يوجد في غزة ما يكفي من الخبراء والمواد لتطوير صناعة الصواريخ

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


خلال جولة القتال الأخيرة في غزة سجلت «حماس» إنجازاً عملياتياً مهماً؛ العدد الكبير لإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على الأراضي الإسرائيلية. أما محاولة «حماس» المهاجمة عن طريق الانفاق ففشلت. وهكذا ايضا جهودها لاستلال أوراق مفاجئة، على شاكلة المهاجمة بوساطة طائرات مسيرة أو غواصات صغيرة مسيرة، تم إحباطها من قبل الجيش الإسرائيلي و»الشاباك». ولكن في مجال الإطلاق حدث هناك تطور ملحوظ. على الرغم من أن الاطلاق تسبب بخسائر صغيرة نسبياً لإسرائيل لكن يبدو أنه غيّر بدرجة معينة ميزان القوة بين الطرفين. يحظى هذا الانجاز بتقدير غير قليل من جانب الاشخاص المهنيين في إسرائيل. وقد نجحت «حماس»، وبدرجة معينة «الجهاد الاسلامي»، في تطوير صناعة عسكرية محلية مستقلة في القطاع تسمى في جهاز الأمن «صُنع في فلسطين». حدث هذا بالضبط في السنوات التي أغلقت فيها مصر، بحثّ من إسرائيل، الحدود مع القطاع تقريبا بشكل كامل، وخفضت الى الحد الادنى نطاق تهريب السلاح.

«صُنع في فلسطين»
خلافاً للصورة السائدة في إسرائيل فان الحديث لا يدور عن وسائل بدائية، بل عن برنامج إنتاج منظم للسلاح، جزء منه يتم إنتاجه في خطوط إنتاج صناعية. «هؤلاء أعداء جديون جدا في غزة»، قال آدم، الذي يعمل في هذا المجال منذ سنوات. «هذا ليس عدوا يمكن الاستخفاف به. هم لا يقلون في جديتهم عمن يطورون السلاح في ايران وفي حزب الله ويعملون في ظروف أصعب بكثير».
خلال الـ 11 يوما من ايام القتال أُطلق نحو إسرائيل، حسب معطيات المتحدث بلسان الجيش، 4360 صاروخا، وهو لا يفرق في معطياته بين الصواريخ وبين قذائف الهاون. نحو 3400 صاروخ (78 في المئة) سقط في الأراضي الإسرائيلية، ونحو 680 صاروخا انفجر أو سقط في أراضي القطاع (15.5 في المئة) ونحو 6.5 في المئة سقطت في البحر. حوالي 200 صاروخ اطلق الى مدى متوسط وبعيد. وحوالي 120 صاروخا اطلق على غوش دان.
الباقي أُطلق نحو القدس ومناطق اخرى، منها العربة، التي أُطلق نحوها صاروخ بمدى 250 كم، وهو المدى الاقصى حتى الآن. بسبب الاطلاق قتل 13 مواطناً إسرائيلياً واجنبياً وأُصيب اكثر من 350 شخصا. قُتل جندي واحد بسبب اطلاق صاروخ مضاد للدبابات على حدود القطاع. للمقارنة، في عملية «الجرف الصامد» في 2014 في الخمسين يوما من القتال تم إطلاق 4600 صاروخ وقذيفة هاون. أطلقت «حماس» في هذه المرة تقريبا 400 صاروخ في اليوم بالمتوسط، 4.5 أضعاف ما كان في «الجرف الصامد».
قبل العملية الاخيرة قدر جهاز الامن بأنه يوجد في حوزة «حماس» والتنظيمات الفلسطينية الاخرى في القطاع تقريبا 15 ألف صاروخ، أكثر من 1000 منها بمدى متوسط، وأكثر من 50 كم. وعلى فرض أن 1000 صاروخ تم تدميرها في هجمات الجيش الإسرائيلي فقد بقي لحماس نحو 60 في المئة من ترسانتها الأصلية، ومن بينها مئات الصواريخ التي يمكنها اصابة مركز البلاد. نطاقات الاطلاق على المركز لم تبتعد عن تقديرات الاستخبارات و»الشاباك»، ولكن يبدو أنها فاجأت وسائل الاعلام والجمهور. في عملية «الجرف الصامد» في 2014 وعملية «عمود السحاب» في 2012 اطلقت فقط صواريخ قليلة نحو المركز.
نجحت «حماس» عدة مرات ايضا في انتاج عروض هادفة؛ إطلاق اكثر من 100 صاروخ في اقل من نصف ساعة على عسقلان ورشقات من عشرات الصواريخ على غوش دان. وقد كان لهذه العروض هدف آخر اضافة الى فرض الذعر والخوف. الفلسطينيون قدروا أن إغراق بطاريات «القبة الحديدية» بأهداف كثيرة سيصعب عليها اعتراضها جميعا وسيتمكن عدد من الصواريخ من اختراق نظام الدفاع. احيانا نجح ذلك. في عسقلان قُتل في رشقات كهذه امرأتان. ومع ذلك، «القبة الحديدية» يتم وصفها كنجاح عملياتي كبير حتى في هذه الجولة. نحو 90 في المئة من الصواريخ التي تم اطلاقها على مناطق مأهولة تم اعتراضها، وبذلك تم انقاذ حياة عشرات المواطنين الإسرائيليين.
سلاح كاسر التوازن
وُلدت صناعة السلاح المحلية في القطاع في بداية سنوات الالفين عند اندلاع الانتفاضة الثانية. في العام 2001 تم إطلاق صاروخ «القسام» الاول من انتاج محلي، سقط في سديروت. من تحت حدود شبه جزيرة سيناء والقطاع ازدهر في حينه التهريب عبر الانفاق. بعد عملية الانفصال في 2005، تطور مشروع سلاح «حماس»، حيث استند الى نظام التهريب المتشعب الذي أنشأته ايران. في اطاره تم تهريب صواريخ تقنية الى غزة، منها صاروخ فجر بمدى 75 كم، في مسار متشعب مر عبر السودان، مصر، وسيناء. في العام 2012 في الطلعة الاولى في عملية «عمود السحاب» دمر سلاح الجو معظم صواريخ «فجر» في القطاع.
بعد سنة على ذلك، في صيف 2013، تم اغلاق قناة التهريب بشكل كامل. الانقلاب العسكري، الذي نفذه عبد الفتاح السيسي، أصعد الى السلطة في القاهرة نظام فضل التعاون الامني مع إسرائيل على مساعدة «حماس»، المتماهية مع حركة الاخوان المسلمين. وكبديل اضطروا في القطاع الى تعزيز الانتاج المحلي.

