لم يفت كل مراقبي معركة "الحدث الفلسطيني"، تلك الوحدة التي طالت الفلسطينيين وطنا وشتاتا، حول دعم مواجهة الـ 11 يوما، لكنها كانت وكأنها دهرا كفاحيا بما أنجزته قيما سياسية، قطعت كل الطرق على استمرار "خطف القضية" خارج مسارات الحقيقة التاريخية نحو تحرر وطني وبناء دولة كل عناصرها قائمة...
وحدة الفلسطينيين وراء مواجهة ستبقى علامة فارقة في تاريخ معارك فلسطين، بأثرها وليس بزمنها، الذي قد يكون الأقصر عمرا، قياسا بما سبقها، لكنها أنتجت مكاسب سياسية تفوق كثيرا ما سبقها، بل أن حروب ثلاثة على قطاع غزة، وهبات متفرقة في الضفة والقدس، ومسيرات كسر حصار مثلت تطورا نوعيا، لم تنتج ما أنتجته معركة الحدث الأخيرة، ولذا كان الاحتضان لها سابقة، أعادت ملامح الاحتضان خلال المواجهة الأطول في الصراع مع العدو القومي من 2000 – 2004.
ولعل تعبير "الغرفة المشتركة"، قفز ليصبح حاضرا إعلاميا بقوة لم يكن لها حسابا في فترات سابقة، رغم فقدان وحدتها الإعلامية، دون أن يطمس ماهيتها، والتي يجب التفكير الموضوعي بتطويرها، شكلا ومضمونا، لتصبح نواة لهيئة أركان جيش التحرير الوطني، بعد أن أدت رسالة ما خلال معركة حساسة ودقيقة، خاصة وأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية في جناحي بقايا الوطن، باتت قاعدة متطورة لبناء جيش وطني.
ومع وقف إطلاق النار، بدأت سريعا تبرز مظاهر خدشت الصورة المشرقة لوحدة شعب وقوى خلال المعركة، وكأن الـ 11 يوما كانت ضيف ثقيل الظل السياسي على منتج الهرمون الحزبوي السام، فبدأت حركة الاستعراض الفردية، خاصة من حركة حماس وجناحها المسلح، وكأنها تريد القول إنها من قاد وانتصر وقرر، البداية والنهاية، ورغم ما بذلك بعضا من حقيقة، لكنها لم تكن أبدا لتواصل دون وحدة مع أجنحة عسكرية لعبت دورا هاما، وبعضه مفصلي في معادلة قصف بصف.
الاستعراض الفردي فتح باب "الغيرة الفصائلية"، والتي تتنظر دوما من يدق بابها لتطل برأسها، وهو ما حدث بأسرع من المتوقع، وبدلا من التفكير المشترك للاحتفاء المشترك بمنتج مشترك، ولدت "الفردوانية" استباقا لقطف ثمار سياسية، وخسر "الحدث الفلسطيني" أول نقاطه.
ولأن "الفردوانية" طغت سريعا، لم نشهد أي تحرك وحدوي للتواصل مع الذين دفعوا ثمنا لمواجهة، ثمن لا يحق لأي كان الاستخفاف به، ممن فقدوا عائلات بكاملها خرجت من "سجل مدني" لتدخل "سجل الخالدين"، وشهداء كانوا قاطرة للحدث وما بعده، جرحى لا زالوا لا يجدون مكانا إسعاف، وفاقدي منازل ومأوى غالبهم ينتظرون بعضا من فرج قريب...
مآسي اجتماعية ربما تزيد كثيرا عما سبقها، وما ستتركه على وعي وحالة نفسية لمواطن يترقب ممن يبحثون قطف ثمار "النصر"، ان لا يذهبوا كما ذهبوا في "نفق رمادي" قد يصبح "نفقا أسود"، مع بروز بعض مظاهر تمييزية بين هذا وذاك، وفق الانتماء واللاانتماء ولا ضرورة لأن يخرج من يبحث تبريرا أو نفيا، فقبل قوات الآوان حاذروا نظرية "أولى بك فأولى"، فدافعي الثمن لم يتم سؤاله عن حزبيتهم، أو لا حزبيتهم.
ولأولي أمر المشهد القائم في قطاع غزة، سلطة وفصائل، من سقط شهيدا ذهب ووصيته أن راية الوطن هي العليا، ولذا إياكم وإياكم التمييز بين شهيد وشهيد، ودون الإشارة لمظاهر بدأت تطل تمييزا "غير إيجابي" في التعامل مع شهداء الحدث، حاصروا عناصر الفتنة بدل من نكران وجودها، لو أريد حقا خدمة شعب وليس خدمة فصيل...ولكل سلوك ثمن وفعل، وأهل قطاع غزة يعلمون كثيرا، فلا تستخفوا بمن كان المتراس الأول في الحدث الأخير!
حاصروا ما يجب حصاره من "آثار سوداوية" بدأت تطل برأسها فتنة، كي لا يكون ثمنها سحبا من الرصيد الكبير الذي كان...والذي قد لا يكون لو لم يحذر المنتشين بما كان!
ملاحظة: في 2 مايو أطلق القطري حمد بن جاسم "مهندس العلاقة مع الكيان"، دعوته المفاجئة لاستقالة الرئيس محمود عباس...فسارعت مراكز قطرية بتحريك كل أدواتها المالية والإعلامية للتنفيذ...استخفاف فتح بذلك مساهمة عملية بتحقيق "رغبة الشيخ"...والباقي عندكم!
تنويه خاص: وزير ليكودي قرر ان يرسل "إرهابيين يهود مسلحين" الى مدينة اللد لمواجهة أهلها الفلسطينيين...طريق الدمار تبدأ بخطوات تطرف خارج السياق دوما...تلك حكمة التاريخ!