بعد غفوة كورونا المسالة الفلسطينية مازالت معنا

حجم الخط

معاريف – بقلم الون بن دافيد

على مدى أربعة أيام جرى الواحد الى جانب الاخر كم من المطاردة وراء المخرب من مفترق تفوح والصراع على حياة الجريح من العملية، يهودا غواتا الراحل. وقد انتهت العمليتان تماما في الوقت ذاته: الشاباك والجيش الاسرائيلي القى القبض على المخرب بعد وقت قصير من اعلان المستشفى عن وفاة الشاب. في  الميدان لا تظهر مؤشرات على أننا في مستهل موجة ارهاب، ولكن بعد اكثر من سنة من الغفوة في ظل الكورونا، استيقظت المسألة الفلسطينية وذكرتنا بانها لم تذهب الى اي مكان.

المخرب الذي القي القبض عليه، منتصر الشلبي،  مختلف جدا من حيث الصورة التي ترسم لمنفذي الارهاب: رجل اعمال ثري ابن 44، اب لسبعة دون اي خلفية من الضائقة الاقتصادية او الشخصية يبدو أنه مر مع ذاته بمسيرة تطرف ديني، دفعه لان يخرج وحده وينفذ العملية. وحسب كل المؤشرات فانه لم يتوقع ان يخرج من هذا وهو على قيد الحياة. ولكن ما أن نجح في القرار من مفترق تفوح حتى استند الى اقربائه ليوفروا له المأوى. وهو لا يرتبط باي من منظمات الارهاب المؤطرة. في  نظرة الى الوراء يبدو أن مقاتلي جفعاتي الذين كانوا يحرسون محطة الباصات عملوا على نحو جيد فالمقاتل والضابط على حد سوا ردا بسرعة، اطلقا النار بل وتبين انهما اصابا. فقد كانت مركبة الشلبي مثقبة من الامام ومن الخلف وهكذا ايضا بطن المخرب. عملية جيدة انتهت ايضا بالقبض السريع على منفذ العملية. وفقد الشريط الذي يظهر فيه المقاتلون يحتفلون بنشوة بعد القاء القبض وكأنهم حرروا المبكى وليس اقل من ذلك، أثار افكارا أليمة عن الصورة الحالية للجيش الاسرائيلي، وما هي لحظات الذروة في خدمة المقاتل في جيش الدفاع. وابشع من هذا كان الشريط الذي جاء من بيت لحم يوم الاحد من هذا الاسبوع: مقاتلان من الناحل مسلحان من اخمص القدم وحتى الرأس، يطلقان النار ويقتلان من مسافة آمنة فلسطينية ابنة 60، جاءت لتنتحر ولم تشكل حقا تهديدا حقيقيا عليهما. كان اطلاق النار مشروعا، ولكن الشريط هو مثال مميز عن انعدام المهنية لدى المقاتلين اللذين لم يكونا قادرين على تحييد امرأة مسنة باصابة ليست فتاكة.

بدلا من استغلال الحدث لغرس انماط سلوك افضل، فان قادة الجيش الاسرائيلي، على عادتهم في السنوات الاخيرة، تمترسوا في صمتهم. ويخيل احيانا انه من كثرة الانشغال بتعدد الابعاد، يهمل مسؤولو الجيش الابعاد الاكثر اساسية للجندية وللانسانية. فكل من قتل نفسا، حتى وان كانت لعدو يعرف ان هذا حملا يبقى معك على مدى الحياة. في هذا الحدث لم يكن اي سبب يجعل مقاتلين شابين يحملان نفسيهما عبء الروح التي اخذاها. فنزعة الفتك التي يرفع رئيس الاركان مستواها يجب أن تكون حيال اعداء حقيقيين وليس حيال امرأة ابنة 60.

صوت من الماضي عاد هذا الاسبوع الى الوعي وحاول هو ايضا ان يضيف الى الشعلة التي تثور من جديد في القدس وفي الضفة. محمد ضيف، القائد الخالد للذراع العسكري لحماس منذ 28 سنة، اطلق صوتا، على أمل أن يشعل نارا اخرى في الجمرات الخابية. فهو شخصية اسطورية في التاريخ الفلسطيني وواحد من آخر اثنين تبقيا من الجيش المؤسس للذراع العسكري. لقد نجا ضيف من خمس محاولات تصفية على يد اسرائيل: أخذنا له الساقين، يد، عين وكذا السماع في اذن واحدة، ولكنه لا يزال يؤدي مهامه بل ونجح في تخصيب زوجته بعد الجراح.

في  بيان شاذ نشره هذا الاسبوع وعد بان يدفع اسرائيل ثمنا باهظا على “العدوان في الشيخ جراح”. لحماس مصلحة واضحة في اشعال العنف في يهودا، السامرة والقدس، والصراع القانوني لاخلاء الفلسطينيين الذين يسكنون على اراض يهودية في الشيخ جراح يمكن أن يوفر الخلفية الكاملة. وتكاد وسائل الاعلام الاسرائيلية لا تتناول الصراع الجاري هناك، والكفيل بان ينتهي باخلاء مئات الفلسطينيين من بيوتهم، ولكن في الحياة العامة الفلسطينية يقف هذا الموضوع على رأس جدول الاعمال.

مشكوك أن يكون الناجي الثاني من مؤسسة الذرا العسكري، يحيى السنوار قد استقبل بالترحاب التدخل المفاجيء لضيف. صحيح ان بيان ضيف لن يخرج الجماهير الفلسطينية في الضفة من بيوتها ولكنه يساهم في الاجواء الحماسية على اي حال، على خلفية رمضان والغاء الانتخابات. يعرف السنوار جيدا بان العنف الذي ينشب في الضفة يميل لان يتسلل بسرعة الى غزة ايضا، وعليه فانه يجتهد ليمارس قوى “اللجم” كي يضمن الا تهرب الصواريخ من القطاع.

ان تداخل التواريخ في الايام العشرة القريبة القادمة سيقض  مضاجع جهاز الامن عندنا: هذا المساء، يوم الجمعة الاخير لرمضان، غدا، ليلة القدر – ليلة كلها صلاة في المساجد، وبعدها بالتواصل يوم القدس، عيد الفطر (الذي في الغالب يميل لان يكون هادئا)، يوم النكبة وعيد الاسابيع لدينا.  

سيتجه الانتباه قبل كل شيء الى القدس والى الحرم، والشرطة ستكون مطالبة بان تضمن تفرقا هادئا للصلاة. الجيش الاسرائيلي سيركز على حماية محاور السير في يهودا والسامرة ولا سيما في الساعات المعدة للشغب في الليالي وفي الساعات ما قبل  دخول السبت. بالادارة الصحيحة سيكون ممكنا انهاء رمضان هذا بسلام.​