الحاجة أم الاختراع
في العملية الاخيرة، الاغلبية الساحقة من الصواريخ التي اطلقت على إسرائيل كانت من انتاج محلي. وفقط عدد قليل يتكون من وسائل قتالية تقنية تم تهريبها الى غزة في السابق، بالاساس قذائف الهاون وصواريخ بمدى قصير، بقطر 107 ملم.
لاحظت «حماس» الامكانية الكامنة للصواريخ كسلاح أملت في أن يشكل «كاسر التوازن» امام إسرائيل. في جهاز الامن يميزون بين جهدين رئيسيين لـ «حماس». الاول هو «الجهد الكمي من النوع نفسه»، انتاج المزيد من الصواريخ، عدد منها بمدى اطول بقليل أو أكثر فتكا بقليل. في القطاع يوجد ما يكفي من المعرفة التكنولوجية من أجل ذلك، وإنتاج هذه الصواريخ انتقل الى مستوى صناعي. نفذت «حماس» عشرات تجارب الاطلاق خلال السنة من أجل فحص تقدم الانتاج.
الجهد الثاني الذي ما زال يوجد في مرحلة التطوير يتعلق بمشروع الدقة. مثل «حزب الله»، سعت «حماس» الى تطوير وتركيب وسائل ستحسن من دقة الصواريخ التي توجد بحوزتها. تدرك «حماس» أنه يوجد للدقة اهمية استراتيجية. بوساطة السلاح الدقيق يمكن ضرب مواقع حساسة في إسرائيل مثل مطار بن غوريون وقواعد سلاح الجو ومحطات الطاقة والموانئ. في الوقت نفسه تم تطوير وسائل قتالية اخرى يمكن توجيهها من بعيد نحو اهدافها بشكل دقيق مثل الطائرات بدون طيار، والتي تم اسقاط عدد منها من قبل الجيش الإسرائيلي، وغواصات بدون ملاحين، تم تفجيرها اثناء القتال.
في إسرائيل كانوا قلقين بشكل خاص من المجال الثاني. لذلك، تم توجيه عدد كبير من الهجمات نحو مواقع وشبكات حواسيب ترتبط بتطوير السلاح الدقيق. أيضا محاولات الاغتيال التي تم فيها تفجير غرف قيادة وعمليات من الجو في داخل الانفاق وجهت ضد رؤساء نظام التطوير في «حماس». اكثر من 10 اشخاص مركزيين في هذه المشاريع قتلوا في هذه الهجمات، من بينهم جمال زبدة وجمعة طلحة. الذراع العسكرية لـ «حماس» بدأ بنشر صور للشهداء في العملية. من يطورون السلاح يسهل تشخيصهم، على الأغلب هم لا يظهرون بالزي الرسمي ولا يحملون السلاح.
عدد من الاشخاص الذين قادوا تطوير السلاح هم اصحاب تأهيل رسمي، وقد حصلوا على شهادات الدكتوراة في الهندسة التي درسوها في الخارج. زبدة كان حاصلا على شهادة الدكتوراة في الطيران من جامعة أميركية. وليس بالصدفة أن خلفيته وخلفية طلحة تذكر بخلفية مهندسين آخرين مرتبطين بـ «حماس»، قتلوا في السنوات الاخيرة في عمليات التصفية التي نسبت لـ «الموساد» في ماليزيا وفي تونس. هؤلاء المهندسون، تم النشر، عملوا في تطوير الطائرات المسيرة والغواصات المسيرة.
اضافة الى المختصين الاكاديميين، تجمعت ايضا مجموعة من اصحاب التجربة العملية. هؤلاء هم اعضاء «حماس» الذين لم يدرسوا في الجامعات في الخارج، لكنهم يعملون منذ عشرين سنة على تطوير سلاح، تحول بالتدريج اكثر تطورا. هذه الروح هي جزء مهم في الـ «دي.ان.ايه» التنظيمي. مثل هؤلاء كان هناك شخصان في السابق. الاول يحيى عياش الذي اغتالته إسرائيل في العام 1996، وعدنان الغول، أبو مشروع الصواريخ، الذي قتل في ظروف مشابهة في العام 2004.
تراكم جزء كبير من المعرفة التكنولوجية وتطور في القطاع. ايران و»حزب الله» يساعدان من بعيد، لكن هناك مجالات، بالاساس القدرة على الارتجال على خلفية المواد الخام القليلة الموجودة، التي قام فيها الخبراء من القطاع بتجاوز زملائهم في المحور الايراني. اضافة الى ذلك، «حزب الله» والحرس الثوري الايراني يعتبرون غزة حقل تجارب كبيرا. الدروس التي يراكمها الفلسطينيون في محاولة مواجهة الانظمة الدفاعية والهجومية للجيش الإسرائيلي تتم دراستها جيدا في طهران وبيروت.
بسبب الانفصال شبه المطلق عن العالم، يختلف السلاح المحلي في غزة في طبيعته عن وسائل القتال الموازية التي تم تطويرها في ايران وفي الدول الغربية. في الوقت الذي تقاس فيه وحدة القياس الدارجة لقطر السلاح بشكل عام بالسم والملم مثل ذخيرة 5.56 ملم لبندقية ام16، فان قطر الصاروخ من القطاع تقاس بالبوصة. السبب هو أن معظم الصواريخ صنع من انابيب تم تحويلها من مجال البناء، وهناك وحدة القياس هي الانش.

