يدمرون غزة ثم يسارعون الى تعميرها ضمن اشتراطات وقيود.. يدمرون عملية التسوية ثم يقترحون افكارا لانعاشها.. يسعون الى تقوية السلطة الوطنية الفلسطينية ثم يجتهدون لاحراجها وحشرها في الزاوية.. يطالبون للشعب الفلسطيني بالكرامة والحرية ثم يتعاملون معهم كأنوية عنف وارهاب محتملة.. يرفعون شعارات الديمقراطية والتعددية ثم يدعمون من يعطلها او من يفرغها من مضمونها.. يخلقون المشكلة ثم يسعون الى حلها.
هؤلاء هم اعداؤنا الذين يريدون تعليمنا كل شيء، الديمقراطية والشفافية والنزاهة والحوكمة وما شئت من هذا الكلام البراق الذي ترجمته الحرفية مزيدا من التبعية والالحاق والتدمير والتأخير.
علمونا انهم سبب المشكلة ثم نطلب منهم ان يشاركوا في حلها بالمال او بالعسكر او بمجلس الأمن، كل ذلك يجري تحت اسم النظام العالمي و القانون الدولي، و لما كنا لا نستطيع أن نؤثر او نغير هذا النظام او هذا القانون ، فأننا نقع تحت اسئلة هذا النظام الظالم، إذ يطلب منا ان نشجب الإرهاب ونعترف بمجتمعنا ونشطب مناهجنا وننظف وعينا ونكبت مشاعرنا ونحسن من لغتنا وان نعيد رسم خرائطنا.
ألا يدعو هذا الظلم إلى الانقلاب عليه او كسره او الالتفاف عليه في أضعف الحالات؟
أليس من الظلم والحمق والصلف والوقاحة ان من دمر غزة بالموقف والسلاح والضغط يدعو إلى تعميرها بشرط أن يتم التفريق بين اناس واناس، وان تتم معرفة أوجه الصرف والانفاق ومن قبض ومن صرف ومن استفاد؟!
ألم يتعلم هؤلاء ان آلية الإعمار سنة 2014 لم تمنع فصائل المقاومة ان تطور كل شيء فوق الأرض و تحتها؟! ألم يتعلم هؤلاء ان تفكيك الفلسطيني لا يفيد وان تصنيفهم إلى شرعي او غير شرعي ، أو إرهابي لا يفيد على صعيد تحقيق الأمن و الأمان والاستقرار واذا كان هدف اعمار غزة الارضاء او الرشوة او استبدال الحل الدائم بتنمية مشروطة، وذلك من أجل ضمان امن اسرائيل، فإن هذا مسار خاطىء جدا، وقد اثبتت الايام خطأه تماما، فلا يمكن الإعمار وحده ان ينهي صراعا قوميا من هذا النوع ، وقد اثبتت الايام ام تدمير عملية التسوية واعتماد أسلوب العصا والجزرة والالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني من خلال تطويقه باتفاقيات التطبيع او غيرها او القبضة الأمنية او التجاهل أو التجاوز قد افضى إلى سلام و استقرار لإسرائيل، بقرة الغرب المقدسة والمدللة.
بعد 73 سنة تقريبا من قيام إسرائيل، فإن كل هذه الوسائل لم تثمر شيئا و لن تثمر بالتأكيد، ان كل ما أنفقته اسرائيل من أموال و تكديس أسلحة وقتل وتدمير لم يجعلها أكثر امانا او استقرارا، بل على العكس من ذلك تماما، فقد خلقت مجتمعا لا يستقر ولا يطمئن، يدخل معركة ويخرج من معركة ، يبحث طيلة الوقت عن سلاح فتاك يحل به مشاكله ولن يجده أبدأ.
ان تدمير غزة ومن ثم اعمارها تبدو عملية إنسانية من الخارج، و لكنها تنطوي ايضا على مخاطر متعددة، فلا يجب أن يقصد بهذه العملية تفكيك الشعب الفلسطيني ولا بذر الفتنة بين مكوناته ولا تغيير أولوياته ولا الهائه بشيء يخسره ولالشراء ولاءاته ولا لمعرفة نقاط قوته.
الإعمار يبدأ في اعمار الوعي والإرادة الإقليمية والدولية بما يضمن منح الشعب الفلسطيني املا في الحياة والمستقبل من خلال دولة مستقلة بدون احتلال.
هذه هي كلمة السر ومفتاح الأمر كله.
مخاطر الإعمار لا تقل عن مخاطر الدمار ايضا.
*رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس