وصف البنك الدولي الأزمة في لبنان بـ"الأكثر حدة وقساوة في العالم"، وصنفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر، بعد أزمتي تشيلي عام 1926، التي استغرقت 16 عاما للخروج من قعرها، وإسبانيا الناتجة عن الحرب الأهلية في 1931.
واحتل لبنان هذه المرتبة بعد تراجع ناتجه المحلي الإجمالي من 55 مليار دولار في عام 2019، إلى 33 مليارا عام 2020، في موازاة تراجع دخل الفرد بنسبة 40 في المئة.
وحمّل البنك الدولي كلا من الطبقة السياسية ومصرف لبنان مسؤولية ما آلت إليه الأمور من تدهور في قيمة العملة الوطنية، وتآكل القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم، التي تعتبر من أسوأ الضرائب التنازلية التي تطال الطبقات المتوسطة والفقيرة لصالح الأغنياء وأصحاب المكتسبات، وتتسبب بزيادة الفقر والبطالة.
وبحسب التقرير، فإن 1 من 5 عمال فقدوا وظائفهم، و41 في المئة من العائلات لديها صعوبات بالحصول على الطعام والمواد الأساسية الأخرى، و36 في المئة يتعذر عليها الوصول إلى الرعاية الطبية، فضلا عن "التسرب المدرسي" وانتقال آلاف الطلاب من المدارس الخاصة إلى الحكومية.
ويأتي هذا التقرير استكمالا للتقرير الأول الصادر في ديسمبر 2020، تحت عنوان "الركود المتعمد"، الذي اعتبر البنك الدولي فيه أن حجب المصارف للودائع الدولارية عن المودعين و"لبننتها"، وفرض قيود استنسابية، وتعدد سعر الصرف، "ضرب مدخرات صغار المودعين وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة والمتقاعدين".
معدلات الفقر
في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، أكدت الباحثة في العلوم النقدية والمالية، ليال منصور، أن تقرير البنك الدولي "مبني على معايير ومؤشرات اقتصادية تجسد باستمرار سياسة التعطيل واللامبالاة من جانب أهل السلطة، والتي تسببت بتراجع الناتج المحلي والدخل الفردي وارتفاع معدلات التضخم".
وأكدت منصور على "صحة توقعات البنك الدولي لهذا العام، لأنها مرتبطة باستمرار الحال على ما هو عليه منذ 2020 حتى اليوم".
وقالت إن تصنيف البنك الدولي "بيّن أكثر الأزمات حدة، الناتجة عن ارتفاع الدولار 9 مرات، وزيادة نسبة الفقر بهذه السرعة"، لافتة إلى أن هذا الأمر لا يتم "إلا في بلد يعاني من حرب، وهو ما يحصل حاليا، إذ أن الصراع السياسي هو السبب بما وصلنا إليه اليوم من تدهور اقتصادي حاد، ولا انفراج أو حل للأزمة إلا بالحل والاتفاق بين الأفرقاء السياسيين".ة
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة " إف.إف.إي برايفت بنك" (FFA PRIVATE BANK) جان رياش، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن البنك الدولي "يركز على عدم قيام أهل القرار بأية خطوات للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية، وبسبب تغليبهم المصلحة الحزبية والفردية على المصلحة الوطنية".
وأضاف: "التقرير يسلط الضوء كذلك على عبء التكيف الجاري وتقليص ميزانية القطاع المصرفي بشكل كبير. كما ركز على صغار المودعين وعلى الغالبية الساحقة من القوى العاملة التي تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية، وعلى لبننة الودائع من أجل إطفاء خسائر القطاع المصرفي وحماية مكتسبات قلة من المحظيين".
ورأى رياشي أن مهاجمة خطة لازارد من قبل المصارف ومؤيديها من أهل السلطة، "ما هو إلا نتيجة توزيعها للخسائر بطريقة عادلة، وحماية صغار المودعين وإعادة التوازن لميزانية المصارف، من خلال تقييم صريح لخسائرها وخسائر مصرف لبنان".
ونبه أخيرا إلى أن ما يحصل اليوم من "تحميل للطبقة الفقيرة والمتوسطة العبء الأكبر لإغلاق الفجوة المالية، هو بمثابة جريمة".