هل من مخرج من مأزق الانتخابات؟

حجم الخط

بقلم عريب الرنتاوي 

 

لم «يشترِ» أحدٌ، على ما يتضح، الرواية الرسمية الفلسطينية عن تأجيل الانتخابات، ربما باستثناء «النواة الفتحاوية» المقربة من القيادة والمحسوبة عليها، تيارات في فتح، غاضبة منها ومتمردة عليها، لم تتلقف الرواية، بل رفضتها وفندتها…كافة الفصائل الوازنة، عارضت تأجيل الانتخابات، ومعها معظم، إن لم نقل جميع، مؤسسات المجتمع المدني، ولا شك أن الرأي العام الفلسطيني، أصيب بخيبة أمل كبرى بقرار التأجيل، لا توازيها، سوى حماسته الفائقة للمشاركة، انتخاباً (93.3 بالمئة سجلوا في كشوف الناخبين) وترشيحاً (36 قائمة ومئات المرشحين).

الاتحاد الأوروبي، ككتلة دولية، ودول أعضاء (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا واسبانيا)، أغضبهم قرار التأجيل، وطالبوا السلطة بتحديد موعد جديد لها، في الوقت الذي طالبوا فيه إسرائيل، بتسهيل إجرائها في عموم الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس…الأمم المتحدة فعلت الشيء ذاته.

الولايات المتحدة التي لم تبد اهتماماً منذ البدء بموضوع الانتخابات، آثرت ترك المسألة للشعب الفلسطيني وقيادته، للقيام بما يلزم، موقف «سلبي» ينم عن عدم اكتراث بالملف الفلسطيني، برغم المواقف والإيحاءات «الإيجابية» التي صدرت عن إدارة بايدن، وبصورة تؤكد ما كان متوقعاً: الإدارة لا ترغب في استثمار الوقت والجهد في الملف الفلسطيني.

ما يهم دول الجوار العربي، أن تأتي «الانتخابات بلا مفاجآت»، والمفاجأة التي تلتقي معظم العواصم العربية على رفضها، هي فوز حماس واكتساحها لصناديق الاقتراع، هذا «فأل سيء» لدولٍ لا تجري انتخابات في العادة، أو أنها تجريها وفق «هندسةٍ» تضمن نتائجها مسبقاً، وقبل فتح مراكز الاقتراع.

يعني ذلك، أن رواية السلطة، قد تجد آذاناً صاغية لدى عواصم عربية، ليس لأن القدس هي موضوعها، بل لأن الانتخابات بذاتها، ليست أمراً مرحباً به، سيما إن كانت حرة وشفافة ونزيهة، وسيستقبلها المسؤول الأمريكي بكثير من التثاقل والتبرم، إن وجد متسعاً من الوقت، ولن تجد هذه الرواية من يرحب بها في العواصم الأوروبية والمنتظم الدولي…يعطي ذلك، القيادة الفلسطينية، هامشاً للمناورة والمراوحة، بين القبول بتحديد موعد جديد للانتخابات، أو «أن تأخذها العزة بالإثم».

أوروبا هي المانح الأكبر للسلطة الفلسطينية، ولموقفها «وقعٌ» مهم في مطبخ القرار الفلسطيني، لكن أوروبا، يمكن أن يُلوى ذراعها من قبل واشنطن وعواصم الإقليم، سيما مع إطلالة شبح حماس من فوهات صناديق الاقتراع، كما يُقال، مع أنني ما زلت على ثقتي بأن حاصل جمع مقاعد التيار الوطني الفلسطيني على تعدد قوائمه، كان سيشكل غالبية مقاعد المجلس التشريعي، وأن فرص اكتساح حماس، تبدو ضئيلة، إن لم نقل معدومة.

ما علينا؛

ثمة نافذة ضيقة للأمل، والهبوط عن قمة الشجرة، إن قررت القيادة الفلسطينية إدراك ما يمكن تداركه، كأن يتحدد موعد قريب للانتخابات، وتتواصل عمليات الضغط على الاحتلال، شعبياً في القدس تحديداً، وسياسياً وديبلوماسياً على مستوى العالم، مع إعمال التفكير الخلاق لضمان مشاركة أهل القدس فيها، على أن تستغل الفترة «القصيرة» القادمة، لملمة شتات فتح، ومحاولة توحيد قوائمها، أو التنسيق فيما بينها، لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي.

لكن مشكلة «سيناريو كهذا»، أنه سيصطدم بعقبة الانتخابات الرئاسية، فالرئيس عباس، وبرغم بلوغه السادسة والثمانين من عمره، ما زال مصراً على الترشح لولاية جديدة، نابذاً فكرة أن يكون له نائب، دع عنك أن يكون هذا «النائب» منتخباً…شغف الرئيس بالرئاسة، وتعلق فتح بالسلطة، عطلا الانتخابات لسنوات طوال، وحينما أزفت لحظة الحقيقة والاستحقاق، وبدا أن الرئاسة كما الهيمنة، قد بلغتا نقطة «اللاعودة»، تراجع «القوم» عمّا تعهدوا به، وأُرجئت الانتخابات تحت وابل كثيف من القنابل الدخانية الممهورة بخاتم القدس، ضاربين عرض الحائط، بالكلف الباهظة وطنياً لـ «بقاء القديم على قدمه».