مــسـيــرة الأعـلام: صـواعـق الـتـفـجـيــر فـي الـقـــدس جــاهــــزة

حجم الخط

بقلم: نير حسون


قلائل يعرفون ذلك، لكن في كل شهر تجري مسيرة أعلام في القدس، في كل بداية شهر عبري، حيث تأتي مجموعات صغيرة ممن يعتمرون القبعات وهم يحملون الأعلام إلى البلدة القديمة، في «جولة على الابواب».
القصد ليس أبواب البلدة القديمة، بل أبواب الحرم. أي أنه يجب عليهم المرور في شارع باب الواد، الذي يقع في الحي الاسلامي، والصلاة في الساحات الصغيرة قرب ابواب الحرم، وهي من الأماكن الاكثر حساسية والقابلة للانفجار في منطقة الشرق الاوسط. في كل شهر يدور الحديث عن حدث متوتر تتم حمايته من قبل عشرات رجال الشرطة.
يوم الخميس القادم يصادف بداية تموز في التقويم العبري، لكن جولة البوابات يمكن رؤيتها بصورة مختلفة وأكثر خطورة. حزب الصهيونية الدينية وجمعيات يمينية، منها مجلسان اقليميان في «المناطق» طلبوا من الجمهور المشاركة في مسيرة اعلام تحت شعار «لنوحد القدس الى الأبد!».
من هذا الاعلان يتبين أن المنظمين يدركون جيدا الشعور بالاهانة في المسيرة السابقة، ويقومون باستغلاله: نعود الى السير في شوارع القدس برأس مرفوع مع أعلام إسرائيل.
مسيرة الأعلام السابقة، في 10 أيار، يوم القدس، سيتم تذكرها بفضل أحداث غير مسبوقة. في البداية، عندما بدأ أول المشاركين في السير قرر رئيس الحكومة الاستماع الى توصية «الشاباك»، وأن يغير للمرة الاولى، بعد عشرات السنين، مسار المسيرة، ومنعها من المرور في باب العامود والحي الاسلامي. هذا كان بعد مرور ثلاثة اسابيع على المواجهات اليومية بين رجال الشرطة والشباب الفلسطينيين في المنطقة. الحدث الثاني هو صافرة الانذار التي سمعت في القدس للمرة الاولى منذ العام 2014، في اعقاب اطلاق صاروخ من غزة نحو المدينة. في أعقاب صافرة الانذار أمرت الشرطة بتفريق المسيرة على الفور (بعد ذلك تراجعت).
شعر آلاف المشاركين في هذه المسيرة بأن الحدث الذي استهدف تأكيد سيادة إسرائيل في القدس الموحدة خلق تأثيرا معاكسا تماما. فقد أكد مشكلات السيطرة الإسرائيلية في شرق القدس وعدم وجود رد لدى إسرائيل على صواريخ «حماس». مسيرة الاعلام في القدس كانت حجرا من احجار الدومينو الحاسمة التي قادت الى جولة القتال الطويلة والاكثر دموية بين إسرائيل و»حماس» في السنوات السبع الاخيرة.
منذ نشر الاعلان عن المسيرة، يوم الخميس، زادت الردود التي تظهر التخوف من أن هذه المسيرة يمكن أن تكون تكراراً للمسيرة السابقة وسلسلة الاحداث التراجيدية في أعقابها.
المتحدث باسم «حماس» في غزة طلب من الجمهور المجيء للدفاع عن الاقصى. وأشار يحيى السنوار مرة اخرى الى أن «حماس» ستدافع عن المسجد الاقصى اذا كانت هناك حاجة الى ذلك. صديق فلسطيني من القدس كتب لي بأنه لا توجد أي طريقة لتفسير هذه المسيرة عدا أنها جاءت رغبة من إسرائيل بجولة قتال اخرى.
ايضا اليوم، مثلما في أيار الماضي، جاءت المسيرة على خلفية توتر متزايد في شرق القدس بسبب اخلاء عائلات في الشيخ جراح وفي سلوان، وبسبب العنف بين الفلسطينيين ورجال الشرطة في العاصمة.
في هذين الحيين تعيش عشرات العائلات المهددة بالاخلاء. حتى يوم الثلاثاء قد يقدم المستشار القانوني للحكومة موقفه فيما يتعلق بطلب الاستئناف الذي قدمه الفلسطينيون من الشيخ جراح ضد أوامر الإخلاء. موقفه سيؤثر بشكل كبير على احتمالات الاستئناف واحتمالات بقاء الفلسطينيين في بيوتهم.
على أي حال، الاخلاء لم يعد منذ زمن موضوعا محليا أو معركة عائليته بين فلسطينيين وجمعيات يمينية. تحول الشيخ جراح الى رمز فلسطيني وطني ورمز للنضال ضد الاحتلال في الشبكات الاجتماعية ولدى سياسيين يساريين في ارجاء العالم. أول من أمس قامت الشرطة بتفريق اعتصام احتجاجي بالقوة شارك فيه عشرات الاشخاص في سلوان. جرى الاعتصام بعد ماراثون شعبي بين الشيخ جراح وسلوان. مرّ الماراثون بهدوء، لكن الاعتصام في الخيمة في سلوان قررت الشرطة فضه بالقوة. ولكن سلوان ليست الشيخ جراح: الطبوغرافيا شديدة الانحدار والاكتظاظ، وربما ايضا الفروق في طبيعة السكان، أدت الى رشق الحجارة على رجال الشرطة، ما لم يحدث في الاسابيع الطويلة للاحتجاج في الشيخ جراح. رد الشرطة تضمن اطلاقا كثيفا للرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز المسيل للدموع، وفي نهاية الحدث اصيب هناك اربعة من رجال الشرطة و12 فلسطينياً.
في هذه الاثناء يبدو تقريبا أن كل مكونات الطبخة الخطيرة التي تم طبخها في أيار موجودة: توتر في شرق القدس على خلفية اخلاء عائلات؛ ومواجهات بين الشرطة والفلسطينيين في المدينة؛ وشعارات حربية من غزة ومن القدس عن الحاجة الى الدفاع عن المسجد الاقصى؛ ولا يقل عن ذلك اهمية اسبوع سياسي متوتر جدا قبيل اداء الحكومة الجديدة لليمين. واجب اثبات أن الهدوء هو أمر مرغوب فيه، حتى عند استبدال السلطة، ملقى الآن على كاهل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. المصادقة على جميع طلبات منظمي المسيرة ستكون بمثابة عدم مسؤولية صارخ.
مع ذلك، يوجد مكون واحد ناقص، خلافا ايار، فالاحداث في هذه المرة لا تأتي على خلفية شهر رمضان والاعياد الاسلامية التي دائما تزيد من نسبة التوتر في المدينة. ورغم ذلك، القدس بحاجة الى الكثير من الحظ والهدوء والشجاعة السياسية من أجل اجتياز الأسبوع القادم بسلام. وللأسف الشديد، هذه المكونات الثلاثة غير موجودة في القدس، مؤخراً.

عن «هآرتس»