قدرة ارتجال مثيرة
يحاول الفلسطينيون جعل انتاجهم يظهر معيارياً بقدر الامكان. توجد للصواريخ ارقام متسلسلة. وتم اختيار الوان ايضا وشعار تصميم غرافيكي محدد مع كتابة اسم النموذج على الصاروخ. قدرة غزة على الارتجال تثير الدهشة احيانا في إسرائيل. بالنسبة لمحركات الغواصات استخدمت «حماس» محركات دراجات بخارية مرت بعملية تحويل.
في عملية انتاج السلاح استخدمت مواد كثيرة، في الاصل كانت مخصصة للاغراض المدنية. مثلا، الملح له دور في انتاج المواد المتفجرة. في إسرائيل يتابعون كمية الملح المستوردة للقطاع من أجل التأكد من أنه لا توجد «قفزات» غير معقولة في الطلبات، التي تدل على استخدامات اخرى. في التقرير الذي نشر في قناة «الجزيرة»، السنة الماضية، تفاخر رجال «حماس» بأنهم استخرجوا قذائف من سفينة بريطانية قديمة غرقت امام شواطئ غزة في الحرب العالمية الاولى من اجل استخدام المواد المتفجرة في الصواريخ الجديدة.
نحو 90 في المئة من البضائع للقطاع تمر في المعابر من إسرائيل. جزء من البضائع يتم تحويلها لاغراض عسكرية. في حالات اخرى تم تهريب بضائع اشتريت من شرقي القدس أو الضفة الغربية من اجل استخدامها لاهداف عسكرية واضحة. من اجل التغلب على استخدام الانابيب للصواريخ منعت إسرائيل ادخالها الى القطاع. في فرع البناء العالمي تم الانتقال في السنوات الاخيرة الى استخدام الأنابيب البلاستيكية. منسق اعمال الحكومة في «المناطق» اصدر قبل سنة تقريبا أمرا يمنع ادخال الانابيب المعدنية التي يزيد قطرها على 1.5 انش الى القطاع. وفي جهاز الامن يعيدون مجددا تحديد قائمة المواد ثنائية الاستخدام التي يمنع ادخالها الى القطاع في محاولة لتشديد الرقابة بعد العملية.
حتى بعد المس الشديد برؤساء جهاز انتاج الصواريخ، إلا أنه بقي في القطاع ما يكفي من الخبراء والمواد لاستئناف تطوير السلاح قريباً. النهوض سيستغرق وقتا، لكن يصعب تصديق أن الفلسطينيين سيتنازلون كليا عن المشروع. الصواريخ، على الاقل في الجولة الحالية، كانت الوسيلة الوحيدة التي لم تخيب آمال الفلسطينيين.

عن «هآرتس»