الربيع الفلسطيني ومحاولة اسكاته

حجم الخط

هآرتس– بقلم عيدان رينج وهاما أبو كشك

بعد بضعة أيام على انتهاء القتال في غزة نشر أن رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، طلب قطع الشبكات الاجتماعية في إسرائيل من اجل منع استمرار الغليان في المدن المختلطة وفي القرى العربية. ولكن هذا الاقتراح تم رفضه خشية المس بحقوق المواطن. معطيات منظمات حقوق رقمية تظهر أنه تقريبا لم تكن هناك حاجة الى ذلك: الشبكات الاجتماعية منعت واسكتت بشكل فعال فلسطينيين بنطاق غير مسبوق. وفي الغالب أيضا بدون أي مبرر. محاولة الاسكات هذه، الى جانب التعاطف الدولي الذي حصل عليه احتجاج الفلسطينيين في الشبكات، تدل على أنه في الاحداث الأخيرة كان للاحتجاج الرقمي دور مميز. ومن السابق لاوانه تقدير نطاق تأثير الاحتجاج الفلسطيني في الشبكات الاجتماعية من اجل المسجد الأقصى والشيخ جراح. ولكن من الواضح أنه سيتم تذكرها كمفترق طرق للفعالية الرقمية الفلسطينية بشكل عام. هناك من اصبح يقارنها بالربيع العربي في العام 2010 أو مع حركة “بلاك لايفز ماتير”.

​بسبب أن وسائل اعلام التيار العام لا تقدم تعبير مناسب عن الاحتجاج والهوية الفلسطينية فان الشباب في القرى العربية في إسرائيل توجهوا في السنوات الأخيرة الى الشبكات الاجتماعية من اجل التعبير عن هويتهم الوطنية والدينية والثقافية، عن طريق الارتباط بالفضاء الفلسطيني والعربي والإسلامي العالمي. الشبكات كانت وسائل الاعلام البديلة للشباب، هناك نشأت رواية واجندة مستقلة، “من اسفل الى اعلى”، مشاركة مدنية واحتجاج سياسي متزايد حظي باسم الحراك الشبابي (النشاط الشبابي).

​خلافا للصورة الممتعة والمنفصلة التي ظهرت لجيل الانستغرام و”التيك توك”، بالتحديد الشباب الفلسطينيين في إسرائيل وفي المناطق المحتلة وجدوا في الشبكات الاجتماعية مكان مريح للتعبير عن الوطنية والاحتجاج، بعيدا عن ضغط العائلة والمجتمع الذي يدفع الى الاندماج وعدم السييس، وبدون خوف من قمع واضطهاد مؤسسي في الخارج.

​المسائل الأساسية التي تشغل تغذية الاحتجاج العربي في الشبكات – المس بالمسجد الأقصى، الحرب في غزة وهدم البيوت في المجتمع العربي – هي تلك وقفت في مركز التصعيد الأخير. اخلاء الفلسطينيين من بيوتهم في الشيخ جراح اعتبر وعرض كتعبير آني للنكبة في 1948. وتحول الى محرك لاحتجاج أوسع بكثير. واندماج الاحداث في نفس المكان ونفس الزمان أدى الى اندلاع فعال وغير مسبوق. منشورات وصور وبث حي لما يحدث على الأرض مع هشتاغات لإنقاذ المسجد الأقصى والشيخ جراح وغزة، تدفقت بلا توقف من شرقي القدس ومن المجتمع العربي الى المتصفحين في الدول العربية ومن هناك الى ارجاء العالم.

​إن هاشتاغ “انقذوا الشيخ جراح” أو “الحرية لفلسطين” تحولت الى هاشتاغات سريعة الانتشار ووحدت المتصفحين الفلسطينيين والعرب في ارجاء العالم حول رواية مشتركة: الاحتجاج، المشاركة في لقصص، المطالبة بالتغيير وتجنيد الدعم. بطلات شابات في الشبكات الاجتماعية مثل منى الكرد من الشيخ جراح أسمعن صوت جيل فلسطيني جديد، يعيش في إسرائيل وخارجها ويتابع ما يحدث في الشيخ جراح بصورة يومية عبر الشبكات. الاعتقال القصير لها في الأسبوع الماضي فقط عزز مكانتها الرمزية.

​بنفس الطريقة التي تم فيها توثيق عنف الشرطة تجاه السود في أمريكا،  التي اشعلت حركة احتجاج تتجاوز الحدود ضد العنصرية والتمييز، هكذا أيضا توثيق عنف الشرطة ضد الفلسطينيين في شرقي القدس وفي المجتمع العربي والمدن المختلطة حرك استيقاظ  مؤيد للفلسطينيين يتجاوز الحدود. متابعة يومية للاحداث في باب العامود تحولت الى تريند (موضة) في الشبكات الاجتماعية ورمز لنضال الفلسطينيين، وحازت على الاهتمام الدولي. صور تظهر فيها نساء مسلمات وهن يمشين نحو الحرم بعد أن منعت قوات الشرطة الوصول اليه عبر شارع واحد، تحولت الى رمز على المس بحرية العبادة للمسلمين وحركت نشاط مدني في ارجاء المجتمع العربي. الجيش الشاب الذي تعود على رؤية الواقع عبر الشاشات ربط الصور من القدس مع روايات النكبة في العام 1948 التي سمعها من الأجداد والجدات.

​إن اندلاع اعمال الشغب والمواجهات العنيفة في المدن المختلطة زاد التطرف وعمق الفجوة بين الخطاب والشبكات باللغة العربية وبين الخطاب العام والإعلامي في إسرائيل بشكل عام. في حين أنهم في الشبكات الاجتماعية باللغة العربية كتبوا عن مهاجمة وتهديد للعرب في المدن المختلطة وفي القرى العربية في ارجاء البلاد فان وسائل الاعلام العبرية ركزت بالأساس على الفتك الوحيد ضد سائق عربي في بات يم ورسخت رواية عدم التناظر. الشبكات باللغة العربية امتلأت بتحديثات حية عن احداث عنيفة ضد تجمعات فلسطينية، بما في ذلك أفلام فيديو قصيرة لمستوطنين يهود وهم يشاغبون في الاحياء العربية، والمس بالمقابر والمساجد وعنف الشرطة ضد العرب. معظم التقارير لم تظهر أبدا في وسائل الاعلام باللغة العربية، التي اعتبرت أحادية الجانب وغير موثوقة. الشبكات الاجتماعية استخدمت ليس فقط كمصدر للمعلومات وتحديث عن الاحداث، بل أيضا رادار يحذر من التهديدات، أو دعوة للمشاركة فيها. ولكن اندلاع النشاط الرقمي  الفلسطيني واجهه أيضا رد مضاد قوي من جانب المنصات التجارية وأجهزة الامن الإسرائيلية. منشورات تؤيد الفلسطينيين مع هاشتاغ له صلة، ادت في حالات كثيرة الى اسكات ورقابة ذاتية من جانب “حراس الاسوار” للشبكات الاجتماعية – منشورات شطبت أو قيدت وحسابات كثيرة تم حظرها بدون أي تفسير.

​في الوقت الذي فيه داخل المسجد الأقصى كان هناك اكثر من 200 مصاب بسبب عنف الشرطة، فان منشورات عن هاشتاغ “الأقصى” تم حظرها بشكل اوتوماتيكي في الانستغرام. وفي مرحلة معينة، الانستغرام نشر اعتذار واعترف بأن مضمون يتعلق بالمسجد تم حظره لأنه شخص بالخطأ كعنيف أو محرض. ظواهر مشابهة من الاخفاء والرقابة  شوهدت أيضا في الفيس بوك وتويتر. في “واشنطن بوست” نشر أن جزء كبير من حالات الحظر حدثت عن طريق خوارزميات تعتمد على الذكاء الصناعي، التي صممت لمنع خطاب الكراهية والتحريض، لكنها اعتبرت الاحتجاج المشروع خطاب مسيء.

​الأدوات الاوتوماتيكية التي وضعت من اجل تشخيص مضمون مسيء ومكافحة المعلومات المضللة والتحريض من قبل الشركات ردا على الانتقاد المتزايد بشأن مسؤوليتها عن الخطاب في الشبكات؛ لكن مثلما حدث مؤخرا في الحالة الفلسطينية فانه في حالات كثيرة بالتحديد مجموعات اقلية ضعيفة، التي تكافح من اجل حقوقها، تم حظرها والمس بها.

​في الولايات المتحدة نشر نشطاء حركة “بلاك لايفز ماتير” عن ظاهرة مشابهة وأيضا داخل الشركات كان احتجاج. هوية وخلفية منتجي الخوارزميات يوجد لها دور في لك. ولكن لا شك أن التأثير الكبير الذي يوجد للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية على شركات التكنولوجيا أيضا هو عامل رئيسي في الاسكات. بيانات وزارة العدل تظهر أن حجم مطالبات قسم السايبر في مكتب منع مضمون على المنصات المختلفة، يزيد في كل سنة بعشرات النسب المئوية، والفيس بوك يصادق على اغلبيتها المطلقة.

​الرد على الاحتجاج الفلسطيني في الشبكات يثبت أنه يخطيء من يعتقد أن الانترنت والشبكات الاجتماعية هي فضاء مفتوح، مساواتي وديمقراطي بالنسبة للجميع. حراس الاسوار للعالم الحقيقي يحاولون القيام بدور الشرطي والسيطرة على الخطاب وعلى الرواية أيضا في الفضاء الافتراضي. في نهاية المطاف، الانترنت هي مرآة، أو حتى مجهر يعكس ويبرز ويكبر ظواهر من العالم الحقيقي. قمع واقصاء مجموعات اقلية تنعكس أيضا في الفضاء الافتراضي. في العالم الحقيقي، عملية “حارس الاسوار” وصلت الى مرحلة وقف اطلاق النار، لكن في العالم الافتراضي الصراع بين احتجاج الفلسطينيين وبين حراس الاسوار الذين يقومون باسكاته فقط بدأ.