كيري.. وتحقيق القناة العاشرة «الصادم» !!

thumb (2)
حجم الخط

من الصعب التحقق من هدف زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى كل من السلطة الوطنية وإسرائيل بعد أيام قليلة، ذلك أن الإدارة الأميركية سبق وأن استبقت الجهود التي تبذلها في سياق الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي التي لم تثمر إبان الولاية الثانية والأخيرة لهذه الإدارة، مع ذلك فالوزير كيري يعود إلى المنطقة بلا أمل على الاطلاق بإحراز أي تقدم على هذا الصعيد، إلاّ إذا كان الأمر يتجاوز المسألة التفاوضية إلى ما هو عاجل وهام وضروري، وهذا يعني ملف الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وإذا كانت إدارة اوباما قد نفضت يديها من الناحية العملية من الملف التفاوضي، فإن ملف الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، أكثر تعقيداً، وبعيد المنال عن دور لهذه الإدارة، والفرق بين الدور الأميركي في الحالتين، إلاّ أن واشنطن اعترفت بعجزها على الملف الأول، بينما لم تعترف بذلك فيما يتعلق بالملف الثاني، مع إدراكها أنها أعجز من أن تلعب أي دور في هذا الملف، ولسببٍ بالغ البساطة، وهو أن أحداً، فرداً أو أطرافا، فلسطينية أو عربية أو إسرائيلية، يملك حتى لو رغب، القدرة على التأثير على هذا الملف، إذ ان هذه الانتفاضة، انطلقت واستمرت عبر هبّات متتالية، بشكل فردي وبقرارات فردية وبشكل عفوي، الناظم الأساسي له، إجراءات الاحتلال الدموية والتصفوية والاستيطانية، الأمر الذي استلزم ردود فعل فلسطينية ذات طابع فردي عفوي، وليس بقرار من أحد سوى أهل الانتفاضة أنفسهم، كأفراد، شبان وصبايا، وبالتالي، فإن الأمر الوحيد الذي بإمكان كيري أن يفعله لكي يؤثر على أعمال هذه الانتفاضة، هو أن يلتقي ثنائياً، مع كل ناشط أو ناشطة فلسطينية، ويقنعهم بموقفه القاضي بضرورة التحلّي بالمزيد من الصبر والتخلي عن أعمال المقاومة، من دون ذلك، فإنه يتحدث مع أطراف «غير ذات صلة» وهذا ما يشير في الغالب، الى أن جولته الجديدة تأتي في اطار حراك يؤكد أن أميركا لا تزال ترعى الملفات الصعبة على المستويات الإقليمية والدولية، بعدما بهت دورها على هذين المسارين، بعد فشل سياستها، ليس في فلسطين فحسب، بل في سورية والعراق وليبيا وغيرها من الملفات الشائكة التي لم تتمكن من حل غموضها. وبكل بساطة، فإن أحداً لن يصف هذه الجولة بالفشل، بعدما اعترفت الإدارة الأميركية، بشكل مسبق أنها باتت أكثر إدراكاً لعجزها عن استئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي والتوصل إلى نهاية تؤدي إلى اتفاق نهائي، وبالتالي فإن هذه الجولة ستعتبر ليس أكثر من محاولة يائسة لإذابة الجليد في العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، تحت شعار «تدابير بناء الثقة» بين الجانبين، على ضوء ردود الفعل الانتفاضية الفلسطينية على الاحتلال الإسرائيلي وكافة ما اتخذه من مواقف استيطانية ودموية، قبل وأثناء الانتفاضة الثالثة، وفي هذا السياق، فإن الفشل سيلاحق هذه المهمة وهذا الهدف، على تواضعه، ذلك أن مدخلات ومقدمات «بناء الثقة» غير متوفرة على الاطلاق، طالما ظل الاحتلال مستمراً على الأرض الفلسطينية. بإمكان جولة كيري المرتقبة أن تكون ذات فائدة، كدرس وخبرة جديدة، والساحة الإسرائيلية باتت مؤهلة لذلك على ضوء تحقيق «صادم» بثته القناة الإسرائيلي العاشرة ضمن برنامج المصدر، أول من أمس، إذ كشف هذا التحقيق من خلال مقابلة مع رئيس الحكومة الأسبق، ايهود اولمرت، أن اتفاقاً وشيكاً كان جاهزاً للتوقيع عليه، بين اولمرت والرئيس عباس، يقضي بانسحاب إسرائيلي من المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، مع تعديلات على الحدود، بواقع 4 بالمائة مع عودة لاجئين فلسطينيين، يقدر عددهم بمائة ألف عائد، حسب مقترح وزيره حاييم رامون. التحقيق يكشف بشهادات المسؤولين وعدة وثائق، وخاصة أقوال رئيس الحكومة الأسبق ايهود اولمرت، وتكراراً لما قيل عن اغتيال رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين، فإن اولمرت يقول إن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، هو الذي مهّد السبيل أمام تلفيق تهم الفساد له، بحيث ينتهي أمره وينتهي أمر الاتفاق مع الجانب الفلسطيني، خاصة وأن تهم الفساد، كانت معروفة كونها تشكّلت، حسب الدعوى القضائية، قبل أن يصل إلى رئاسة الحكومة، فتح ملف الفساد ـ كما يرى اولمرت في التحقيق ـ جاء ليوقف «تنازلاته» إزاء الجانب الفلسطيني في ظل اتفاق نهائي. هذا هو الدرس المهم بالنسبة لكيري، إذا أراد أن يفهم أو يستفيد، إذ لم يكن بوسعه، مهما بذل من جهد التوصل إلى اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي، لأن ليس هناك حسن نوايا إسرائيلية حقيقية بهذا الاتجاه، وان تجاوز هذه النوايا ممكن فقط إذا ما استثمرت واشنطن كل قدراتها للضغط غير المحدود على الجانب الإسرائيلي. ولعلّ في هذا التحقيق، ما يشير إلى الخداع الإسرائيلي الذي تمثل طوال الوقت بالقول انه ليس هناك شريك  فلسطيني، وبصرف النظر عن مدى مصداقية أو دقة هذا التحقيق، فإن هناك إشارات قوية تبين أنه ليس هناك شريك إسرائيلي، هذا هو الواقع الذي عكسته الأحداث المتلاحقة المتعلقة بالجهد الأميركي لاستئناف عملية تفاوضية ناجحة، خاصة على ضوء جملة من المتغيرات التي حدثت على الجانب الإسرائيلي من خلال حكومات يمينية متلاحقة، أكثر عنصرية وأكثر دموية، عبرت ليس عن رفضها للحلول السياسية فقط، بل اعتبرت أنه ليس هناك قضية، وليس هناك فلسطين أو فلسطينيون، وفي الغالب، فإن كيري في وعيه الداخلي، يدرك كل ذلك، لكنه أعجز من الاعتراف بهذه الحقائق