ليس هناك من شيء يغطي على حالة الحزن التي تجتاحنا ونحن نرى بأم عيوننا أشلاء الاطفال التي مزقها الردم والهدم والقصف.. حالة الحزن هذه ليست مقتصرة علينا نحن الفلسطينيين فقط ، ولكنها تمتد لتطول البشرية كلها، ولهذا خرجت جموع الجنسيات في مظاهرات صاخبة وغاضبة منددة بهذه الجرائم الحربية بحق الاطفال الابرياء الذين كانوا يغطون في نومهم في انتظار فرحة صبح عيدهم، ولكن اسرائيل بنخبها و علمائها و ضباطها وطياريها، ابقتهم على نومهم الى الابد .
وبعيدا عن حالة الحزن والثكل والفقدان، واقترابا من قراءة الواقع كما هو، بدون رتوش او عواطف، ونحن في خضم ذكرى النكبة بعد ثلاثة وسبعبن سنة على مرورها، وهي نفسها السنين التي يحتفل بها الاسرائيليون بما يسمونه تحررهم واستقلالهم ، فإن الواقع يصرخ بانبلاج لحظة تاريخية، او منعطف حاد، لا يستطيع ايا كان تجاهله او الادعاء انه لا يراه، بحيث يستطيع المحللون و المراقبون والمؤرخون اعتماده كتاريخ تحولي او بدء عد عكسي لبداية نهاية نكبتنا ، ما يعنيه أيضا بداية نكبتهم ، او بالادق بداية نهاية استقلالهم واقامة دولتهم .
يتعلق الامر أكثر من اي شيء آخر ، أكثر من أن الشعب كقر عن بكرة أبيه بالنضال السلمي الاستسلامي ، وأكثر من ان غزة الصغيرة والفقيرة والمحاصرة شلت حياتهم وأرسلتهم الى الملاجيء ، بل بالشعب الواحد ، الذي ارادوه شعبين ، شعب الخارج “الشتات” والداخل ، ثم ثلاثة شعوب ، “عرب اسرائيل” ، ثم اربعة شعوب “شعب غزة” ، فجاء هذا اليوم ليبطل هذا الزعم وليمزق هذا الغشاء البكاري و ليكسر هذه الفخارة على رأس اصحابها ، وهم الصهيونية الاسرائيلية اليهودية الذين جاؤوا من كل حدب وتوحدوا على ارضنا كشعب ، وعلى مدار سبعين سنة، كذبوا الكذبة وصدقوها ، مسحوا التاريخ وغيروا اسماء المدن والشوارع والعادات والقيم والمفاهيم ، فانتفض ضدهم كل شيء ، البشر و الشجر والحجر ، حتى كنسهم ، أمكنة عبادتهم ، لم تعد تستطيع استيعابهم، فأخذت تنهار عليهم ، حتى اقرب مقربيهم من الامريكان وبعض الاوروبيين لم يعد بإمكانهم استيعاب جرائمهم واكاذيبهم و فضائحهم وتكلفتهم الباهظة (حوالي 4 مليارات دولار سنويا من امريكا الرسمية وحدها) ، حتى هم أنفسهم انقلبوا على انفسهم ، وها هم يتحضرون لانتخابات خامسة في غضون سنتين .
الفخارة التي يكسرها الشعب الفلسطيني الواحد والموحد اليوم على رأسهم ، انما ستطول عاجلا او آجلا رؤوس اصحابهم، من عرب الردة والعار الذين طبّعوا و فاوضوا وقايضوا وسالموا، فكان عبارة عن وبال ودمار وفساد وإفساد وانقسام وتشرذم واحتراب وتخوين، كان ذلك أشد وطأة علينا من وطأة حزننا على أشلاء اطفالنا جراء مجازرهم بعد مضي كل هذا الوقت على ذاك السلام الاسود، سلام الذئب والخروف، ووصلوا الى درجة متقدمة منه ، تمكنهم ان يعودوا لاحتلال اللد وحيفا وكفر كنا من جديد .