في تشرين الأول 2017 أعلنت قيادة “حماس” عن مبادرة مصالحة جديدة مع حركة فتح، وأُرسل الصحافيان عمرو أديب ولميس الحديدي، من المقربين من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى رام الله وغزة من أجل القيام بحملة علاقات عامة للمصالحة. هذه المبادرة كانت مهمة بالنسبة للسيسي؛ لأنها جاءت بعد إطلاق الوثيقة السياسية الجديدة لـ”حماس” في الدوحة. فقد كان من المهم لمصر أن تمنع قطر من أن تأخذ منها دور الوسيط في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
اعتقد السيسي بأنه يستطيع تحقيق ذلك بمساعدة ثلاثة امور مهمة، وهي الجغرافيا: الحدود مع القطاع التي تمكن مصر من السيطرة على معابر القطاع؛ والايديولوجيا: القومية المصرية والعربية التي باسمها يجب الدفاع عن الامن القومي العربي من الاسلام المتطرف؛ والتاريخ: مسؤولية مصر عن المسألة الفلسطينية (تشكيل م.ت.ف) ونجاحها في اعادة ارض عربية من ايدي إسرائيل بالقوة (حرب 1973). ولكن السيسي خاب أمله. فمبادرة المصالحة فشلت، وتأثير قطر وقيادة “حماس” في الخارج ازداد.
في بداية عملية «حارس الأسوار»، عادت مصر الى التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين. ولكن في هذه المرة يبدو أنها تنوي دق إسفين بين قيادة “حماس” في غزة وقيادتها في الدوحة. شرح الصحافي أديب لمشاهديه لماذا يحيى السنوار وليس إسماعيل هنية أو خالد مشعل، اللذان يعيشان في قطر، يجب أن يكون العنوان في أي مفاوضات مستقبلية تجريها السلطة الفلسطينية أو إسرائيل أو المجتمع الدولي. وقد قال اديب إن السنوار هو زعيم حقيقي، أصيل ومهم. وقد مكث في السجن الإسرائيلي، وهو يعيش في غزة ويعاني مثل باقي السكان (لقد تم قصف بيته)، ويحافظ على علاقة شخصية مع الميدان ومع عائلات الشهداء، شجاع وخصم عنيد لإسرائيل.
وأوضح أديب أنه سواء أحببنا “حماس” أم كرهناها، إلا أنها جزء من المعادلة وهي تحصل على دعم كبير من الفلسطينيين. وأضاف إنه من اجل تمكين مصر من تجنيد المجتمع الدولي لصالح الفلسطينيين فانه يجب على “حماس” والسلطة الفلسطينية بلورة موقف موحد.
اللغة العدائية للسنوار تصعّب على مصر الدفع قدما بمبادرات المصالحة والتسوية السياسية، لكنها تعرف حاجتها الى إظهار القوة. فمصر نفسها اضطرت الى شن حرب اكتوبر من اجل التوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل.
خطاب السنوار بعد انتهاء عملية «حارس الاسوار» كان عسكريا. فقد صرخ ولوح باصبعه ومسح عرقه عن وجهه ونهض عن الكرسي بعصبية، ما أشار الى الغضب والضغط والحاجة إلى أن يعيد لنفسه الشرعية والشعبية. وقد تبين من اقواله أنه غاضب من إسرائيل؛ لأنها لم ترد عليه بانجازات سياسية، اجتماعية واقتصادية، رغم ضبط النفس النسبي الذي اتبعه. وبهذا تسببت بتعزز قوة خصومه الذين اوشكوا على هزيمته في الانتخابات الداخلية للحركة. وقد غضب من غطرسة إسرائيل ومن تجاهل تحذير محمد ضيف بشأن القدس، ولأنها اضطرتهما الى الانجرار الى مواجهة عسكرية للحفاظ على صورتهما الوطنية في نظر الفلسطينيين بشكل عام، وسكان شرق القدس بشكل خاص. يبدو أنه غضب من الاضرار التي تسببت بها إسرائيل لسكان حي الرمال، اصحاب رؤوس الاموال والمهن الحرة، الذين يمكن أن يهاجروا من غزة وابقائه مع الفقراء وعدم القدرة على اعادة اعمار القطاع.
باطلاق الصواريخ الكثيف على تل ابيب وغوش دان ربما اراد السنوار نقل رسالة الى إسرائيل تقول: اذا هربوا من غزة فسيهربون ايضا من تل ابيب. وقد غضب من المجتمع الدولي المعني بتحويل اموال اعادة الاعمار عبر السلطة الفلسطينية من اجل تقويتها واضعاف “حماس”، ما يؤدي الى تعميق الانقسام الفلسطيني.
