بن غوريون : لاحقوا الفلسطينيين حتى الأردن كي لا يعودوا إلى بيوتهم

حجم الخط

هآرتس – بقلم عوفر أديرت

في صفحة من صفحات مذكراته، وصف دافيد بن غوريون الأهداف التي يتجسس عليها جهاز التجسس في إسرائيل قبل أن تكمل عامها الأول. هذه القائمة، وبخط يد رئيس الحكومة الأول، شملت “المنشقين” (منظمة “ايتسل” ومنظمة “ليحي” اللتين لم تخضعا لسلطة المؤسسات المنتخبة لـليشوف)، والطوائف الشرقية (بالأساس المهاجرين من شمال إفريقيا في التجمعات السكنية المؤقتة للمهاجرين)، و”أحزاباً” (خصومه السياسيين)، وماكي (الحزب الشيوعي الإسرائيلي). عدّد القائمة في مذكراته بعد اللقاء بينه وبين آيسر هرئيل، ورئيس الموساد، ورئيس الشباك الأول، الذي احتج أمامه على عدم المصادقة له على ما يكفي من الإجراءات والميزانيات.

منذ العام 1949، وهو الموعد الذي كتب فيه بن غوريون هذه القائمة، بقيت هذه القائمة سرية في مذكراته. ومؤخراً، بعد 72 سنة على كتابتها و48 سنة على موت كاتبها، تم السماح بنشرها. معهد الأبحاث “عكفوت” الذي يعمل في أبحاث النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ويناضل من أجل رفع المنع عن وثائق محفوظة في أرشيفات الحكومة، هو الذي يقف من وراء النشر الجديد. توجه أعضاء المعهد إلى معهد بن غوريون الذي يملك المذكرات، وطلبوا رفع الحظر عن أجزاء واسعة في المذكرات، التي لا يوجد أي سبب مرئي للعيان لإخفائها عن الجمهور في العام 2021.

بعد الفحص الذي أجراه معهد بن غوريون مع أرشيف الدولة، الذي يخضع له أرشيف المعهد، تمت الاستجابة لطلب رفع الحظر عن جزء من الوثائق. في المرحلة الأولى، تمت إزالة الشطب والإخفاء من مذكرات بن غوريون بين عامي 1948 – 1953. والاطلاع على المذكرات بالصيغة غير المراقبة لا يكشف أسرار دولة سرية، لكنه قد يعمق فهم الأحداث التاريخية المختلفة، بالأساس أفكار ومشاعر الكاتب تجاهها.

في 26 أيلول 1948 تطرق بن غوريون في المذكرات للاجئين العرب الذين هربوا أو طردوا من قراهم في حرب الاستقلال. يوثق بن غوريون محادثة أو لقاء أجراه مع يوسف فايتس، مدير قسم الأراضي والغابات في “الكيرن كييمت”، ويتبين أنهما خافا من محاولة لاجئين عرب العودة إلى بيوتهم في إسرائيل. “هناك حالات وصل فيها لاجئون من الرملة واللد إلى غزة عبر رام الله. لأنههم يعتقدون أنه من السهل عليهم العودة من غزة إلى الرملة واللد. ما العمل؟”، كتب في المذكرات. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا اقتباس لفايتس أو تعبيراً عن أفكار بن غوريون نفسه.

تأتي الإجابة في الجزء الثاني من الجملة: “… يجب أن نلاحق بلا توقف… أيضاً في الجنوب يجب أن نلاحق وندفع اللاجئين نحو الشرق، لأنهم لن يذهبوا إلى البحر، ولا يسمح لهم بالدخول وإلى مصر”، كتب وتطرق إلى دفعهم نحو الأردن. “من يعالج الملاحقة” تساءل بن غوريون في مذكراته، وأجاب: “شيلوح، وتساعده لجنة فايتس”. شيلوح هو رؤوبين شيلوح، من رؤساء المخابرات والقائد الأول للموساد. كانت اللجنة “لجنة الترانسفير”، التي تم تشكيلها في ذروة حرب الاستقلال كي تفحص سياسة الحكومة في موضوع اللاجئين العرب، ولدقة أكبر، كيفية تشجيعهم على الهجرة من البلاد.

في 2 نيسان 1950، كتب بن غوريون في مذكراته أن “الأمور في النقب ليست على ما يرام”. ويكتب بالتفصيل عن قتل واغتصاب عربيات من قبل جنود الجيش الإسرائيلي وعن رد الجيش المصري. “مرة أخرى ألقى جنودنا (مغاربة) القبض على فتيات عربيات، قاموا باغتصابهن وقتلهن. وردّاً على ذلك، قام المصريون بوضع لغم وكمين وقتلوا خمسة من رجالنا – ثلاثة جنود ومدنيين”.

