قبل لحظة من وقف النار تطالب "حماس" بأن ينص الاتفاق أو التفاهمات على إغلاق الحرم في وجه زيارات اليهود، وتجميد الاستيطان اليهودي في حي شمعون الصديق (الشيخ جراح). في الوضع الطبيعي ما كنا لنشك في السلوك الإسرائيلي المرتقب، وكنا سنفترض أن نتنياهو سيدحرج "حماس" ومطالبها "الوقحة" هذه "عن الدرج"، ومع ذلك فإن التخوف والشك يتسللان إلى القلب. فلا يدور الحديث فقط عن شائعات أو تسريبات. في الميدان يتشكل واقع جديد:
هذا هو اليوم الثامن عشر، الذي يغلق فيه الحرم في وجه اليهود، رغم أن رمضان انتهى قبل أسبوع. كما أن هذا هو اليوم العاشر للتدخل غير المسبوق من جانب المستشار القانوني للحكومة في سلسلة ملفات تجري في الهيئات القضائية منذ أكثر من عقد، وموضوعها مستقبل الممتلكات اليهودية في حي شمعون الصديق، والتي لا يُعتبر مندلبليت على الإطلاق طرفاً فيها. سبق لمحكمة الصلح والمحكمة المركزية أن قررتا لصالح اليهود في هذه الملفات، وأمرتا السكان العرب بالإخلاء وبإعادة الممتلكات إلى أصحابها. أما العرب فاستأنفوا إلى العليا، التي أوشكت على ما يبدو أن ترد الطلب، ولكن عندها تدخل مندلبليت ونال تأجيلاً.
تفيد صورة الواقع، لشدة الأسف، بأن "حماس" حققت ردعاً حيال إسرائيل في القدس؛ السبب الرسمي للمعركة التي بدأت بها. في الحرم حققت، صحيح حتى الآن، ما لم يحققه مئات ضاربي السكاكين، الداهسين، ومطلقي النار، ممن خرجوا في السنوات الأخيرة باسم الأقصى لقتل اليهودـ أي إبعاد اليهود عن الحرم. كما أنها في شمعون الصديق سجلت إنجازاً، وهو التجميد العملي للاستيطان اليهودي هناك. بل إن "حماس" أعادت إلى القدس جغرافيا الخوف. اليهود والعرب، الذين قبل شهرين كانوا يجتازون "الخطوط" كل نحو الآخر في إطار أنسجة طبيعية وحياة مشتركة في مجالات التجارة، السياحة، المواصلات، الفندقة وغيرها، يغلقون على أنفسهم، الآن، في أماكنهم وأحيائهم. خط التماس أصبح، مؤقتاً كما ينبغي الأمل، خط رعب، إرهاب، عنف وتقسيم.
لا تزال غير متأخرة إعادة الدولاب إلى الوراء: الإثبات أنه ليس للتباهي فقط اختارت إسرائيل اسم "حارس الأسوار" للحملة ضد "حماس". بل ينبغي أولاً الاعتراف بالواقع وعدم محاولة تجميله. ثانياً، يجب أن نتذكر كيف رد دافيد بن غوريون في آذار 1948 اعتراض يغئال يدين على حشد القوات في القدس على حساب جبهات أخرى. فدافيد بن غوريون طرق في حينه الطاولة وأوضح أنه من أجل القدس كل شيء سينهض أو يسقط، وعليه فيجب تفضيلها. ومع أن هذه المرة لا يوجد على جدول الأعمال "سقوط القدس العبرية"، كما حذر في حينه دافيد بن غوريون، بل بالتأكيد يوجد على جدول الأعمال خطر انزلاق سريع باتجاه تقسيم متجدد، بحكم الأمر الواقع، للمدينة.
قبل أن يتثبت واقع جديد ينبغي المسارعة لإعادة فتح بوابات الحرم أمام اليهود، أو الإيضاخ أنه إذا لم يتمكنوا من الزيارة هناك، فإن المسلمين أيضاً لن يتمكنوا من الزيارة هناك. وفي موضوع شمعون الصديق أيضاً من المحظور المساومة. فالاستجابة لمطالب "حماس" هناك ستكون سابقة خطيرة. غداً سيطالب الفلسطينيون بتجميد وإخلاء اليهود من نقاط استيطانية مختلطة أخرى في القدس مثل مدينة داود والبلدة القديمة، بل سيطرحون مطالب مشابهة بالنسبة للد أو عكا. فلماذا لا، في واقع الأمر؟ ما الفرق من ناحيتهم؟ اليهود أيضاً يمكنهم أن يتعلقوا بهذه السابقة الخطيرة، وأن يطالبوا بتجميد أو إخلاء آلاف العرب الذين يعيشون في الأحياء اليهودية في القدس. هذه المعادلة التي تحاول "حماس" فرضها منذ بداية "حارس الأسوار" يجب أن تشطب، بل أن يرفض البحث فيها.
عن "إسرائيل اليوم"