكل او باخر يعني تراجع فكرة الانتخابات كما اعلن عنها في القاهرة و ميثاق الشرف كوسيلة لانهاء الانقسام وتجديد الشرعيات واعطاء الشعب الفلسطيني في الداخل مساحة حرة لاختيار قياداته من خلال صندوق الانتخابات ولكن شرطية الرئيس عباس قوبلت برد اسرائيلي يقول "جيراننا الاصدقاء الفلسطينيين ليس لدينا حكومة لكي تبحث في امر الانتخابات في القدس" و كما ورد على لسان الرئيس بأن جميع الجهات الاقليمية والدولية فشلت في اقناع اسرائيل باجراء الانتخابات في القدس .
المهم في هذا الامر كيف يمكن تعليق قرار وطني هذا اذا خضعنا لرؤية الواقعيين في الساحة الفلسطينية "الاوسلويين " بأن الانتخابات هي استحقاق وطني على اعتبار ان اوسلو كان خيارا وطنيا !! ولذلك نحن نتحدث من خلال هذا المفهوم رغم عدم قناعتنا بتلك القيادة وقيادتها منذ عقود و نهجها السياسي والوطني اذا حقا كان وطنيا ، القدس في وجهة النظر الاسرائيلية موحدة و حصلت على اعتراف امريكي لم تلغيه الادارة الجديدة لبايدن وبالتالي هذا المكسب لا يمكن ان تفرط به اسرائيل بالاضافة الى الخرافات التاريخية والاعداد الثقافي للاجيال الاسرائيلية التي ولدت على الارض الفلسطينية في يهودا والسامرة .
اذا كيف يجمد الرئيس الفلسطيني النظام السياسي الفلسطيني سواءا الثبات في مربع اوسلو او الخروج عنه كما يطالب الوطنيين الاخرين و المتشددين ، كيف يمكن ان نخرج من هذا المأزق اي يعني تبقى الساحة الفلسطينية هي رهن البرنامج الاسرائيلي اذا لابد من برنامج عمل وطني غير كلاسيكي تُدفع فيه القوى الشعبية لتغيير موازين القوى الامنية للاحتلال في الضفة الغربية والقدس و هذا ما يرفضه الرئيس ، في نفس المشهد و بعد الغاء الانتخابات تقريبا يرسل الرئيس برقية تعزية للرئيس الاسرائيلي اريفلين بضحايا الجسر و على مقربة من منزله منذ عدة ايام تقتحم القوات الاسرائيلية منزل احد الصحفيين وتعتقله ليلا .
هؤلاء المحتفلون في المشهد الاول بالانتصارات التي حققها الرئيس بالغاء الانتخابات سواءا ما قبل التأجيل او ما بعده "تحت اغنية البلد النا" فعلا هي البلد لهم لتلك النخب التي اخذت النظام السياسي والحركة الوطنية لمصالحها الخاصة التي لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يكن الخلاف بينها وبين الاحتلال خلافا رئيسيا بل بمقدار ما يحقق لها من مكاسب في ظل حركة وطنية دمرت تماما على ايدي هذه النخبة من القيادة ووطن قسم اي بقايا الوطن فأصبحت غزة شبه دولة و الضفة ايضا روابط مدن ضمن مراكز قوى عشائرية وتنظيمية هنا نستطيع ان نسجل ان الحركة الوطنية المعاصرة فشلت فشلا ذريعا قيادتها و نخبها ولابد من الخروج من هذا النظام السياسي بأي طريقة و مهما كلف الامر ، تأجيل الانتخابات او الغاءها تعني ايضا ان قد تكون هي اخر انتخابات تشريعية لسلطة اوسلو وقد يكون الرئيس عباس هو اخر رئيس لسلطة الحكم الذاتي المحدود .
