أميركا، وحقوق الإنسان، وحرب إسرائيل ضد فلسطين

حجم الخط

نيويورك ـ  بقلم جيفري ساكس

 

تبدو محاولة إسرائيل تبرير هجومها الوحشي الأخير على غزة جوفاء ومخادعة لأي شخص على دراية بالأحداث الجارية في إسرائيل، حيث انتهكت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بدعم من العنصريين المناهضين للعرب، حقوق الإنسان الأساسية للسكان العرب بشكل منهجي ووحشي ومواظب. ومؤخرا، أدانت منظمة هيومان رايتس واتش، وهي منظمة عالمية غير حكومية تضم العديد من القادة اليهود، إسرائيل لارتكابها جرائم ضد الإنسانية.

الواقع أن سلوك إسرائيل يضع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تمارس سياسة خارجية تستند إلى حقوق الإنسان، في دائرة الضوء. فإذا كان التزامها حقيقيا أصيلا، فيجب على الإدارة أن تدعم إجراء تحقيق مستقل من جانب الأمم المتحدة في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان ضد السكان العرب وأن تعلق المساعدة العسكرية لإسرائيل إلى أن يكتمل التحقيق ويتم تأمين حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

كانت الغارات الجوية والهجمات المدفعية الأخيرة على غزة مسبوقة بتهديدات إسرائيلية بطرد الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، كما استفزت إسرائيل أعمال العنف في المسجد الأقصى، واحد من أقدس الأماكن الإسلامية. نظم إسرائيليون يمينيون مسيرة عبر القدس الشرقية، حيث هتفوا “الموت للعرب”. وسرعان ما أعقب ذلك إطلاق الصواريخ من غزة، ولعل هذا كان هدف نتنياهو منذ البداية. إنه يقاتل من أجل حياته السياسية في مواجهة محاكمة الفساد الوشيكة، ومن الواضح أن التحريض على كراهية العرب واستغلال هذه الكراهية من الأدوات التي ساعدت نتنياهو لفترة طويلة في السعي إلى السلطة والتشبث بها.

بصفتي يهوديا، أشعر بانزعاج شديد إزاء العنف المتهور الذي تمارسه إسرائيل ضد العرب، والذي يتعارض مع جوهر الأخلاق اليهودية. يقول التلمود: “من أنقذ روح إنسان كأنما أنقذ الناس جميعا”. وفي مناسبة شهيرة، قال الحكيم العظيم هيليل إن التوراة بالكامل (القانون اليهودي) يمكن تلخيصها على النحو التالي: “ما هو مكروه لك، لا تفعل مع أخيك الإنسان”.

ينتهك قصف إسرائيل الوحشي لغزة، والذي يتسبب في معاناة جماعية وقتل الأبرياء، بمن فيهم ما لا يقل عن 63 طفلا، كلا المبدأين. وغالبا ما يتدثر الساسة الفاسدون الذين لا هم لهم سوى خدمة مصالحهم الشخصية مثل نتنياهو برداء ديني لتغطية أفعالهم الحاقدة الخبيثة. وفي هذه العملية يسيئون إلى الدين بشدة.

يدعي نتنياهو أنه يتصرف باسم الشعب اليهودي. وهذا غير صحيح بكل تأكيد. فكثيرون من اليهود في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك شخصي، يحتقرون سياسة نتنياهو العنصرية.

بصفتي أميركيا، أشعر أيضا بانزعاج شديد إزاء دعم حكومة الولايات المتحدة التلقائي المطلق لإسرائيل. لحسن الحظ، لست وحدي في هذا الرأي. فقد دعا عدد متزايد من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين، من اليهود وغير اليهود على حد سواء، الولايات المتحدة إلى الكف عن دعم فوضوية إسرائيل. الحقيقة هي أن الدعم الذي تقدمه حكومة الولايات المتحدة لإسرائيل، دون تمييز أو انتقاد، أصبح يعتمد على المسيحيين الإنجيليين، من أمثال وزير الخارجية الأميركي السابق مايكل بومبيو، بشكل أكبر من اعتماده على اليهود الأميركيين، الذين أصبحوا منقسمين بشدة بسبب تصرفات نتنياهو. السبب الحقيقي وراء حرص الإنجيليين على دعم الصهيونية ليس أمن اليهود، بل المعركة الفاصلة “Armageddon”، أو نهاية العالم، والتي يعتقدون أنها لن تأتي إلا عندما يكون كل اليهود في إسرائيل.

