مع تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة مهامها، يبدو واضحاً أنها لن تختلف عن سابقتها في ما يتعلق بالشعب الفلسطيني وحقوقه، بل إن رئيسها يمثل الاتجاه الاستيطاني الأشد عنصرية، وواحداً من أكبر دعاة ضم معظم الضفة الغربية لاسرائيل، بدعوته لفرض القانون الإسرائيلي في كامل ما يسمى بمناطق “ج” أي 62% من الضفة ، وهو أبرز الرافضين لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ووصف هذه الحكومة “باليسارية” ، كما يحاول المعزول نتنياهو هو أقبح الأخطاء، فمعظم أركانها من نفتالي بينيت إلى لبيد، إلى غانتس وليبرمان وساعر، من اليمينيين الرافضين لإنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة، ومن المصّرين على تكريس قانون القومية العنصري الذي يقول أن حق تقرير المصير في فلسطين محصور باليهود فقط، ومعظم الأحزاب المشاركة فيها بما في ذلك حزب العمل، تصر على إبقاء ضم القدس واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل.
ولقطع الشك باليقين يكفي إلقاء نظرة على خطوط هذه الحكومة المعلنة إذ تنص على :
أولاً -تعزيز الاستيطان في القدس ونقل مراكز الحكومة الإسرائيلية اليها.
ثانياً -تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي، دون أي تعهد بالامتناع عن خطوات إسرائيلية أحادية.
ثالثاً -تكريس أغلبية مطلقة لليمين العنصري في المجلس الوزاري المصغر.
رابعاً – تعهد بمنع الفلسطينيين من السيطرة في مناطق “ج” أي استكمال التمهيد لضم 62% من الضفة الغربية.
خامساً-توسيع ساحة البراق على حساب مناطق في القدس العربية.
سادساً-الاستمرار في التوسع الاستيطاني وهذا ما أكده نفتالي بنيت في خطابه لتقديم حكومته،حيث أكد على إستمرار الاستيطان خاصة في مناطق “ج” بالضفة الغربية.
وذلك كله يمثل استمراراً لسياسة حكومة نتنياهو، ويضاف إليها ما أعلنه رئيسها المقبل بأنه على استعداد لشن حروب جديدة على غزة ولبنان، حتى لو كلفه ذلك انتخابات جديدة.
ولسنا بحاجة للتذكير بأن نفتالي بينت وبني غانتس من المتهمين مثل نتنياهو بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014.
وعلى من يحلمون بالتفاوض مع هذه الحكومة تذكر المقال الذي نشره رئيسها نفتالي بينت ، في صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2014، والذي رفض فيه فكرة “حل الدولتين”، وقال فيه بالحرف الواحد “إن اسرائيل لا تستطيع الانسحاب من أراض جديدة “أي الضفة الغربية والقدس” ولا تستطيع السماح بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية”.
وبديلا لحل الدولتين، طرح بينيت نفس النقاط التي وردت في صفقة القرن البائسة، السلام الاقتصادي بديلا للسلام الحقيقي، في مناطق “أ” و “ب” فقط، أي باستثناء مناطق “ج” التي يخطط لضمها. وحصر الكيان الفلسطيني في مناطق “أ” و “ب”، أي 38% من الضفة الغربية، في بانتوستانات مقطعة الأوصال. وأصر على أن تبقى حدود هذا الكيان ومعابره بيد اسرائيل مع منع الفلسطينيين من امتلاك أي قدرات عسكرية للدفاع عن أنفسهم “كما تنص صفقة القرن بالضبط”. بالإضافة إلى تكريس فصل قطاع غزة عن الضفة .
وأخيراً ضم كامل مناطق “ج” أي 62% من الضفة الغربية لإسرائيل بفرض القانون الإسرائيلي عليها.
هذه هي خطة رئيس الحكومة الاسرائيلية الجديدة، وهي تعني بكلمة واحدة، أن برنامجها هو نفس “صفقة القرن” التي صاغها نتنياهو وروج لها ترامب ورفضها الشعب الفلسطيني.
والحديث عن التفاوض مع حكومة كهذه يرئسها من كان رئيسا للمجلس الإقليمي للمستوطنات، لا يعني سوى العودة لزرع الأوهام، والضياع في غياهب الخداع والمماطلات الإسرائيلية التي استمرت لثمانية وعشرين عاماً منذ وقع اتفاق أوسلو.
مؤسف أن حزب ميرتس جزء من هذه الحكومة ومن المشين أن يدعمها أربعة نواب عرب من قائمة منصور عباس، وأصواتهم جميعا لن تكون سوى ورقة توت لسياسات إسرائيلية يمينية وعنصرية عدوانية.
خلال الأيام الأخيرة اقتحم جيش الاحتلال مدينتي رام الله وجنين وهي من مناطق “أ” التي يفترض أن تكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وأغلق مقراً للجان العمل الصحي وهي مؤسسة صحية، لستة أشهر، واغتال بدم بارد ثلاثة شهداء أحدهم مقاوم فلسطيني، واثنان من كوادر جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطينية.
وأكد ذلك كله أن إسرائيل دفنت منذ زمن طويل إتفاق أوسلو. لذا فان الرد على الحكومة الإسرائيلية الجديدة ليس التعلق بأوهام التفاوض معها، أو المراهنة على إدارة الرئيس الأميركي بايدن، بل إنهاء الانقسام الفلسطيني عبر التوجه لتشكيل قيادة وطنية موحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية تنبثق عنها حكومة وحدة وطنية، ولجنة إعمار مهنية موحدة، وتحضر لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني الفلسطيني الجديد.
قيادة وطنية موحدة تتبنى استراتيجية ونهجا كفاحيا مقاوماً، لتغيير ميزان القوى، وجعل الاحتلال ونظام التمييز العنصري خاسراً، وهو ذات النهج الذي مارسته الجماهير الفلسطينية في الشيخ جراح والمسجد الأقصى وسلوان، ومدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، و النهج نفسه الذي خطته المقاومة الفلسطينية الباسلة بصمودها الأسطوري في قطاع غزة.
حكومة يمينية عنصرية بدون نتنياهو لن تختلف عن حكومة يمينية عنصرية مع نتنياهو، وجميعها حكومات صهيونية حتى العظم.