إدارة بايدن إذ تسقط في اختباري «التعددية» و»حقوق الإنسان»

حجم الخط

عريب الرنتاوي يكتب

سقطت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أولى اختبار لها، مرتين: الأولى؛ حين أسقطت معيار الديمقراطية وحقوق الانسان في فلسطين، إذ وقفت صامتة، متواطئة، حتى لا نقول شريكة، أمام جرائم الحرب الإسرائيلية، في غزة والضفة والقدس ومناطق 48، برغم فداحة هذه الجرائم، وجسامة الانتهاكات…والثانية؛ حين تراجعت عن «التعددية» بوصفها استراتيجية جديدة في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية، بديلة لاستراتيجة إدارة ترامب «أحادية الجانب».

تكتفي هذه الإدارة بـ «بيع» الفلسطينيين، معسول الكلام…لا تتوقف عن الحديث عن «حل الدولتين»، وتردد بأن الفلسطينين والإسرائيليين يستحقون بالقدر ذاته، العيش بحرية ورخاء…لكنها في الوقت ذاته، تقدم لإسرائيل، مختلف أشكال ومستويات الدعم السياسي والمادي والعسكري، وتوفر لها «شبكة أمان» في مواجهة الغضبة الدولية على عداونها في غزة وعموم الأراضي الفلسطينية.

الإدارة، صاحبة منهج «التعددية»، تعطل ثلاثة اجتماعات متتالية لمجلس الأمن، وتحول بينه وبين اتخاذ قرار بشأن حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني، فتقف واشنطن، وحدها في مواجهة الإجماع الدولي، حول صيغة «حد أدنى» لقرار أو بيان عن مجلس الأمن.

حتى الآن، لم يتلق الفلسطينيون من إدارة بايدن، سوى وعوداً ضبابية، عمومية…أعادت جزءاً من المساعدات للسلطة والأونروا، وتحدثت عن «حل الدولتين»، أما ممثلية منظمة التحرير في واشنطن، فما زالت مغلقة، وقنصلية الولايات المتحدة في القدس الشرقية، ما زالت في «علم الغيب»…لا شيء جوهرياً وملموساً، يمكن لهذه الإدارة أن تقول أنها قدمته للفلسطينيين.

وإذا كان مفهوماً (وإن كان غير مقبول)، أن تُظهر هذه الإدارة تجاهلاً للقضية الفلسطينية في الأشهر الأولى لولاياتها، فإن من غير المفهوم، ولا المقبول، أن تظل هذه الإدارة على انكفائها حيال الملف الفلسطيني، وأن تُبقي على «تقزيمها» للمسألة الفلسطينية، سيما بعد أن نقلت «انتفاضة القدس وسيفها»، القضية الفلسطينية، إلى صدارة الأجندة العالمية، ونفضت عنها غبار الترك والنسيان والتهميش.

لا مبعوث رئاسياً لهذه المسألة، ولا تحرك إلا بما تمليه اللحظة المتفجرة في قطاع غزة وعلى حدوده وسياجه الشائك، إدارة تدير الأزمة لمنع المزيد من الانفجارات، وللحيلولة دون تقدم أطراف أخرى على خطوط المساعي السياسية والدبلوماسية للجم إسرائيل واحتواء هذا الصراع، ولإنقاذ إسرائيل من ذاتها.

لتبقى النتيجة العملية لهذا السلوك الأمريكي، المُخيب لآمال ورهانات أنصار «الخيار التفاوضي» و»حل الدولتين»، أن واشنطن تمكّن إسرائيل، ويمينها بخاصة، من الوقت الذي يحتاجه، للمضي في سياسات الضم والتهويد والأسرلة…وسواء أكانت إدارة بايدن تريد ذلك أم لا، فإن الخلاصة العملية، تقول: أن كل حديث أمريكي عن «حل الدولتين» من دون أن تُتبع واشنطن القول بالفعل، وتفرض ضغوطاً جدية على دولة الاحتلال والاستيطان والعنصرية، ليس سوى خدمة مجانية تقدم على طبق من الفضة، لليمين الديني والفاشي في إسرائيل…لا معنى لهذا الانفصام بين القول والفعل، سوى تزويد إسرائيل بما تحتاجه من مظلة ووقت، لاستكمال مشروعها الاستعماري الإحلالي المثقل بالعنصرية، والمشبّع بالكراهية للفلسطينيين.

هذا الخلاصة، برسم السلطة الفلسطينية، التي يبدو أنها تتحين الفرصة، ما أن تصمت الصواريخ والمدافع، لمزاولة يومياتها ورهاناتها المعتادة…على هذه السلطة، وعواصم عربية عدة، من بينها عمّان، إن تدرك، بأن «بضاعة بايدن» مغشوشة، وأن هذه الإدارة «لا خيل عندها تهديها ولا مال»، وأن كل ما في جعبتها، هو مزيد من العبارات الإنشائية المُصاغة بحنكة بالغة، في حين أنها تواصل ما بدأته إدارة ترامب، وكانت تعبر بكل صلف وجلافة.