تتجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» للدخول من جديد في أزمة مالية خانقة، قد تجبرها على وقف العديد من خدماتها المقدمة لملايين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، على غرار الأزمة التي جرى تجاوزها قبل أشهر قليلة.
وقال مسؤول في المنظمة الدولية لـ «القدس العربي» إن هناك عجزا ماليا كبيرا في الموازنة العامة يقترب من ذلك العجز الذي كان قائما قبل ثلاثة شهور، وإن ذلك سيدفع بـ«الأونروا» لاتخاذ سلسلة إجراءات تقشفية ستطول حتما بعض الخدمات.
وأشار إلى أن العجز السابق الذي جرى تجاوزه بعد وصول مبالغ مالية لم تسد قيمة العجز المالي الإجمالي، وكان وقتها 100 مليون دولار، بدأ بالعودة من جديد، بوصول قيمة العجز الجديد لأكثر من 80 مليون دولار. وأكد أن قطاعات التعليم والصحة ستكونان من بين القطاعات التي ستتأثر جراء العجز الجديد إذا لم يتم تدارك الأمر من قبل المانحين سريعا.
وكشف أن الكثير من الدول التي ألمحت أو «وعدت بالنظر» في تقديم أموال لـ»الأونروا» نكثت بوعودها، ولم تقدم أي مبالغ مالية حتى اللحظة، خلافا للمبلغ السابق الذي وصل قبل شهرين، واستغل في وقف إجراءات التقشف لبعض الوقت.
ويستفيد من خدمات «الأونروا» التي أنشئت في عام 1949 لمساعدة لاجئي فلسطيني، نحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في مناطق العمليات الخمس وهي قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، تشتمل خدمات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية.
ولا يعرف بعد شكل الخطوات التي ربما تلجأ رئاسة «الأونروا» لاتخاذها، حال اشتدت الأزمة المالية، في ظل وجود قرار سابق جرى تجميده فقط دون إلغائه، يعطي الحق للمفوض العام، إعطاء إجازة بدون مرتب للمعلمين.
ويقول المسؤول في «الأونروا» لـ «القدس العربي» إن كثيرا من الموظفين في باقي القطاعات يخشون أن يطبق هذا القانون الجديد عليهم.
ولا يخفي موظفو المنظمة الدولية خشيتهم من تعرض مصدر رزقهم للخطر، في ظل رفضهم لأي قرارات تقشفية جديدة تكون وفق ما يقولون «على حساب الموظف».
ويردد الكثير منهم الانتقادات لرئاسة «الأونروا» باعتبار أنها تقوم بالتقشف فقط ضمن موازنات الموظفين الفلسطينيين والخدمات المقدمة للاجئين، دون المس برواتب الموظفين الأجانب الكبار، ومهمات عملهم التي تحتاج لموازنات كبيرة.
لكن عدنان أبو حسنة الناطق باسم «الأونروا» في غزة، قال لـ «القدس العربي» إنه وخلال الفترة الماضية التي تلت الأزمة السابقة، جرى إنهاء عمل 85 % من الموظفين الدوليين الذين يعلمون في «الأونروا» بنظام العقد، مشيرا إلى الاستمرار في سياسة الإجراءات الإصلاحية. وقال إن المفوض العام بيير كرينبول قام مؤخرا بجولة في عدة بلدان شملت ماليزيا واليابان وكوريا والصين، من أجل «توسيع دائرة المانحين».
وأضاف أن من أسباب العجز الرئيسة هو ازدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين ومتطلباتهم، في ظل عدم زيادة موازنة «الأونروا» لتتلاءم مع هذه الأعداد.
وكانت أزمة سابقة للمنظمة الدولية قد وقعت في شهر آب/ أغسطس الماضي، حين علقت «الأونروا» قرارات التوظيف في كل الوظائف في مناطق العمليات الخمس وهي قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، كما ضاعفت بموجب ذلك أعداد الطلبة في الفصول، وقال مواطنون إنهم شعروا بأن الأزمة طالت قطاع الصحة من حيث جودة الخدمات وقتها، إلى جانب تلويح «الأونروا» بعدم القدرة على تقديم الخدمات الاجتماعية لهؤلاء اللاجئين.
