تسوية طويلة الأمد في غزة أم مواجهة عسكرية جديدة؟

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


بعد مرور أسبوع على الإعلان عنه فإن وقف اطلاق النار في قطاع غزة ما زال يتم الحفاظ عليه بحرص. في منتصف الاسبوع شوهدت عدة بالونات في سماء غلاف غزة، واندلعت عدة حرائق في الحقول، لكن السلطات صممت بذريعة أن الحرائق اندلعت بسبب الاهمال أو نتيجة الطقس الحار ولم تأت من إحراق متعمد. وماذا عن البالونات؟ تم إطلاقها في مسيرة أجرتها "حماس" في غزة في ذكرى الشهداء في جولة القتال الأخيرة. سكان الغلاف، الذين لهم تجربة مع البلالين الحارقة، وافقوا بتشكيك بشأن التفسيرات الرسمية.
حتى الآن لم يتم إطلاق أي صاروخ. منذ تعهدت "حماس" للوسطاء المصريين بوقف إطلاق النار فإن جميع الفصائل في القطاع خضعت على الفور لأمرها. حتى قبل ذلك، توقف إطلاق الصواريخ نحو تل أبيب، فربما أن تدمير الأبراج في غزة، بالأساس في حي الرمال الفاخر نسبياً، جعل رؤساء "حماس" يشككون في نجاعة إطلاق صليات أخرى نحو منطقة الوسط. وزير المخابرات المصري، عباس كامل، يضغط على الطرفين لإرسال مبعوثين الى القاهرة في أسرع وقت. هناك يمكن أن تجري المحادثات غير المباشرة حول تسوية لمدى اطول. الاتفاق، الذي تم التوصل اليه قبل أُسبوع، ينص على صيغة عامة، بالحد الادنى، هدوء مقابل هدوء. قريباً سيحاولون صبّ القليل من المضمون في هذا الاتفاق.
بعد عملية "الجرف الصامد" في 2014 تم التوصل الى تسوية شملت إعادة تأهيل البنى التحتية والبيوت المدمرة في القطاع بتمويل دولي. اشترط الاتفاق بالرقابة على ادخال المواد التي يمكن أن تستخدمها "حماس" في حفر الانفاق وإنتاج السلاح. صمد الهدوء النسبي ثلاث سنوات تقريبا. في نهاية العام 2017 قرر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، تقليص الدعم المالي الذي تحوله السلطة للقطاع. في محاولة لإعادة الاهتمام بالقطاع بدأت "حماس" في تنظيم مسيرات العودة التي انتهت بمحاولات لاجتياز السياج الحدودي وبقتل مئات الفلسطينيين بنار القناصة الإسرائيليين.
في نهاية 2018 وافقت إسرائيل على نقل الاموال القطرية للقطاع، 30 مليون دولار نقداً كل شهر. في السنة التالية حدثت عدة جولات قصيرة من تبادل اللكمات، لكن في بداية العام 2020، على خلفية وعود بتسريع مشاريع اخرى في مجال البنى التحتية ودخول عمال الى إسرائيل، أوقفت "حماس" التظاهرات وأحداث الجدار.
كان الاتفاق مريحاً نسبيا بالنسبة لـ"حماس". فقد حصل قطاع غزة على الاموال النقدية الاعلى منذ عملية "الجرف الصامد"، وانطلقت المشاريع، ونجحت "حماس" في تحويل ما يكفي من الموارد من اجل زيادة قوتها العسكرية. الآن يترددون في إسرائيل: هل يجب عليهم العودة الى الاتفاق الاصلي الذي اشترت الاموال الدولية من خلاله هدوءاً مؤقتاً أم يضعون امام "حماس" طلبات أخرى. في هذه الحالة، الجيش و"الشاباك" سيحاولان تقييد المستوى السياسي من خلال توصيات لتعديل الاتفاق. الهدف بالنسبة له هو إيصال "حماس" في نهاية العملية الى نقطة تكون فيها أضعف ومردوعة أكثر. من اجل ذلك يجب، ضمن امور اخرى، تعزيز آليات الرقابة على تحويل الأموال والمواد الى القطاع ونقل الأموال القطرية الى البنوك بوساطة السلطة الفلسطينية بدلاً من توزيعها في الحقائب.
