حول قرار تأجيل الانتخابات

حجم الخط

بقلم مصطفى إبراهيم

 

 

جاء اعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس "تأجيل" الغاء الانتخابات التشريعية وفقا لما ذكره في ختام اجتماعالقيادة الفلسطينية في رام الله إلى حين ضمان مشاركة القدس وأهلها في هذه الانتخابات، فلا تنازل عن القدسولا تنازل عن حقّ شعبنا في القدس في ممارسة حقّه الديموقراطي.

الغاء الانتخابات كان متوقعا في ظل غياب اليقين والضبابية التي رافقت البدء في التحضير للعملية الانتخابية،وعدم نضوج القرار والموقف الرسمي للقيادة الفلسطينية من اتمامها، نظرا للموقف الاسرائيلي الرافض لاجراءالانتخابات في القدس.

وكذلك الموقف الاوروبي والامريكي والعربي ايضا، وعدم قدرة اي من تلك الاطراف ممارسة الضغط على اسرائيللممارسة الفلسطينيين حقهم في المشاركة السياسية وتقرير شأنهم الداخلي بانتخاب ممثلين لهم.
وهنا تبرز ازمة المشروع الفلسطيني التي لم تأخذها القيادة الفلسطينية بالاعتبار، او هي تعلم لكنها لم تعملجاهدة لتهيئة الداخل الفلسطيني قبل الخارج بحقيقة ونوايا الاحتلال الاسرائيلي ورفضه المتوقع، خاصة في ظلتوقع معظم المحللين والمراقبين بحقيقة الموقف الاسرائيلي. إضافة الى التعقيدات الداخلية الفلسطينية المتعلقةبحركة فتح، وعلى الرغم من التوافق عليها والتغاضي عن بعض التحديات القانونية، وهي كانت محل شك، مع انهاتعقيدات جوهرية وكان ولا يزال من الاهمية، وتم البحث فيها بانتهازية شخصية من قبل القيادة.

وفيما يتعلق بالرفض الاسرائيلي، مع ان السلطة متمسكة بالانتخابات وفقا لاتفاق ارسلو ما يعني التسليموالرضوخ لارادة واملاءات دولة الاحتلال. وهو موقف يرفضه عموم الفلسطينيين الرافضين ايضا لقرار الالغاء وهذالا يعني اجراء الانتخابات بدون القدس.

وفي الوقت الذي كانت العملية الانتخابية تسير بشكل مقبول، وينتظر الفلسطينون اتمامها، كانت القيادةالفلسطينية تنتظر موافقة دولة الاحتلال وتعول عليها والتي ترفض ان تكون القدس جزء من العملية الانتخابية،وهي تمارس عمليات التهويد والتطهير العرقي والتمييز العنصري بحق الفلسطينيين الصامدين على ارضهموالذين يحاربوا باظافرهم مجمل السياسات الصهيونية.

منذ قرار الاعلان عن اجراء الانتخابات، وحتى قيل ذلك كانت دعوات كثيرة بان المدخل لفكفكة ازمة المشروعالوطني الفلسطيني، ليست بإجراء الانتخابات التشريعية وجزء من الشعب الفلسطيني.
ان قرار الغاء الانتخابات لم يأخذ في الاعتبار المخاطر المتمثلة في استمرار وتثبيت الانقسام الفلسطينيالسياسي والجغرافي، وتعزيز المناطقية بين غزة والضفة والقدس وفلسطيني الداخل، والبحث في حلول فردية بينمكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

وهو ما يكرس ازمة المشروع الوطني الفلسطيني، في غياب البرنامج الوطني والسياسي، وتهميش الهيئاتوالمنظمات والاتحادات الشعبية والنقابات المهنية، وتهشيم المجتمع المدني.
وهذا ما يعزز سياسة الإقصاء والتفرد والمصالح الضيقة والحفاظ على المكتسبات التي حققها بعض من النخبةالسياسية الحاكمة واوهام الدولة والسيادة تحت الاحتلال.

وفي ظل ذلك والسؤال المطروح، وفي حال استمرار رفض دولة الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس، وهذا هوالواقع لسنوات قادمة، ماذا سيكون الموقف الفلسطيني؟ هل سيكون الانتظار؟

الغاء الانتخابات والحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، كل ذلك مجرد اوهام وتكريس للامر الواقع والانقسام،وفي ظل عدم اتخاذ إجراءات وسياسات لتعزيز صمود الناس في القدس والضفة وغزة، كل ذلك يبقى سرابوتدهور للاوضاع المأساوية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
كمان ان الحديث عن حوار وطني واجتماعات جديدة هي مضيعة للوقت، وتكرار لما تم نفاشه خلال السنواتالماضية، وموجة جديدة من المناكفات والتخوين بين جميع الاطراف.

إلغاء الانتخابات يعني عدم تجديد الشرعية للنظام السياسي الفلسطيني، ومصادرة الحق في المشاركةالسياسية، وهي والوسيلة الديمقراطية لتجديد النظام السياسي الفلسطيني وشرعيته برمته وليس انتخاباتتشريعية فقط، بما يمكن الشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة من اختيار ممثليه في منظمة التحريروالمجلس التشريعي، بعد تآكل الشرعية الشعبية والقانونية لمجمل النظام السياسي الفلسطيني.

وهدم أسس العمل الوطني الديمقراطي المغيب، وتغليب التفرد والاقصاء، والعمل على تجميل النظام السياسيبديمقراطية مزيفة وتحريف المصطلحات والمفاهيم وإفراغها معناها الحقيقي، وكي الوعي الوطني وتحويلانتصار المقدسيين وصمودهم الى هزيمة وطنية ومعنوية، وخيبة امل في صدقية المقاومة الشعبية التي جسدهاالمقدسيين والتفاف جموع الفلسطينين حولها.

ان الواقع المأساوي والسوداوي والاستبداد والإقصاء، وتقييد الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والاعتداء علىحقوق الانسان، والتضييق على المجتمع المدني والتغول على القضاء، وعدم الاعتراف بحق المعارضة، وغيابالمشاركة والشراكة مِن قيل السلطتين الحاكمتين في الضفة وغزة.
وفي ضوء ذلك، واذا لم يتم استدراك للحال المأساوي للمشروع الوطني تظل الخشية قائمة من استمرار التغولعلى الحقوق والحريات العامة. واذا لم يقم المجتمع بتحصين نفسه فالقادم خطير، وسنشهد مزيد من تهشيمللمجتمع والتدهور وفرض القيود والتضييق على الهوامش والمساحات المكتسبة.

المطلوب عدم الاستسلام، والمضي قدما لاجراء التغيير واستعادة حيوية المشروع الوطني، واعادة الاعتبار لحركةالتحرر الوطني الفلسطينية المستمدة من صمود الفلسطينيين، ونضالهم في اماكن تواجدهم، والعمل المشتركللتغيير، وتحديد الرؤية والاهداف الوطنية المستقبلية المتمثلة في المقاومة والنضال من أجل استعادة الروح الوطنيةوبناء منظمة التحرير والنظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية حقيقية، واستعادة الرواية التاريخيةوالحقوق الفلسطينية.