من المهم للسنوار أن ينقش في وعي إسرائيل بأنه ايضا في هذه المرة انتهت المعركة دون حسم عسكري. وحسب قوله، لم تنجح إسرائيل في تصفية قدرة “حماس” الصاروخية والكثير من الأنفاق، ولم تتسبب بضرر كبير للوحدات المختارة والقيادة. تقديرات الاستخبارات وخطط الخداع لإسرائيل انهارت، وتم فتح مدخل للتعاون المستقبلي بين “حماس” و»فتح» و»حزب الله».
يدرك السنوار أنه إذا أراد إضعاف نفوذ قطر وخالد مشعل وعزمي بشارة داخل التجمعات الفلسطينية، وإجبار المجتمع الدولي وإسرائيل على رؤيته كعنوان وحيد لأي تسوية، هو بحاجة اليهم كي يكونوا على يمينه، لا سيما عرب 1948. وقد سماهم في خطابه «رجال أقوياء» (قبضيات)، وأثنى على معارضتهم للأسرلة والتعايش، وقال إنه على قناعة بأن الكثيرين منهم مستعدون للموت شهداء من اجل الاقصى والقدس، والطعن والدهس واحراق الغابات. «رجالنا في الداخل هم الذين سيحددون كيف سيكون المستقبل القريب»، قال في مقابلة أجراها مع صحيفة أجنبية. من ذلك يمكن الفهم بأنهم في غزة بدؤوا في فهم أن المقاومة الشعبية هي أداة ضغط بناءة اكثر من المقاومة المسلحة.
السنوار، الذي يدرك تأثير النكبة والنكسة على الكرامة الشخصية والشموخ الوطني الفلسطيني، من المهم له تجنيد التراث القتالي البطولي للشيخ احمد ياسين وياسر عرفات وفتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى ومحمد ضيف، من اجل رفع رأس التجمعات الفلسطينية وأن يغرس فيها الايمان والامل بالتحرر والعودة. وبإلغاء خصمه مشعل من القائمة في اقوال الثناء التي وزعها على عرفات وعلى اسهامه في تسلح الفلسطينيين العسكري (سفينة السلاح «كارين إي») وابداء الاستعداد للشهادة، يبدو أنه حاول أن يرمز الى أنه هو، وليس مشعل، من يستحق أن يواصل درب عرفات.
لا تنوي ”حماس” التنازل عن ايديولوجيتها السياسية، الجهاد ضد إسرائيل، وحتى القضاء عليها، أوضح السنوار في خطابه. ولكنه اضاف إن “حماس” ستكون مستعدة لتعليق النزاع والتوقيع على هدنة طويلة المدى باسم الاتفاق الوطني ومن خلال احترام الوسطاء. مشعل في المقابل يعيش بعيداً عن غزة، ولا يشعر على جلده بمعاناة السكان، ويواصل تأييد الانتفاضات التي توحد الفلسطينيين، ويعارض المفاوضات والتطبيع التي تفصل بينهم وتضر بالامن القومي العربي والاسلامي.
المعركة الاخيرة اثبتت، حسب قوله، أنه يمكن هزيمة الكيان الصهيوني الهش وغير الشرعي، وأن عرب 1948 هم قوة كبيرة يمكنها أن تتسبب بانهيار إسرائيل.
اذا كان السنوار لا يريد تخييب أمل مصر، التي تستطيع أن تفتح له باباً الى العالم الخارجي، واذا كان لا يريد تضييع الفرصة ليصبح زعيما شعبيا وحصريا من قبل “حماس”، إلى جانب السلطة الفلسطينية – بعد أن نجح في هذه المعركة في اعادة المشكلة الفلسطينية الى مركز خطاب المجتمع الدولي – فيجب عليه التخلي عن النغمة العدائية ووقف النار والتوقيع على صفقة لاطلاق سراح الاسرى واعادة اعمار القطاع.
واذا كانت إسرائيل لا تريد السقوط في شرك قطر وتركيا وقيادة “حماس” في الخارج، فمن المحظور عليها تقديم انجازات لها في كل ما يتعلق بالقدس وقطاع غزة.
في موضوع القدس يجب على إسرائيل أن تتعامل مع الاردن والسلطة الفلسطينية، وأن تقترح عليها انشاء آلية مشتركة تكون مسؤولة عن الامن في الاماكن المقدسة. هذا يمكنه اضعاف النفوذ السلبي لـ”حماس” والجناح الشمالي للحركة الاسلامية، وأن يمنع جهات سياسية ودينية «متطرفة» من تأجيج المشاعر.
في موضوع قطاع غزة يجب على إسرائيل أن تتعامل مع مصر وقيادة “حماس” في غزة (السنوار) وزيادة حضور مصر في القطاع وتسليح السنوار بانجازات سياسية واقتصادية تدفعه للتقدم نحو هدنة طويلة المدى. وبعد ذلك نحو تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية.
عن «هآرتس»