يتطلع المستوى المهني في جهاز الأمن الى رؤية موطئ قدم جديد للسلطة الفلسطينية في غزة. التفكير بأنه سيكون بالإمكان السيطرة على القطاع من جديد ونقله الى السلطة الفلسطينية لا أساس له. ولكن القصد هو محاولة إعادة السلطة بالتدريج الى الصورة. العلاقات مع السلطة الفلسطينية لم يتم تقويضها كلياً اثناء العملية في غزة. الاجهزة الامنية في الضفة الغربية لم تقطع التنسيق الامني. ورغم التخوفات إلا أن الضفة لم يتم إغراقها بموجة عنف كبيرة. محمود عباس، الذي ساهم في إشعال الحريق الأخير عندما قرر إجراء انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني وبعد ذلك قام بالتأجيل في اللحظة الأخيرة، يلاحظ في الوقت الحالي وجود فرصة. فهو يأمل، كما يبدو، بدور رمزي في غزة بدعم دولي يمكن أن يعزز مكانة السلطة الفلسطينية، التي تلقت في الشهر الماضي ضربة قاسية في المنافسة مع "حماس".

ماكغايبر في غزة
يوم الاثنين، 10 أيار، تم تلقي إنذار محدد في الاستخبارات الإسرائيلية. رئيس "حماس" في القطاع، يحيى السنوار، ورئيس الذراع العسكرية، محمد ضيف، قررا تنفيذ تهديدهما. بعد الظهيرة ستطلق "حماس" صلية صواريخ نحو القدس كإشارة للتماهي مع الفلسطينيين الذين يواجهون القوات الإسرائيلية في الحرم وفي الشيخ جراح. السنوار، فهموا في إسرائيل، مستعد لأن يتحمل المخاطرة ببضعة ايام من القتال بهدف السيطرة على قيادة النضال الفلسطيني في شرقي القدس وفي الضفة الغربية.
حتى قبل صلية الصواريخ، تم عقد جلسة مستعجلة للكابنت اتخذت فيها خطوات حذرة في الضفة وفي القطاع. بطاريات "القبة الحديدية"، التي هدفت الى اعطاء رد على تهديد القدس، لم تكن منتشرة عندما أطلقت الصلية التي شملت ستة صواريخ نحو العاصمة.
قبل ذلك كان هناك اختلافات في الكابنيت. ازاء المعلومات الدقيقة التي تم الحصول عليها، هل يجب مفاجأة "حماس" وتوجيه ضربة استباقية مؤلمة عليها؟ هكذا سلكت إسرائيل في بداية عملية "عمود السحاب" في القطاع في العام 2012 عندما قامت بتصفية رئيس الذراع العسكرية في حينه، أحمد الجعبري.
التوصية بالعمل مسبقاً وطبقا للخط الذي قاده رئيس "الشاباك"، نداف ارغمان، لم يتم تبنيها. يبدو أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، بني غانتس، فضلا الاستعداد دفاعيا وأن يرسخا بذلك شرعية دولية لخطوات إسرائيل على اعتبار أنها هي التي هوجمت أولاً. وأقنع هذا السلوك الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي منح في الاسبوع الاول للعملية إسرائيل الدعم الكامل الى أن بدأ بالسعي لوقف اطلاق النار.
إن التردد في الكابنيت غير جديد. فمنذ بضع سنوات يسود هناك خلاف في القيادة الامنية حول المقاربة الصحيحة لـ"حماس". وقد قدر الجيش الإسرائيلي والاستخبارات العسكرية بأن السنوار قد ليّن من مواقفه وانتقل الى الاعتدال بدرجة معينة، وأن أساس اهتمامه حتى قبل التعزز العسكري ينصب على تحسين وضع البنى التحتية وظروف الحياة في القطاع كي يستطيع الاستمرار في حكمه هناك والحفاظ عليه. قام "الشاباك" بتبني خط آخر. فقد حذر من أن "حماس" تستغل الهدوء والاموال من أجل التسلح، وأنها تنوي ضرب إسرائيل في وقت يكون مناسباً بالنسبة لها. وأوصى "الشاباك" خلال سنوات بالقيام بعملية إسرائيلية مبادر اليها في وقت مناسب.
في تشرين الثاني 2018، بعد فشل عملية الوحدة الخاصة في خان يونس وقتل المقدم م. طلب وزير الدفاع في حينه، افيغدور ليبرمان، تطبيق خطة "الضربة الخاطفة"، وأن يتم قصف أنفاق "حماس" جواً بصورة تتسبب بقتل مئات "المخربين". توصية ليبرمان تم رفضها فقدم استقالته. الخطة هذه المرة هي باسم "جنوب ازرق"، وتم تطبيقها في نهاية المطاف في العملية الحالية، في ليل 13 أيار. عدد كبير من الانفاق تم تدميره، ويبدو أن عدد النشطاء الذين تم احتجازهم تحت الأرض كان صغيراً جداً.