ووجهت القرارات خاصة في قطاع غزة برفض كبير، حيث خرج اللاجئون في مسيرات احتجاجية، وعلقت الدراسة بموجب قرار من مجلس أولياء الأمور، ونظم الموظفون أكبر مسيرة ضد «الأونروا»، حتى أصغت هذه المنظمة لمطالبهم، وأرسلت فريقا للتفاوض، وتم الاتفاق مع نقابة الموظفين ومسؤولين من اللاجئين على عدة قرارات منها عدم زيادة أعداد الطلبة في الفصول، واللجوء لتوظيف مدرسين على بند العقود، وتعليق وليس إلغاء قرار إعطاء المعلمين إجازات بدون راتب لمدة عام.
وكان المفوض العام كرينبول، قد أعلن قبل أيام أن العجز المتوقع في ميزانية الوكالة لتغطية نشاطاتها عام 2016 يقارب 81 مليون دولار. وقال إن المبلغ المتوقع مبدئيا فيما يتعلق بعجز موازنة عام 2016 هو 135 مليون دولار، لافتا إلى أنه تم العمل على خفضه عبر إجراءات داخلية، إلى 81 مليون دولار.
وأشار إلى أن هذا العجز يتعلق بالخدمات الأساسية التي تقدمها الوكالة، من تعليم وعناية طبية ودعم اجتماعي، ورصدت لها ميزانية بحجم 680 مليون دولار لعام 2016.
وأوضح المفوض العام الذي كان يشارك في اجتماعات لدعم المنظمة الدولية في الأردن أن هذه الاجتماعات تأتي من أجل إيجاد آليات لكي تتفادى الوكالة عدم تكرار أزمة مالية كتلك التي حدثت سابقا، ولكي يتم إرسال «رسائل طمأنة» للاجئين الفلسطينيين الذي يعانون أوضاعا معيشية صعبة. ودعا دول العالم إلى عدم تجاهل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهي تركز في هذه الأيام على الازمات التي تعصف بدول المنطقة. وشدد على أن الحلول السياسية في الشرق الأوسط هي الأساس في معالجة القضايا، حيث أن ما يجري اليوم هو عملية إدارة للصراع وليس إيجاد حلول له.
واستباقا لوقوع الأزمة، دعا الدكتور زكريا الأغا، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين، الأمم المتحدة والدول المانحة، إلى اتخاذ خطوات فورية لمنع المزيد من التدهور في جميع حقول عمل «الأونروا». وقال في كلمة له في اجتماع عمان، إن عجز «الأونروا» سيترتب عليه لجوء الوكالة إلى تقليص خدماتها مرة أخرى أو وقف بعض برامجها. وأشار إلى أن استمرار الأزمة المالية لوكالة الغوث وتقليص خدماتها يضع اللاجئين الفلسطينيين والدول المضيفة ووكالة الغوث والمانحين في موضع صعب.
ولفت الآغا إلى أن «الأونروا» لجأت على مر السنين إلى تخفيض خدماتها الإغاثية والصحية بشكل حاد، ما زاد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين. وحذر من استمرار الأزمة المالية التي ستطال قطاعات أخرى، إن لم يتحرك المانحون بشكل عاجل لحل الأزمة ورفع سقف تبرعاتهم لتغطية العجز المالي في ميزانية «الأونروا .» ولفت إلى حجم التحديات التي تواجه «الأونروا» بسبب الصراع في سوريا، الذي تسبب بنزوح اللاجئين الفلسطينيين من مخيماتهم، وكذلك الحصار على قطاع غزة، وتفشي البطالة والفقر في مخيماته.
وأكد الأغا ضرورة توفير شبكة أمان مالية لميزانية «الأونروا» وإيجاد مصادر ثابتة ودائمة لميزانيتها من خلال الأمم المتحدة والبنك الدولي، وأن لا يقتصر تمويلها على تبرعات ومساهمات طوعية من قبل الدول الأعضاء حتى لا تكون عرضة لأزمات مالية جديدة ولضمان استقرارها المالي واستمرارية عملها. ودعا الدول المانحة إلى أن تفي بتعهداتها المالية التي أعلنت عنها في اجتماع اللجنة المخصصة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وشدد على أهمية استمرارية عمل «الأونروا» كضرورة ملحة لضمان عامل الاستقرار في المنطقة، حتى حل قضية اللاجئين الفلسطينيين طبقاً للقرار الأممي 194 .