– اسرائيل تريد صورة انتصار امام حماس، لكنها ستضطر الى اظهار مرونة في موضوع القدس

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

قبل اقل من اسبوع عرضت حماس انذار غير ممكن على اسرائيل يقول بأنه يجب عليها أن تخرج قواتها من الحرم وأن تطلق سراح سجناء وإلا فانها ستهاجم القدس بالصواريخ. الهجوم الذي سماه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، “تجاوز الخطوط الحمراء”، وفر الذريعة للهجوم الشديد على قطاع غزة الذي هدفه لم يحدد بصورة صريحة. الاهداف غير المتبلورة مثل اعادة الردع أو ايقاع ضربة شديدة “لم تحلم بها” حماس كرد على اطلاق الصواريخ، لا توفر نقطة خروج من المعركة. 

كم هو عدد البيوت التي يجب هدمها وكم هو عدد “قادة حماس الكبار” الذين يجب تصفيتهم من اجل أن تستطيع اسرائيل عرض صورة انتصار؟ هذه المعطيات ترتبط بصورة مطلقة بتقدير اسرائيل. حتى الآن يبدو أن اسرائيل ما زالت لم تستكمل حصة الهدم والقتل المطلوبة حسب رأيها لتعريف الانتصار أو كي الوعي. هذا هو السبب في أن اسرائيل ترفض بأدب وتصميم عروض الوساطة التي تأتي من مصر وقطر والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. كما يبدو، هي ما زالت تستطيع الاعتماد على الدعم العام الذي تحصل عليه من البيت الابيض، الذي يؤيد حقها في الدفاع عن نفسها ويعتبر ردها على اطلاق الصواريخ رد محسوب. 

باستثناء ارسال مبعوث امريكي خاص، الرئيس جو بايدن يظهر درجة من اللامبالاة تجاه استمرار القتال. هو لم يطلق تصريحات محددة تجاه أي طرف، وما كان يمكن اخراجه منه حتى الآن هو تصريح عام يقول إنه “يتوقع ويأمل بأن ينتهي هذا الامر في أسرع وقت وليس بتأخر” وكأنه يتحدث عن مباراة بيسبول مخيبة للآمال. وحتى أن بايدن منع عقد جلسة لمجلس الامن بذريعة أن هذا الامر يمكن أن يمس بجهود الوساطة رغم معرفته بأنه لا يوجد لهذه الجهود أي عنوان حتى الآن. 

المحادثات التي اجراها بايدن مع نتنياهو لا تغير حقيقة أن الرئيس الامريكي كان حذرا من وضع قدمه في المياه العكرة للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين بشكل عام وفي المعركة الاخيرة بشكل خاص، ضمن امور اخرى، من اجل عدم احراج نفسه مع الزبون في القدس الذي يحرص على تذكيره بأن اسرائيل ستفعل كل ما هو مطلوب للدفاع عن نفسها، سواء كان الامر يتعلق بغزة أو بايران، حتى لو كانت سياستها لا تروق لواشنطن. 

الادارة الامريكية تكتفي في هذه المرحلة بمحادثات مع رؤساء الدول ذات الصلة، اسرائيل ومصر والاردن والسعودية واتحاد الامارات، من اجل التوصل الى وقف لاطلاق النار. وفي ظل غياب سياسة امريكية نشطة تملي، أو على الاقل توجه، جهود الوساطة، بقيت قناة المحادثات على المستوى الاقليمي، الذي يركز بالاساس على الاتصالات التي يجريها المصريون مع رؤساء حماس ومع نظرائهم في اسرائيل. القاهرة تبلغ السعودية والامارات أولا بأول مواقف اسرائيل وحماس.

الخطوط العريضة للمفاوضات لا تختلف بصورة جوهرية عن الخطوط العريضة التي ميزت الاتصالات التي رافقت عمليات الجيش الاسرائيلي السابقة في قطاع غزة. فهي تشمل المطالبة بوقف اطلاق النار والعودة الى التفاهمات التي تم التوصل اليها بعد المواجهات على السياج الامني في العام 2018. ولكن في هذه المرة قررت مصر عدم اغلاق معبر رفح، ويبدو أنها ستواصل ابقاءه مفتوح، ولا توجد أي نية للتهديد باغلاقه. في نفس الوقت اسرائيل تواصل السماح بتحويل الاموال الشهرية من قطر.

حسب جهات في السلطة الفلسطينية وفي حماس فان الاخيرة تتمسك بطلب اخراج قوات الجيش الاسرائيلي من الحرم. وهو طلب يرمز في نظرها الى ذريعة الهجوم، وتطبيقه تعتبره انجاز مطلوب لها من اجل تبرير ما فعلته. الحرم هو القاسم المشترك الذي يعتمد عليه التأييد الذي تحصل عليه حماس من الجمهور العربي، بما في ذلك الجمهور العربي في اسرائيل. التحدي الاساسي الذي يقف الآن أمام الوساطة المصرية هو اقناع اسرائيل بالفصل بين العملية العسكرية في غزة وبين الحاجة الى تهدئة التوتر في الحرم، أي تحييد القاسم المشترك الذي يوحد بين الجمهور الاسلامي وبين المواجهة مع حماس.

هذا الفصل، حسب رأي مصر، حيوي ليس فقط لعزل المفاوضات على وقف اطلاق النار عن الدوافع الايديولوجية، بل من اجل حرمان حماس من السيادة على المواجهات في القدس، التي اشعلت القتال. ولكن الفصل الذي تسعى اليه مصر يعتبر في اسرائيل كتنازل لحماس، حيث أن أي انسحاب لاسرائيل من منطقة الحرم يعتبر من الآن كانتصار لحماس. المخرج المحتمل من هذه الدائرة المفرغة ربما يكمن في مفاوضات بين الاردن واسرائيل، التي فيها سيتم تحديد ترتيبات أمنية في الحرم امام عمان دون أن تظهر كخضوع لمطالب حماس. 

صعوبة اخرى تكمن في نوع الضمانات التي ستطلبها اسرائيل من حماس، وهي فترة تهدئة طويلة. جميع التفاهمات السابقة استندت الى ضمانات وتعهدات مصرية مع تعاون قطر كدولة تمول الادارة المدنية الجارية في القطاع. هذه الضمانات لم تصمد في امتحان الحرم ووضعت مصر في موقف ضعيف، فيه لا يمكنها اقناع اسرائيل بضبط نشاطها، وفي نفس الوقت لا تستطيع انتقاد حماس خشية أن تظهر كمن لا تؤيد النضال الفلسطيني – الاسلامي للدفاع عن الحرم.

في نفس الوقت، لا يوجد لاسرائيل أي شريك افضل وانجع من مصر. أي مفاوضات لانهاء الحرب ستقتضي من اسرائيل تليين مواقفها تجاه القاهرة من اجل أن تستطيع الاخيرة التوصل الى انهاء المواجهة حتى لو كانت الضمانات التي ستحصل عليها غير محفورة في الصخور. هذه المرونة حيوية لأن كل اتفاق سيتم التوصل اليه سيستند الى تفاهم بأن اسرائيل لا تستطيع ولا تريد تقويض حماس كجسم سيواصل ادارة الحياة في القطاع.

هذه هي الركيزة الاساسية لسياسة اسرائيل في المناطق، التي عليها مبني الفصل بين الضفة والقدس وبين قطاع غزة، الذي يشكل الدرع الواقي ضد الضغط الدولي لقيام دولة فلسطينية مستقلة. وطالما أن هذا الفصل هو سياسة اسرائيل، فانه سيواصل املاء المرونة التي تميز علاقتها مع حماس.