جرى، الأربعاء الماضي، هنا شرح مفصل عن الصناعة الفلسطينية، وهي نظام انتاج السلاح المثير للانطباع الذي بنته "حماس" في القطاع بوسائل الحد الادنى، ومكنها من اطلاق آلاف الصواريخ نحو إسرائيل، منها 200 صاروخ نحو وسط البلاد. توصيفات رجال الاستخبارات فيما يتعلق بالشجاعة وموهبة الاختراع لدى المهندسين والتقنيين من "حماس" ذكرت بالمسلسل التلفزيوني الأميركي القديم "ماكغايبر"، وهو المسلسل الذي كان يحظى بالشعبية في إسرائيل وفي العالم في الثمانينيات. البطل هو عميل سري، أدهش الناس بارتجالات تكنولوجية على قاعدة وسائل منزلية بسيطة. في ايام "اوسلو" حلم شمعون بيريس أن تتحول غزة الى سنغافورة الشرق الاوسط. في هذه الاثناء تطورت هناك سبارتا ذات تكنولوجيا متدنية.
مع ذلك، هجمات نجحت إسرائيل في المس بثلاثة من الماكغايبرات الغزية الرائدة. ففي عمليات القصف قتل حوالي عشرة من أعضاء "حماس" العاملين في مشروع البحث والتطوير في مجال السلاح. وأُصيبت مواقع إنتاج كثيرة. وفي إسرائيل يقدرون بأنه في هذه المرة ستكون "حماس" بحاجة الى وقت أطول كي تنهض. ضاع جزء من المعارف مع الأشخاص الذين تم دفنهم في الأنفاق في غزة. وتحرص مصر على منع تهريب السلاح التقني من إيران عبر الأنفاق في شبه جزيرة سيناء. "حماس"، حسب التنبؤات، ستجد صعوبة في استكمال الاحتياطي المفقود. سنعيش ونرى.
إسرائيل ايضا يجب عليها تجديد الاحتياطي لديها. الخطوة الاكثر إلحاحا تتعلق بتطوير صواريخ اعتراض أخرى إضافة الى بطاريات "القبة الحديدية". وفي الوقت ذاته يحتاج سلاح الجو الى المزيد من القنابل الدقيقة. وفي زمن القتال حاول للمرة الاولى سناتورات واعضاء ديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي إعاقة صفقة لبيع ذخيرة موجهة ودقيقة لإسرائيل بمبلغ 735 مليون دولار. وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، قال في مقابلة مع يونيت ليفي من "حداشوت 12"، بأن ادارة بايدن تصمم على أن تنقل لإسرائيل الوسائل المطلوبة.
ومنذ خروج السنوار من الانفاق لم يتوقف عن معانقة وتقبيل مؤيديه والقاء الخطابات في الاعتصامات والتفاخر بانتصاره على إسرائيل. ربما أن الجمهور الغزي، الذي يشاهد الدمار الذي سببه القصف الإسرائيلي، أكثر تشككاً، لكن لا أحد يتجرأ على أن يتحدى بشكل علني الزعيم. الى أين هي وجهة "حماس" الآن؟ الاستخبارات العسكرية ما زالت تعتقد أن خيار السنوار الاستراتيجي، وهو التسوية، ما زال قائما. تريد "حماس" خلق نموذج سيادي ناجح في القطاع كممثلة لحركة الاخوان المسلمين في غزة. "الشاباك" كالعادة أكثر تشاؤماً، وهو يحذر من اندلاع مواجهة أخرى.
التغيير في موقف السنوار واستعداده للذهاب الى مواجهة حول القدس تمت ملاحظته من قبل جهاز الاستخبارات قبل نحو شهر على اندلاع المعركة. ولكن قبل بضعة ايام من ذلك كان التقدير السائد يقول إن "حماس" تريد مناوشات على الجدار وليس إطلاق الصواريخ على وسط البلاد. تجد إسرائيل صعوبة، مرة تلو الاخرى، في قراءة نوايا "حماس". يهود من كوكب المريخ وعرب من كوكب الزهرة، الفجوة بين الطريقتين اللتين ينظر فيهما الطرفان للواقع تعطل التنبؤات والتفاؤل المتبادل (أحياناً تؤدي الى سوء التقدير).

عن "هآرتس"