ميدان الفعل المؤثر على الأرض بات مفتوحا على مصراعيه، اليوم، دون حق «الفيتو» من أي كان، وهو ما جعل الفعل على الأرض يحجم أي محاولة للانقضاض على النجاحات بقضايا أكل عليها الدهر وشرب، اليوم، بات واضحا أن ثقافة جديدة تشكلت وانعكست على سلوك الناس بصورة باتت تنبذ كل من يسعى لإعادتنا الى الوراء بنماذج التوتير الداخلي وإثارة الفتن وتصوير المجتمع انه رهن الفساد والمحسوبية ما زرع حالة من الإحباط واليأس وجعل كل مواطن يقيس المسألة بمسطرة مصالحه الذاتية وليس المصلحة العامة، فضربت القدوة وغاب الانتماء وبات الموتورون والموّترون في صدارة المشهد الى أن انقشعت الغيمة وبات العام مقدما على الخاص.
اليوم، تجد مجموعة من الصبايا والشباب قلبهم معلق بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وهن وهم لا مصلحة خاصة لهم، فعائلاتهم لا استثمار لهم يريدون من خلاله ترويجه أو تبرير ارتفاع أسعاره وكلفته، وكانوا وما زالوا نتيجة طبيعية لسيادة الفعل على الأرض وعدم الانتظار أو التروي.
وبات لدينا وعي شعبي بأهمية ودور الدبلوماسية الفلسطينية فذهبوا تجاه الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الرقمية، كل يؤثر على مجتمع عاش فيه وعايشه بلغته بمفاهيمه، وشكلت قصص نجاح وبات هناك حث ودفع باتجاه نقاش لدور جمعية الصداقة الفلسطينية مع دول عديدة ودور جمعيات خريجي الجامعات من دول عديدة ومدى تأثيرها على هذه الشعوب ضمن الدبلوماسية الشعبية.
الشباب والصبايا أحسنوا صنعا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وضغطوا ونجحوا في مواقع كثيرة، وهذا الحضور أخرجنا من دائرة الخلاف الداخلي الى توجيه كل طاقتنا باتجاه الضغط لإحقاق حقوقنا الوطنية المشروعة وفي ذات الوقت تعزيز الوحدة الداخلية.
هنا لا بد من ملاحظات نقدية موضوعية أهمها السؤال المحوري عن دور مؤسسات المجتمع الأهلي في فلسطين. وهذا ليس تقليلا بل هو تساؤل موضوعي بالبعد الإيجابي، هناك مؤسسات استطاعت التقاط اللحظة وعبرت عنها ببرامج ونشاطات منذ اللحظة الأولى لإحداث الأقصى وباب العامود والشيخ جراح ومن ثم العدوان على غزة رغم محدودية الإمكانيات المالية ولكن بالإيمان استطاعت، بينما لم تتمكن الغالبية من تلك المؤسسات من التقاط اللحظة ولا أتحدث هنا عن قضايا التمويل واثرها وإنهاء البرامج القائمة، بل أتحدث عن إرادة لدى هذه المؤسسات ولست منعزلا عنها مطلقا بل أنا مكون أساسي منها منذ زمن طويل، فما بال جمعية نسوية تاريخية تغيب غيابا طويلا، وما بال هذا النادي الشبابي يغيب دون مبرر لمجرد أن النشاط الرياضي ليس قائما.
تاريخيا، كان هناك دور واضح في الأحداث المفصلية للنقابات العمالية والمهنية، إلا أن هذا الدور لم يحضر بالقوة المعهودة ولعنا نعرج على دور مجمع النقابات المهنية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات بالتصدي لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية بالشراكة مع البلديات والحركة الطلابية.
ليس مفيدا بالمطلق ان نقيم أداء المؤسسة الرسمية الحكومية في تلك الفترة لأن حتى التقييم لن يقود الى نتائج لأن قنوات التأثير باتت مغلقة على صناعة القرار، وان قيم الأداء يشخصن الأمور وكأنك تستهدف هذا الوزير أو ذاك عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فتدخل في جدل عقيم لا فائدة منه إلا الانشغال عن الأشياء المهمة.
بات ملحا وضروريا تطوير برامج واستراتيجيات دعم المنتجات الفلسطينية وعدم انتظار الأزمة لنقوم بخطوات تقليدية عنوانها التعريف بالمنتجات الفلسطينية على عجل وفي ظل اتهامات اننا لا يوجد لدينا منتجات فلسطينية وهذا غير صحيح وغير دقيق، بالإمكان أفضل مما كان في ملف دعم المنتجات الفلسطينية، وهذا دور مركز للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية.
توطيد علاقات الشراكة بين المؤسسات بالغة الأهمية ومن خلال هذه الشراكة نستطيع ان ننتج ونمنح دورا اكبر للشباب والصبايا في صناعة القرار ومتابعة إنفاذ النشاط، رغم أن العقلية غالبا تعتقد ان طرح الشراكة سيقود الى هيمنة على شؤون المؤسسة، وهذا الكلام غير دقيق وتخوف ليس في مكانه. الشراكات نموذج عصري في كل العالم وتنتج مع الحفاظ على استقلالية كل مؤسسة بذاتها.
واضح ان متغيرات كثيرة وقعت بفعل العدوان على غزة وما يخططه الاحتلال للأقصى والشيخ جراح وسلوان والقدس المحتلة لا يجوز إغفالها والبركة بالشباب والصبايا الذين انحازوا للفعل على الأرض فالتقطوا اللحظة وقاطعوا ونشروا ثقافة إيجابية ونبذوا الخلاف الداخلي، واجبنا ان نؤسس على ما حدث ويحدث ولا نغفله لأنها قصص نجاح لنا ولأبنائنا وبناتنا وجيراننا وأصدقائنا وأهلنا.
قاسم: هناك فرصة حقيقية لتبييض سجون الاحتلال
19 أكتوبر 2023