علاوة على ذلك، كان حرص الرئيس السابق دونالد ترمب في السنوات الأخيرة على إطلاق يد إسرائيل تفعل ما تشاء دون ضابط أو رابط سببا في تشجيع العنصرية المتطرفة داخل أجزاء من المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب شعور بين القادة الإسرائيليين بأن أي إساءة يرتكبونها أو يتغاضون عنها لن تزعزع دعم حكومة الولايات المتحدة لهم. وأصبح استحضار لغة الكراهية، والإقصاء العنصري، والمذبحة المنظمة، شديد السهولة بين المنتمين إلى اليمين الإسرائيلي. يقدم زميلي المتميز في جامعة كولومبيا رشيد الخالدي وصفا قويا لآلام الفلسطينيين وخسارتهم في كتابه الجديد الذي يتناول تاريخ الصراع بعنوان “حرب المائة عام على فلسطين”.

توصل تقرير منظمة هيومن رايتس واتش الأخير حول السياسة الإسرائيلية في التعامل مع عرب إسرائيل وفلسطين المحتلة إلى نتيجة شديدة الوضوح وتنبئ بالكثير:

“دأبت السلطات الإسرائيلية بشكل منهجي على محاباة الإسرائيليين اليهود والتمييز ضد الفلسطينيين. وتوضح القوانين والسياسات والتصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين أن هدف الحفاظ على السيطرة الإسرائيلية اليهودية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، والأرض، كان يوجه منذ فترة طويلة سياسة الحكومة. وفي السعي إلى تحقيق هذا الهدف، قامت السلطات بنزع ممتلكات الفلسطينيين، وحبسهم، وعزلهم وفصلهم قسرا، وإخضاعهم بحكم هويتهم بدرجات متفاوتة الشدة. وفي مناطق بعينها، كما هو موصوف في هذا التقرير، تكون أشكال الحرمان هذه شديدة القسوة حتى أنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية تتمثل في الفصل العنصري والاضطهاد”.

إذا كانت إدارة بايدن راغبة في الالتزام بقانون حقوق الإنسان الدولي، فلا يجوز لها أن توجه أصابع الاتهام إلى الصين ثم تمنح تصريحا مجانيا لإسرائيل، التي تعتمد فعليا على ما تزودها به الولايات المتحدة من الذخيرة والدعم المالي. حقوق الإنسان هي حقوق الإنسان، وهي جزء من القانون الدولي بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وسواء كانت القضية شيانجيانج والأويغور، أو ميانمار والروهينجا، أو إسرائيل والعرب الفلسطينيين، فإن السبيل الصحيح اللائق للدفاع عن القانون الدولي يمر عبر الأمم المتحدة، بدءا بإطلاق تحقيق مستقل برعاية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

إلى أن يحدث ذلك، أقدم أيضا بعض النصائح الاقتصادية البسيطة: تتمثل إحدى الطرق القوية لوقف السلوك الرديء الكريه في المستقبل في زيادة تكلفته. فبدلا من عقد مؤتمر آخر للمانحين تتعهد في إطاره الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بتقديم الأموال لتغطية تكاليف إعادة إعمار غزة، حان الوقت لإرغام إسرائيل على تحمل تكاليف إعادة بناء غزة. إن أموال المانحين الدولية الشحيحة يجب أن تستخدم لمساعدة أفقر الناس في العالم، وليس دعم الدمار المتكرر الوحشي.

*جيفري ساكس أستاذ في جامعة كولومبيا، ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، ورئيس شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة .