حرب غزة تجبر بايدن على الدخول إلى «مقبرة» الشرق الأوسط !

حجم الخط

هارتس - بقلم: الون بنكاس



الرئيس جو بايدن غاضب. في مكالمته الهاتفية، أول من أمس، مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أوضح بأنه "يأمل بحدوث انخفاض بارز في التصعيد في الطريق نحو وقف إطلاق النار". هذه صيغة مهذبة ومؤدبة ومنضبطة لوصف الغضب. وبمفاهيم أميركية – دبلوماسية فان هذه الصيغة المهذبة والموجهة الى حليفة مثل إسرائيل هي تعبير عن نفاد الصبر، من النوع الذي لم يتجرأ كلينتون وأوباما، اللذان لم يحبا ولم يقدرا بشكل خاص نتنياهو، على التعبير عنه في تصريح رسمي.
حتى لو لم توجد في هذه المرحلة أزمة في العلاقة بين إسرائيل وأميركا، فبالتأكيد توجد إشارات الى علاقة متوترة آخذة في التشكل بين نتنياهو وبايدن. ومن الأرجح أن تستمر إذا بقي نتنياهو في منصبه في الأشهر القريبة القادمة. نتنياهو في الحقيقة يوجد في وضع متأزم، ويجني ثمار تعامله مع اوباما ومع نائبه بايدن وثمار قصة الغرام السياسية والصاخبة التي أدارها مع ترامب، والابتعاد العدائي عن الديمقراطيين، وبالاساس عن قاعدة المصوتين لهم التي تشكل الأغلبية في الولايات المتحدة.
يعاني نتنياهو عجزا كبيرا في الثقة في الولايات المتحدة. يمكنه الحديث عن "دوري آخر" والعدد الكبير من الافنغلستيين الذين يؤيدون التزامه برواية التوراة والمحادثات المثمرة مع عدد من السناتورات، لكنّ عددا قليلا جدا من الاشخاص في واشنطن يعتبرونه حليفا موثوقا. حتى الجمهوريون يعتبرونه أداة لمناكفة الديمقراطيين؛ منطقة خطرة لم يتجرأ أي رئيس حكومة على ادخال إسرائيل إليها قبل نتنياهو.
محادثة أول من أمس جاءت بعد محادثة اخرى، وصفها اشخاص في الادارة وقدموا إحاطة لصحيفة "نيويورك تايمز" بأنها غير لطيفة. التفسير الوحيد للمحادثة الثانية خلال يوم هو أن بايدن تمت إحاطته بأقوال نتنياهو في محادثات له مع سفراء في إسرائيل، حيث أوضح هناك بأن "إسرائيل لا تعمل مع 'ساعة توقيت'، وهي تريد تحقيق أهداف العملية".
أدرك بايدن أنه من ناحية سياسية فان نتنياهو يقوم بشد الحبل، ويعتقد أن المواجهة مع الرئيس ستفيده. هذه المناورات يعرفها بايدن منذ 25 سنة، ولا يستطيع نتنياهو أن يضلله. أهداف العملية التي يتحدث نتنياهو عن "تحقيقها" غير واضحة بالنسبة لبايدن. ومن غير الواضح له أنه يوجد لنتنياهو في الأصل أهداف للعملية باستثناء الدوافع السياسية. ومن غير الواضح له لماذا يحاول نتنياهو مواجهته بدلاً من الاستعانة به.

رغم أنفه
الشرق الأوسط، المكان المدهش والمعروف كـ "مقبرة للسياسة الخارجية للرؤساء"، مرة اخرى فرض نفسه على جدول أعمال الرئيس. إسرائيل والفلسطينيون يقومون بالتشويش على سلم أولويات الولايات المتحدة، التي حددت اهدافها بوضوح: الصين، الصين مرة اخرى، روسيا، المناخ، تعزيز التحالفات، والعودة الى سياسة خارجية تقوم على التحالفات. وفي الطبقة الادنى التي توجد تحت ذلك، يوجد الاتفاق النووي مع ايران. في مخزن بعيد في أقصى الاجندة وضع النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي سيصاب بالصدأ ويعلوه الغبار. بايدن غاضب؛ لأن مزيجاً من السياسة الإسرائيلية في القدس وفي غزة، مهما كانت دوافعها ومبرراتها مع استخدام القوة الزائدة من قبل إسرائيل، سواء أكان هذا معادلة صحيحة أم لا، طرح مجددا القضية الفلسطينية التي لا يهتم بالانشغال بها.
بايدن في ذروة عملية سياسية، ميزانية وتشريعية، ضخمة لإعادة اعمار البنى التحتية والاقتصاد في الولايات المتحدة (عملية بحجم الصفقة الجديدة لروزفلت، بمبلغ 2.3 تريليون دولار، اضافة الى 1.9 تريليون دولار لمعالجة وباء كورونا الذي تم اهماله بصورة اجرامية من قبل سلفه)، وقد اضطر الى الانشغال بوقف آخر لاطلاق النار حول عملية اسبابها غير واضحة بالنسبة له، وهذه الحقيقة تغضبه. هي تحرفه بصورة فظة عن جدول أعماله السياسي والدقيق في الوقت الذي لا يوجد فيه في الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني أي توازن بين الزمن والطاقة ورأس المال السياسي المطلوب من الرئيس تكريسه وبين أي فائدة يتم تحقيقها للمصالح الحيوية الأميركية. بدلاً من تسويق خطته للبنى التحتية والتي تعتبر في نظر مؤيدين ومنتقدين تغييرا دراماتيكيا وثوريا، اضطر الى التحدث اربع مرات مع رئيس الحكومة ومع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وصد ضغوطا من العالم وانتقادا داخليا، وهذه الحقيقة تغضبه بشكل أكبر.
في الأسبوع الماضي كان بايدن تحت شبكة ضغوط ثلاثية تتجمع في نقطة معاناة توجد على جدول الاعمال. المجموعة الاولى التي تضغط عليه من اجل العمل تأتي من حزبه، تحول فيها انتقاد إسرائيل الى موضوع شرعي للنقاش. ايضا حتى لو لم يكن لهذا الانتقاد الحالي أي تأثير سلبي فوري على العلاقة بين إسرائيل وأميركا، إلا أنه توجد فيه نقطة تحيز، النقطة التي توجد على محور الزمن والتي يبدأ فيها المنحى بالتغير عندما تصبح الاسباب واضحة فيما بعد، لكن النقطة الدقيقة غائبة عن عيون الناظرين.
الميل في إسرائيل هو نحو الاستخفاف بالضغوط الداخلية على بايدن؛ "مواقف مناوئة لإسرائيل" و"يسار راديكالي"و"الجناح التقدمي في الحزب" الذي يمثل من قبل "عضوات الكونغرس الاربع اليساريات"، الكسندريا اوكاسيو كورتيز ورشيدة طليب والهام عمر وآينا بريسلي، وهو ميل خطير وغير حكيم ويدل على غطرسة وعدم فهم لمبنى القوة في الكونغرس. منذ فترة بعيدة، ليس فقط "التقدميون" يضغطون. على "رسالة التقدميين" وقع 25 عضوا في الكونغرس وعلى رسالة موازية للاعضاء اليهود وقع 12 عضوا، على رأسهم جيري ندلر وجيمي ريسكن ودافيد سيسليني، وهم ثلاثة من الاصدقاء الكبار لإسرائيل في واشنطن.
وقع 28 سناتورا على عريضة مشابهة تطالب بوقف فوري لاطلاق النار، من خلال تفهم حاجة إسرائيل للدفاع عن نفسها. رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب منانديز، نشر رسالة خاصة به، ورئيس الاغلبية، السناتور تشاك شومر، اصدر تصريحا مشابها. هما غير يساريين وهما ليسا ضد إسرائيل. نصف الـ 25 التقدميين والـ 12 عضوا يهوديا والـ 28 سناتورا ومنانديز وشومر واعضاء آخرون في الكونغرس نشروا تصريحات مستقلة مثل اندي كيم من نيوجرسي، هم اصدقاء واضحون لإسرائيل ولديهم رصيد مثبت في هذا الشأن.

مطلوب إظهار القوة
المجموعة الثانية هي "نظام البيئة" باسم "مجموعة الشرق الأوسط التي توجد داخل مجموعة السياسة الخارجية في واشنطن".
يدور الحديث عن عشرات الخبراء من جميع أطراف الخارطة السياسية، موظفين سابقين في الادارة ودبلوماسيين ورجال مخابرات وباحثين في صناعة معاهد الابحاث في واشنطن ورجال رأي في وسائل الاعلام..الخ.
انتقادهم هو انتقاد جوهري – سياساتي وليس فقط سياسيا. بايدن مطلوب منه العمل على اظهار القوة. ربما لا تستطيع الولايات المتحدة التوسط في عملية سياسية حقيقية، لكن يمكنها منع التصعيد.
ينظر العالم الى الرئيس الذي وعد بالعودة الى دبلوماسية الائتلافات والتحالفات والى تجديد مكانة الولايات المتحدة الدولية كدولة عظمى مهيمنة تحدد جدول الاعمال وتبت في النزاعات وتتدخل فيها. عن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وعن تحول المنطقة الى أمر غير حيوي بالنسبة لها، بالاساس بسبب الاستقلال في مجال الطاقة، لا داعي للتحدث. الديمقراطيون والجمهوريون، الليبراليون والمحافظون، جميعهم يريدون سياسة خارجية قوية وواضحة.
المجموعة الثالثة هي المجتمع الدولي الذي يتوقع من الرئيس بايدن التصرف مثلما وعد المرشح بايدن، منع ثلاث مرات خلال اسبوع مشاريع قرارات في مجلس الامن بذريعة أن الصيغة تنحاز ضد إسرائيل أو أنها غير متزنة، هو خطوة مفهومة من قبل الولايات المتحدة. ولكن سريانها ونجاعتها انتهت. التصريح المشترك للرئيس الفرنسي وملك الاردن والرئيس المصري، الذي يطالب بوقف فوري لاطلاق النار واستئناف "العملية السلمية"، هو مثال على الضغط الدولي. واجتماع أدوات الضغط الثلاثة هذه تدفع بايدن الى العمل، ليس بشكل متحمس، بل بدافع الغضب.
لا توجد لديه آليات تأثير على "حماس". توجد له آليات تأثير على الامم المتحدة، لكن ربما تم استنفادها. وتوجد له آليات تأثير على إسرائيل. واذا فهمت إسرائيل بأنه غاضب ويفضل عدم استخدام هذه الآليات فهي ستساعده وستكسب. واذا قامت باستفزازه فان الامر يتعلق بلعبة مختلفة كليا.

عن "هآرتس"