في بداية التسعينيات من القرن الماضي نشر المؤرخ الأميركي، فرنسيس فوكوياما، كتابه «نهاية التاريخ»، حيث زعم أنه مع انتهاء الحرب الباردة تنتهي حقبة الصراعات الايديولوجية.
المحلل توماس فريدمان كتب في صحيفة «نيويورك» بأن الاتحاد الاستراتيجي بين الولايات المتحدة واسرائيل قد انتهى، ومع انتهاء الصراع بين روسيا والولايات المتحدة لن تكون حاجة لذلك.
وقد أجبت فريدمان في حينه أن التهديد الاسلامي الآخذ في التطور سيهدد العالم الحر أكثر من تهديد الاتحاد السوفييتي.
ومع مرور الوقت استيقظ العالم من الاكاذيب الحلوة، لكن ليس بشكل كاف.
هل سيقنع القتل الجماعي في باريس زعماء العالم المتنور في الغرب وفي الشرق بأن الحديث لا يدور عن اعمال «متطرفين» أفراد غير معروفي الاسم، كما أسمتهم في حينه وسائل الاعلام الفرنسية بعد عملية الصحيفة «شارلي إبدو»، بل عن حرب شاملة للاسلام المتطرف على اشكاله ضد العالم المتنور والديمقراطي؟ اذا استطاع «داعش» تنفيذ هجوم ارهابي بهذا القدر في فرنسا فان هذا يعني أن الحديث يدور عن عدو من نوع جديد، لا تردعه الحدود السياسية (التي مُحيت أصلا في اوروبا) أو المسافات بين القارات.
لهذا عندما يقول «داعش» إن اهدافه القادمة ستكون روما، لندن، وواشنطن، يجب التعاطي مع ذلك بجدية وليس على أنه مجرد كلام انفعالي.
يتبين أن اوروبا في هذا الوضع ستعيش على السيف وليس اسرائيل فقط.
ومن سلسلة العمليات في باريس يبرز ضعف الاستخبارات الفرنسية، رغم الاعتراف بأن التركيز الاسلامي الكبير في فرنسا لا يساعد الفرنسيين في مهمتهم.
فرنسا، التي لا تتغاضى عن ارثها الايديولوجي والعالمي الانساني في النظر الى مواطنيها دون تمييز في الأصل أو الدين (رغم أنها تغاضت في الحرب العالمية الثانية عن مواطنيها اليهود)، ستضطر الى ايجاد طريقة من اجل الدفاع عن نفسها دون هوادة في مواجهة الارهاب الاسلامي.
تحرك الشعوب أدى على مدار التاريخ الى تدمير ثقافات وامبراطوريات، وتحرك الشعوب الحالي من الشرق الاوسط وشمال افريقيا الى اوروبا لا يشمل فقط اللاجئين بل يشمل كذلك تعزيزا كبيرا لقوات التدمير الاسلامية، الامر الذي سيحدث نتيجة مشابهة اذا لم يتم وقفه.
أعرب الرئيس اوباما عن التزعزع الصادق من الاحداث في العاصمة الفرنسية، ووعد بأن تقدم الولايات المتحدة المساعدة في الحرب ضد الارهاب.
لكن اذا حكمنا على أقواله بناء على تصريحات سابقة، فهو مثل الآخرين في الغرب الليبرالي صاحب الضمير والمتلون احيانا، لا يزال يربط بين الارهاب وبين الاضطهاد والتمييز في العالم العربي والاسلامي والضائقة الاقتصادية والجرائم التي قام بها الغرب على مر التاريخ، بدل الاعتراف بأن ما يحدث ليس أقل من حرب بين الظلام والنور، ومن شأن نتيجة هذه الحرب أن تفرض مجرى التاريخ والمستقبل.
لن يكون من الصواب المبالغة في العلاقة بين الارهاب في اوروبا وبين ما يحدث عندنا يوميا.
رغم أن دوافع القتلة هنا وهناك متشابهة: اقتلاع «الكفار» من الاراضي «العربية الاسلامية»، تلك الاراضي التي يسعى الاسلام المتطرف الى احتلالها.
عن «إسرائيل اليوم» -