"متغيرات" أمريكية نحو فلسطين...لما وكيف؟!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 ربما للمرة الأولى تجد الولايات المتحدة ذاتها مجبرة على تغيير سلم أولوياتها السياسية، التي حددتها ضمن رؤية شمولية، بعد أن أقرتها نحو الصين وروسيا والبعد الآسيوي للصراع الكوني الجديد.

لم تمض أيام، حتى كانت القدس والشيخ جراح تحتل مكانتها البارزة إعلاميا، والقت بظلالها على المحيط بعد سكون، عندما أطلقت حركة حماس أول دفعة صاروخية نحو محيط القدس وعسقلان وأسدود، لتبدأ رحلة الـ 11 يوما، التي كسرت مسلسلا من "التهدئة الطويلة" نسبيا بين حماس وإسرائيل عبر رعاية قطرية ومباركة أمريكية.

تطور عسكري رسم ملمح جديد من الفعل الفلسطيني، دون أن نذهب بعيدا في قيمته الاستراتيجية، وأيضا دون تلك النظرة الدونية التي يحاول البعض تمريرها مستغلا حجم الدمار، ومقارنة بين خسائر وخسائر مادية وعدد من سقط شهيدا وجريحا فلسطينيا، وقتلي في الجانب الإسرائيلي، دون رؤية الجوهري في قيمة الفعل والرد الفلسطيني، الذي مثل "نقلة نوعية" في التعامل العسكري.

أدت مواجهة القدس والمواجهة العسكرية الأخيرة، الى تعديل مسار الحركة الأمريكية الرسمية، لتصبح قضية الصراع الفلسطيني الشرق الأوسطي – الإسرائيلي أولوية وضرورية، فكانت زيارة بلينكن الى المنطقة، فلسطين ودولة الكيان ومصر والأردن، لتكون أسرع زيارة لوزير خارجية أمريكي الى المنطقة، بعدما تولى منصبه بأسابيع، ولم تكن أبدا ضمن جدولة مناسبة، بل فرضتها تطورات نارية، لتبدأ رحلة سياسية أمريكية بلون مختلف نسبيا.

التطورات السياسي الأمريكية جسدته تعابير لم تكن جزءا من القاموس السياسي، حيث أصبح وجود الدولة الفلسطينية ضرورة لبقاء "إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية"، في إشارة غير مباشرة للبعد العنصري الذي بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تتناوله بشكل صريح، بل منها، والأكثر تأثيرا وانتشارا، من نشر تقارير عن سياسة الفصل العنصري التي تمارسها حكومة الكيان ضد الشعب الفلسطيني، في الضفة وقطاع غزة وداخل الكيان ذاته، وذهب منها الى الحديث عن جرائم حرب ترتكبها قوات جيش الاحتلال في الأراضي المحتلة.

تغير الإعلام الأمريكي تجاه التعامل مع "إسرائيل" كدولة خارج النقد، كسر جدارا حاميا طال أمده، لكل جرائم دولة الكيان، بل كان قاطرة رفضها لكل مبادرة سلام عربية وفلسطينية، بما فيها اتفاق إعلان المبادئ 1993 (اتفاق أوسلو).

مرورا سريعا على مسار الإعلام الأمريكي، سيلمس القارئ ان اللغة والمواقف لا تشبه ابدا ما كان سابقا، بل أنه في عهد "السلام الأول" من 93 – 95 بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم يكن ذلك ممكنا، ولعل تصريحات بلينكن الأخيرة، مع وفد فلسطيني أمريكي، يوم 4 يونيو 2021، أن "الإسرائيليين والفلسطينيين يستحقون تدابير متساوية من الأمن والحرية والفرص والكرامة"، تمثل تغيرا جوهريا في التعامل اللفظي المتساوي بالحد الأدنى في اللغة السياسية، وعلها المرة الأولى التي يقال ذلك بلسان وزير خارجية أمريكي ويهودي.