بعد شهر، كتب بن غوريون في مذكراته عن الوضع الصحي والنفسي لنائب رئيس الأركان في حينه، الذي أصبح بعد ذلك رئيس الأركان الثالث، مردخاي مكليف، في أعقاب لقاء أجراه مع زوجته أوريت. “موتكا تعب ومحبط، وعليه عبء ثقيل. حسب رأيه، يفوق قواه الجسدية والنفسية”، كتب بن غوريون. “لا توجد حياة عائلية، لكن هذا لا يهمها لأنه لا مناص من ذلك”، أضاف بتطرقه لزوجته. في نهاية الفقرة،كتب بن غوريون: “أنا متأسفة لعدم وجود حياة عائلية نبيلة، لكن على جيلنا أن يتحلى بالقسوة. الأمن ليس بالأمر السهل أو اللين. وإذا كانت هناك حاجة سيرسل وزير الدفاع رجالاً مثل موتكا أيضاً ليقتلوا. موتكا مطلوب للجيش، وحسب رأيي يجب عليه أن يبقى فيه”. كالعادة في مذكرات بن غوريون، ليس من الواضح ما إذا كان الحديث يدور عن اقتباس لزوجة مكليف أو عن أمور فكر بها بن غوريون نفسه أو خليط بينهما.

وثمة موضوع آخر رفع عنه المنع الآن ويظهر في المذكرات، وهو الردود على قضية إغراق سفينة السلاح التابعة للايتسل “ألتلينا” التي أثارت اليشوف، والتي حدثت في حزيران 1948. في المذكرات يصف بن غوريون نقاشاً صاخباً في الحكومة في أعقاب ضغوط لإطلاق سراح أعضاء ايتسل الذين اعتقلوا بعد تبادل لإطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي. في المذكرات يمكن القراءة عن أعضاء كنيست ووزراء يسمون “حقير”، “ممسحة”، “نذل”، “وضيع” (ولم  يكن واضحاً من المقصود). وتطرق بن غوريون: “الحقير يجب أن يستقيل” لأنني “قلت له إنه يجب أن يدفع ثمن الرصاصات التي أطلقها على اليهود”. هذا الموضوع لخصه كما يلي: “هذا هو الوضع في الحزب. أنا يائس من ذلك”.

في مقطع آخر الذي تم إخفاؤه وسمح بنشره الآن، يتحدث بن غوريون عن لقاء أجراه في 1951 مع آرنست بريغمان من آباء العلوم في إسرائيل والذي كان المسؤول عن عدد من المشاريع العسكرية – العلمية. “جاء لي د. بريغمان. قاموا بإمداد مادة حساسة تتسبب بالسرطان. وتمكن من فحص السرطان في بداية تكونه”، قال بن غوريون بغير توسع.

إن كشف أجزاء كانت ممنوعة – عشرات المقاطع في أرشيفات مختلفة – استمر نحو سنتين، من اليوم الذي قدم فيه المؤرخ وباحث “عكفوت”، آدم راز، طلبه. وبعد الكشف ما زالت هناك مواد كثيرة محظورة في مذكرات بن غوريون وفي وثائق أخرى محفوظة في أرشيف معهد بن غوريون. وتوجه أعضاء “عكفوت” أيضاً إلى أرشيف الدولة وطلبوا رفع الحظر عن وثائق كثيرة أخرى من الفترة محل النقاش، التي لا يوجد سبب ظاهر للعيان للاستمرار في إخفائها عن عيون الجمهور.

“رفع التعتيم (الجزئي) عن مذكرات بن غوريون هو خطوة مهمة”، قال ليئور يفنه، مدير “عكفوت”، وأضاف: “إن التعتيم على وثائق الأرشيف يعد فجوات تخفي في داخلها أجزاء مهمة من تاريخ الدولة والمجتمع. هذا التعتيم بقي في مكانه أيضاً لسنوات كثيرة بعد أن سمح القانون بكشف مضمونها بسبب غياب الموارد أو الوعي أو الرغبة لدى هذه الأرشيفات. وأضاف آدم راز، بأن بحثاً تاريخياً لا يمكن أن يكون كاملاً بدون أن يتوجه الباحث إلى الأرشيف بحثاً عن وثائق ما زالت محظورة، وطلب كشفها. إن كشف المقاطع المحظورة في مذكرات بن غوريون يدل أيضاً على السهولة التي كان يتم فيها حظر الوثائق التاريخية. وهو يكشف أنه في حالات كثيرة، حسب أقوال يفنه، “لم تكن حماية المصالح الأمنية أو العلاقات الخارجية أو الخصوصية”، هي التي تقف في خلفية ذلك، بل “حاجات أخرى تماماً، مثل الحفاظ على الصورة العامة لمؤسسات وشخصيات كهذه أو تلك، أو منع معلومات ونقاشات تتعلق بأسس النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. في حالات أخرى، تم حظر مقاطع عشرات السنين من مذكرات بن غوريون كانت متاحة في نفس الوقت في أرشيفات أخرى. وهذا يثبت عدم وجود سياسة ثابتة وموحدة ومنظمة لحظر وثائق الأرشيف.