إسرائيل تجاوزت منسوب "الأبرتهايد"

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي

 

 


قررت «هيومن رايتس ووتش»، إحدى منظمات حقوق الانسان المهمة، أن إسرائيل قد تجاوزت المنسوب: جرائم ضد الانسانية ونظام ابرتهايد. يمكن بالطبع أن نواصل المناكفة الى ما لا نهاية حول بنيامين نتنياهو، ونحذر بشفقة من المس الفظيع بالديمقراطية الإسرائيلية المعروفة وسلطة قانونها، ويمكن أن نواصل خداع أنفسنا والتسلي والكذب بقدر ما نستطيع. ولكن عندما تتراكم التقارير، في كانون الثاني كانت «بتسيلم» الإسرائيلية، والآن «هيومن رايتس ووتش» الأميركية، لا يعود بالامكان الادعاء بأن البصقة على وجهنا هي مطر. البصقة هي بصقة، وهي سميكة جدا. وهي تلزم الإسرائيليين اصحاب الضمير بالتفكير حول الدولة التي يعيشون فيها، وتلزم الحكومات بسؤال نفسها هل ستواصل احتضان دولة هذا هو نظامها؟
وزارة الخارجية الإسرائيلية يمكن أن تحتج على التقرير الذي نشر قبل أيام بقدر ما تريد، وأن تقول إنها منظمة مناوئة لإسرائيل ولاسامية وإن هذه أكاذيب، وأن تسأل: ماذا بشأن سورية، وتنسى أن سورية لا يتم التعامل معها مثل إسرائيل. وسائل الاعلام الإسرائيلية يمكنها مواصلة التقليل من اهمية التقرير وتجاهل وجوده، كل ذلك من اجل أن تريح مستهلكيها. ولكن في نهاية المطاف هناك شيء معين يجري أمام عيوننا المغمضة. تبدد الوهم بأن الاحتلال مؤقت، ومعه سيتحطم السحر المزيف لإسرائيل كدولة ديمقراطية.
لم يعد هناك أي طريقة لمناقضة التشخيص: ابرتهايد. فقط رجال دعاية الكذب يمكنهم القول إن إسرائيل هي دولة ديمقراطية في الوقت الذي يعيش فيها ملايين الاشخاص منذ عشرات السنين تحت واحد من الانظمة العسكرية المستبدة في العالم. ايضا لا توجد أي طريقة لالغاء حقيقة أن المكونات الثلاثة للابرتهايد حسب ميثاق روما والمذكورة في التقرير توجد في إسرائيل: الحفاظ على سيطرة مجموعة عرقية واحدة على مجموعة اخرى، وقمع منهجي لهذه المجموعة، واعمال غير انسانية.
ما الذي بالضبط لا يوجد في نظام التفوق اليهودي في «ارض إسرائيل»؟ ألا يوجد قمع منهجي؟ ألا يوجد حفاظ على السيطرة؟ ألا يوجد اعمال غير انسانية؟ في كل ليلة، حتى لو لم يكن هناك من يبلغ عن ذلك، وحتى لو لم يكن هناك من يرغب في أن يعرف، يتم ارتكاب اعمال غير انسانية. ومن يمكنه الادعاء بعد الآن بأن الاحتلال استهدف فقط الدفاع، وأن نهايته تلوح في الافق، دون الانفجار من الضحك؟ اذا كان هذا أمرا غير مؤقت وغير مساواتي، فماذا هو إن لم يكن ابرتهايد؟ نحن لسنا بحاجة الى «بتسيلم» أو «هيومن رايتس ووتش» كي نعرف.
العالم بحاجة اليهم. شخص معين مضطر إلى ايقاظه من سباته الأخلاقي وإنقاذه من منطقة الراحة التي فيها إسرائيل هي العزيزة التي لا يمسها أحد بسوء أبدا، حيث إنها الحصن المتقدم للغرب أمام البرابرة المسلمين.
أميركا جو بايدن بدأت في اظهار علامات ابتعاد عن إسرائيل، لكن هذا يمكن أن يتبين أنه ابتعاد عن بنيامين نتنياهو فقط. وعندما يذهب الشيطان فان أميركا ستعود الى احتضان إسرائيل وقيادتها الى «عملية سلمية» اخرى عديمة الجدوى. اوروبا الغربية، التي تستنجد حكوماتها طالبة ضوءاً اخضر من أميركا من اجل تطبيق ما تطالب به اجزاء كبيرة من الرأي العام لديها – الحفاظ على القانون الدولي ومعاقبة من يخرقونه – هي الآن ما زالت أسيرة مشاعر الذنب وخاضعة للتعريف الدولي الجديد للاسامية مثلما عرفها اللوبي الصهيوني الذي يقوم بتجريم أي انتقاد للاحتلال.
لكن عندما تقرر منظمات دولية مهمة ما هو معروف منذ زمن، أن هذا ابرتهايد، فإنهم في واشنطن وبرلين وباريس ولندن لا يمكنهم مواصلة اغماض العيون.
شخص ما سيضطر الى أن يسأل ايضا هناك: هل من المسموح التعامل مع دولة الابرتهايد الثانية بالوسائل مثلما تعاملنا مع سابقتها؟ لماذا في الحقيقة لا؟ هل لأن البيض هنا هم يهود؟ هل لأنها هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط؟ هل لأنه كانت هناك كارثة؟ أم لأن الإسرائيليين يحاربون، الآن، من اجل الدفاع عن «الديمقراطية لليهود» الخاصة بهم؟ ما هي العلاقة؟
«بتسيلم» و»هيومن ووتش» هم طائر السنونو الذي يبشر بقدوم الخريف، أو مثلما يقال بقدوم الربيع. هذا سيأتي عندما سيعرفون في تل ابيب بأننا نعيش في دولة ابرتهايد، وفي واشنطن يستخلصون العبر الحتمية التي لا يمكن الامتناع عن استخلاصها.

عن «هآرتس»