مسخرة و سخافة و انحطاط ان ينقل فيديو عن تلك القيادة في احتفالية اثناء او بعد الغاء الرئيس للانتخابات و هذا يبين مدى السقوط الذي اصيبت به حركة فتح بقيادة عباس و نائبه و من هم مسؤولين تاريخيا و كان يجب ان يحاسبوا ويحقق معهم مثل المدني الذي يرأس لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي ، هم يحتفلون بنصرهم على الواقع الفلسطيني المطالب بالتغيير و تجديد النظام السياسي واعادة فتح كحركة وطنية من خلال وحدتها و وحدة ادبياتها هكذا هم احتفلوا ف تلك الليلة السوداء التي تعبر عن سواد وجوههم وفضحهم و فضائحهم .
تتغنى نخبهم بذكاء محمود عباس في قطع خط الرجعة عن الاصلاح و ايضا تحت عباءة القدس رغم ان تجربتنا التاريخية مع محمود عباس و هذا النهج تقول ان محمود عباس يتحدث ويتخذ قرارات بحق يراد به باطل في حين ان الواقع الفلسطيني تقريبا بأكمله اصبح لا يستطيع الحركة فهو مكبل الفكر والفعل و التفاعل من خلال مربع اوسلو سواءا بوجود عباس او بعدم وجوده فثقافة اوسلو اصبحت ثقافة دارجة فالكل لا يبحث الان في قضية التحرير و دولة ذات سيادة فالاولويات الان في ظل هذا الواقع تبحث في برامج لا تخرج عن نظرية بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق و محددات صفقة القرن و الحل الاقتصادي الامني امام مئات الالاف من البطالة و نسب الفقر التي ربما هي اعلى نسبة في العالم هكذا البرامج تتحدث عن انقاذ للانسان الفلسطيني في حين ان حركة التحرر الوطني بكل ادواتها وبرماجها تكون رافعة للانسان الفلسطيني و مقاومة للاحتلال في ان واحد .
اذا وقعنا في فخ ان نفكر ونتفاعل و نتخاصم و نتبارى و نتبادل التهم في مباراة خاسرة مباراة انتخابات و مصالح (بدون وطن) ولا سيادة هكذا الامور اذا .
نخب الخمسينات والستينات حتى السبعينات عندما كانت الثقافة والفكر تلتصق بالكتاب والصحف كانوا ملتصقين بالارض والقضية وثوابتها وديمومة التفاعل مع نتائج النكبة والبحث عن طرق استرداد الوطن. اما الان فهي نخب من السحيجة الفارغة المفرغة بفعل فاعل لعنه الله هو وجوقته واصبح الثقافة التسحيج من اجل لقمة الخبز وكذلك البرامح فلا احد يقوى او يتجرأ على طرح الكفاح المسلح والثورة الشعبية والتحرير ..واكتغوا بمظلة من الاحتلال يصيغون برامجهم متكيفين معها...فحدثوا بلا حرج.
و لذلك اضع المحددات التالية
1-الانتخابات في ظل الاحتلال وقوانينه باطلة في القدس وغير القدس ومن يسعى اليها يريد ان يعيش بشرعنة الاحتلال
2-سلطة تعمل تحت الاحتلال لا شرعية لها.
3- فكرة الانتخابات اتت لحرق مراحل في التاريخ النضالي والوطني من اجل التحرير والحرية والسيادة.
4- اي اطر يجب ان تكون بتاسيس وحماية وطنية يدعمها فكرة مكافحة الاحتلال واجلاءه عن اي ارض فلسطينية لتكون قاعدة ارتكازية على طريق تحرير الوطن لا ان يصبح للخيار بانتخابات في ظل واقع الاحتلال.
5- يجب دعم انتفاضة شعبنا في القدس لتتمدد الى سائر المناطق الفلسطينية ليصبح الاحتلال مكلفا امنيا واقتصاديا ليرحل من الضفة بدون شروط
6- الغاء او تاجيل الانتخابات لبقاء الوضع القاىم كارثي مالم يكن بدائل اخرى وطنية تنهي هذا النهج سلوكا ووجودا من خلال التصعيد مع الاحتلال.