أهمية مراقبة التغيير السياسي – الإعلامي أمريكيا تجاه الصراع، ضرورة من أجل صياغة موقف فلسطيني – عربي كي لا يصبح الأمر "لحظة ساخنة" تنتهي بانتهاء حدث أربك المشهد بذاته، خاصة وأن هناك قاطرة من الحراك "رباعية ميونيخ" تقوده مصر والأردن، بالتنسيق مع فرنسا وألمانيا والرباعية الدولية (الأمم المتحدة، أمريكا، روسيا والاتحاد الأوروبي) خالية من أي وجود عربي، للبحث عن قواعد حل سياسي للصراع الذي طال...

التغيير الأمريكي، لم يكن من باب "حسن أخلاق سياسية" اكتشفتها الإدارة الجديدة، لأنها من حيث المبدأ لم تعط لها أهمية استراتيجية في ترتيبات أولياتها الخارجية، بل أن التطورات التي بدأت تهدد دولة الكيان ذاتها، خاصة البعد العنصري والإرهابي الصريح، ليس ضد الفلسطينيين في الضفة والقدس وقطاع غزة، بل في داخل الكيان ذاته، مع تطور عسكري جديد، مصحوبا بحركة إعلامية غير مسبوقة ضد دولة الكيان في الإعلام الأمريكي، بل وفي داخل المؤسسة الرسمية، خاصة مجلسي الكونغرس وموظفيهم، بعد أن نشر بيان الـ 500 موظف مطالبين بمعاقبة إسرائيل ودعم دولة فلسطينية.

أن يصبح نتنياهو هو ترامب وتحالف التغيير هو بايدن في أشهر وسائل الإعلام الأمريكي، فذلك تحريض غير مسبوق ضد رئيس وزراء إسرائيلي، يؤشر أن الملمح السياسي القادم لن يكون كما كان، كون حل الصراع بات ضرورة لا بد منها، وكلما طال غياب الحل كلما زادت العنصرية والإرهاب في دولة الكيان، ما يراه "يهود أمريكا" خطرا على "دولة اليهود" كما يقولون، ومنهم وزير الخارجية اليهودي بلينكن، والتأكد أن الفلسطيني أي كانت حالته السياسية يبقى حيا وحاضرا، ما قد يربك المخطط الأمريكي، مع عودة مصر القوية بالتنسيق غير المسبوق مع الأردن وخلق "ثنائية سياسية عربية" جديدة كقاطرة التصويب العام.

بالتأكيد، دون حل "الصراع" الفلسطيني – الفلسطيني تصبح كل المتغيرات أكثر بعدا، ولكن هل سيسمح لذلك أن يستمر وتبقي حرارة الصراع العام في المنطقة هو الأخطر...ام سيفرض "حل ما" لترتيب "البيت الفلسطيني"، كمقدمة لا بد منها لحل سياسي عام لقضية الصراع العام.

الحراك السياسي العام يبدو أنه أسرع كثيرا من تفكير "آل البيت الفلسطيني"، الذين يتعاملون مع الأمر وكأنها "جمعة مشمشية" وليس تغيرا هاما بملمح استراتيجي...ما قد يفرض "تدخلا جراحيا سياسيا" ليس محليا...

يبدو أن "التدخل الجراحي" لم يعد بعيدا نتاج تطور في المشهد الإقليمي، كانت بعض أطرافه سابقا قاطرة لاستمرار الانقسام، بدأت تتراجع لصالح قاطرة انهاء الانقسام!

ملاحظة: دخول آليات مصرية لإعادة إعمار قطاع غزة مؤشر حيوي هام له بعد سياسي...ولكن مهم جدا قطع الطريق على حدوث ثغرة "دفروسوار"، لا بد من تنسيق كامل مع أدوات الإعمار الغزية للتكامل...مفهومة مش هيك!

تنويه خاص: ممتع أن يحظر فيس بوك الكاره للفلسطيني، خاصة مع وجود الإسلاموية اليمنية كرمان، ترامب ويائير بن نتنياهو...طبعا مش عشان عيون أهل الشيخ جراح لكن لعيون بايدن...وبرضة مقبولة!