الرجل الذي اضعف ابو مازن وعزز مكانة حماس

حجم الخط

القناة العبرية ١١ “كان” – غال بيرغر

في عام 2009 انتخب نتنياهو . وفي تلك اللحظة توقف الزمن  بالنسبة للقيادة الفلسطينية التي احضرت الى هنا مع اوسلو . منذ اللحظة الاولى ادركوا في رام الله ان ما كان لم يعد ممكنا .
خلال السنوات التي سبقت ذلك اعتاد الفلسطينيون على واقع فيه رئيس وزراء يلي رئيس وزراء اخر – ابتداءا من اسحاق رابين مرورا بايهود باراك وصولا لايهود اولمرت – على استعداد لاعطاءهم  بعض القليل والقيام بخطوة اخرى صغيرة باتجاههم ، اعطاءهم بوصة  هنا واظهار المزيد من المرونة هناك . حتى ان ارئيل شارون فاجأ الجميع وانسحب من غوش قطيف وقطاع غزة .
فتح   الفلسطينيون شهيتهم  بشكل منهجي  ولامتناهي حول رئيس الوزراء التالي في اسرائيل ،  ومن المؤكد انه سياتيهم بعرض مغري اكثر من اسلافه . اذا كان السابق على استعداد ان يعطيهم 80 بالمائة من اراضي الضفة فان القادم سيعطيهم 90 بالمائة ومع مزيدا من الصبر سياتي اقتراح ب 94 بالمائة من الارض . وفق مزاعم مصادر فلسطينية على الاقل فان تصيفي ليفني همست في اذانهم بانه لا ينبغي لهم التوقيع مع اولمرت لانه على وشك الرحيل وانه عليهم ان ينتظروا قليلا فهي على وشك ان تحل محله في رئاسة الوزراء ومعها يمكن الوصول لصفقة مناسبة . وحينها في 2009 حصل ما لم يكن متوقعا  بالنسبة لهم  : لفني لم تصل الى  رئاسة الوزراء انما نتنياهو والعملية  اخذت اتجاها اخر .
منذ اللحظة الاولى فهموا في رام الله انهم لن يحصلوا  من نتنياهو  اطلاقا على ما كان اولمرت مستعدا لتقديمه في انابوليس ورفضوا هم قبوله . في الوقت نفسه تعزز لديهم  الادراك بانه بانه لا توجد اي جدوى من المفاوضات الثنائية مع حكومة اسرائيل بقيادة نتنياهو . ظاهريا اعطوا فرصة للمباحثات مع اسرائيل  في السنوات الاولى لحكم نتنياهو حتى لا يتعرضوا للاتهام بانهم قاموا بافشال فرصة الوصول للتسوية السياسية .   كان ذلك تحت  ادارة اوباما في البيت الابيض لكن في قلوبهم كانوا يعتقدون ان الخلاص لن ياتي من نتنياهو . لن يكون هو من يمنحهم الدولة الفلسطينية بالتاكيد ليست دولة وفق المعايير التي يطمحون اليها .
وهذا أيضًا هو السبب وراء اتخاذ القرار في رام الله ، وبسرعة نسبية ، بالتخلي عن المفاوضات  الثنائية ، وقدموا عليه   طريقة التدويل  ، أي أن يصبح النزاع دوليًا: جر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الى تحمل المسؤولية عن حل  الصراع الإسرائيلي الفلسطيني:  حتى يقوم العالم بالضغط على اسرائيل وفرض تسوية سياسية عليها  تتماشى مع مطالب القيادة في رام الله ، لذلك ، في أول عامين من  حكم  نتنياهو ، بدأ أبو مازن بالتوجه إلى الأمم المتحدة ، في عام 2012 ،  رفع مكانة الفلسطينيين هناك من دولة مراقب الى دولة ليست عضو  في الامم المتحدة   كما هو معروف ، لم يخرج له من ذلك اي جديد  – دولة حقيقية .
لم يكن هناك  ساعات كثيرة  من المفاوضات السياسية الجدية  بين إسرائيل وبين رام  الله ابو مازن  . 
أحد  اللقاءات التي حفرت في ذاكرة الفلسطينيين جيدا عقدت في العقد الماضي بين المبعوث الخاص لنتنياهو اسحاق مولخو وبين اثنان من طاقم المفاوضات الفلسطيني صائب  عريقات ( رحمة الله عليه ) ومحمد اشتية الذي يشغل اليوم منصب رئيس الوزراء الفلسطيني .
سمع كلاهما من مولخو كلاما لا لبس فيه حول مستقبل غور الاردن في اي تسوية سياسية محتملة  حيث قال لهم مولخو وفق ما قاله الاثنان لي في حينه : امامكم خياران  اما ان ناخذه بانفسنا او ان تعطوه لنا انتم .
كانت هذه الجملة بالنسبة لهم هي  كل القصة وتردد  صداها هناك لعدة سنوات قادمة. لقد ادركوا  أن النهج الجديد في عهد نتنياهو هو أنه لا توجد المزيد من المفاوضات على اساس خذ واعطي  ، الا املاءات من السيد تنزل مباشرة من بلفور ( مقر اقامة رئيس الوزراء الاسرائيلي في القدس )   وتترك لهم خيارًا واحدًا: خذوها كما هي او اتركوها كما هي  take it or leave it.  لم تعد هناك  مساحة كبيرة للمناقشات والمساومات . كما أنهم لا يعرضون  دولة حقًا.  كما لو انك ، عندما تأتي لبيع سيارة ، وعند التنازل  تخبر المشتري أن المقعد الخلفي سيبقى ملكا لك ، وكذلك العجلات الأمامية ، وأنك ستحتفظ   ايضا بمفتاحًا احتياطيًا ، و تحتفظ لنفسك بالحق  في الجلوس بجانب السائق في أي وقت تختاره. في هذه  الحالة انت لم تقوم ببيع  السيارة حقا .  انت تبيع قطا في كيس  . وسرعان ما أدرك الفلسطينيون أنه لا توجد نية لمنحهم دولة. في الحد الاقصى  دولة ناقص أو حكم  ذاتي زائد ، وهذا ما لم يكونوا على استعداد لقبوله .
العلاقة بين ابو مازن ونتنياهو اخذت في الانكماش  تدريجيا مع مرور الوقت . لم يلتقي الاثنان في لقاء عملي جدي  واحد وجها لوجه منذ عام 2010 . شاهدا بعضهما اثناء اخذ الصور في المؤتمر المناخي الذي عقد في فرنسا في العام 2015 حتى انهما تصافحا وبعد اقل من عام تصافحا مرة اخرى وتبادلا عدة كلمات على عجل اثناء جنازة شمعون بيريس في القدس .
 مرتان فقط تحدثا هاتفيا – للتهنئة بالاعياد ، للتعزية او عندما طلب نتنياهو من ابو مازن الهدوء في ازمة البوابات الممغنطة عند مداخل المسجد الاقصى صيف عام 2017 .  تراجعت العلاقة مع ابو مازن الى المرتبة الثانية او الثالثة واجريت من خلال رؤساء الشاباك او المبعوثين . في السنوات الاخيرة جرت هذه اللقاءات امام الرئيس المنصرف ريفيلن في اوقات الفرح او الحزن .
حرص نتنياهو طوال سنوات حكمه على عدم منح ابو مازن اي مكاسب سياسية او اي مكاسب ملموسة اخرى على الارض . هنا وهناك كانت بعض اللفتات الصغيرة ، ليس اكثر .   كان ينظر لابو مازن من قبل المؤسسة الامنية الاسرائيلية ومن اوساط سياسية بانه فرصة امنية في المقام الاول طالما حافظ على التنسيق الامني مع اسرائيل . القليل منهم نظروا اليه باعتباره فرصة سياسية : القائد الذي يمكن الوصول لاتفاق معه . من المحتمل ان نتنياهو فضل رؤيته على هذا النحو ، من المشكوك فيه كثيرا انه كان يريد التوصل لاي نوع من الاتفاق معه .  التقدير الذي حصل عليه في اسرائيل لانه يستخدم اجهزة الامن التابعة للسلطة الفلسطينية في مكافحة ( ارهاب ) حماس في الضفة وبشكل عام لم تتم ترجمته  الى لفتات سياسية من الجانب الاسرائيلي بقيادة نتنياهو .
في ظل سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ،  اصبح   الجمهور الفلسطيني  ينظر  اكثر واكثر  إلى أبو مازن  باعتباره كمن حول اجهزة الامن التابعة للسلطة الفلسطينية إلى فرع في حرس الحدود الاسرائيلي ، دون أن يمنحه ذلك اي مقابل سياسي  حقيقي من نتنياهو .  أبو مازن ضعف  اكثر واكثر  شعبيا وكذلك  الأجندة التي يمثلها في المناطق: تحقيق حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية ،   مصحوبا بتركه الشراكة المقدسة بين الارهاب والدبلوماسية التي كانت علامة مميزة في عهد سلفه عرفات . وصل تقلصه  إلى ذروة جديدة  في عهد  إدارة ترامب ، في سلسلة من الاجراءات  التي شجعها نتنياهو ودعمها ودفعها.

في الوقت نفسه الى جانب اضعاف ابو مازن واضعاف حل الدولتين ( اذا كان امامها فرصة اصلا ) رعت اسرائيل بقيادة نتنياهو خصم ابو مازن السياسي  : حماس التي استولت على غزة بالقوة في عام 2007  وفصلتها عن دائرة نفوذ السلطة الفلسطينية وبنت في القطاع  -دولة مصغرة تقوم على اجندات حماس – القائمة على المزج بين السياسات و(الارهاب ) ، اجراء مفاوضات دائما تحت النار وتحت التهديد دائما ، الضغوطات والابتزاز المافيوي .
في الوقت الذي حرص فيه ابو مازن على التنسيق الامني مع اسرائيل في معظم فترات حكمه لم يحصل مقابل ذلك على اي انجاز سياسي ، اما حماس – ممثل الاخوان المسلمين في المناطق التي لا زالت تعلن انها لا تعتزم الاعتراف او القبول بوجود اسرائيل – فتحصل من نتنياهو على هدايا كثيرة مكنتها من تعزيز مكانتها في قطاع غزة والشارع الفلسطيني عامة . بما في ذلك في الضفة . ابتداءا من صفقة شاليط التي افرج نتنياهو في اطارها عن اكثر من الف اسير – نصفهم (قتلة او كبار القتلة ) كانوا محكومين بمئات المؤبدات  مرورا بالحفاظ على سلطة حماس في غزة في سلسلة من الحروب والجولات المصحوبة بعدم  الرغبة المعلنة عن اسقاط هذه السلطة وصولا الى المفهوم الخاطئ القائل بامكانية شراء الهدوء من غزة مقابل المال القطري ( على الرغم من انها لم تاتي  حقا بالهدوء في اي لحظة -ومشاهدة الحقول الزراعية المحترقة في الجنوب ، واعمال العنف على الجدار الحدودي ، الصواريخ الغير منضبطة التي اطلقت من وقت لاخر ، جولات القتال التي امتدت ليوم او يومان واخيرا حملة حارس الاسوار ) .
 اراد نتنياهو سلطة حماس على قيد الحياة وموجودة لأنه طالما كانت هناك ، سيكون من الممكن دائمًا القول للعالم أنه من المستحيل التوقيع على اتفاق مع أبو مازن ، لأن أبو مازن لا يسيطر على غزة. وحماس في غزة لن تحترم الاتفاق. الإبقاء على حكم حماس في قطاع غزة يهدف إلى تخفيف الضغط الدولي على إسرائيل للشروع في عملية سياسية تقدم فيها تنازلات واثمان  مؤلمة. الحجة الاسرائيلية  تقول”لماذا ندفع ثمناً كاملاً لتسوية سياسية مع أبو مازن ، بينما لا يوجد ضمان حقيقي بأن غزة التي تسيطر عليها حماس ستكون ملتزمة بالتسوية” .

في العقد والنصف الاخيرين تحت سلطة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو كانت الرسالة التي وصلت للجمهور الفلسطيني من جانب اسرائيل تقول ان كل من يقيم علاقات طيبة مع اسرائيل ويحافظ بقوة وبدقة على التنسيق الامني معها – ابو مازن – لا يحصل منها على شئ . بينما حماس التي تستخدم ضد اسرائيل النار والقوة والابتزاز تستطيع انتزاع المكاسب منها . في مواجهة اسرائيل – قوة الذراع تؤتي اكلها اكثر من قوة الدبلوماسية هذه هي الرسالة التي نفذت لكثيرين في الشارع الفلسطيني . سياسات نتنياهو ادت الى اضعاف ابو مازن وتعزيز قوة حماس . نجحت في اضعاف الفلسفة التي حاول ابو مازن ان يغرسها في الشارع الفلسطيني منذ نهاية الانتفاضة الثانية – والتي تقول بان الدبلوماسية ستاتي بالانجازات وليس ( الارهاب ) – وعززت الفلسفة التي تقودها حماس والتي تقول بان المكاسب -لن تاتي من اسرائيل بل تنتزع ليس بالدبلوماسية انما بالقوة وتحت تهديدات ( الارهاب ) . 

غال بيرغر – محرر الشؤون الفلسطينية – اخبار كان