أينما وُجد أصوليون إسلاميون متطرفون؛ يوجد التذابح بينهم، وقد شهدت نيجيريا في الآونة الأخيرة، مثل هذه الفظائع، إذ سُفكت دماء قادة بوكو حرام بأيدي الدواعش!
القتل عند هؤلاء، مسألة قناعة ومبدأ، بل إن القتل رائحة محببة أكثر عندما يكون الضحايا مسلمين. أما شرع الله، فإن علاقة هؤلاء به، تقتصر على الممارسات المضادة، التي يُراد من خلالها شيطنة المسلمين ودينهم في ناظر العالمين، كأنما مصدر شرير هو الذي يحدد لهؤلاء إحداثيات بوصلتهم!
مراكز البحوث وثقت الكثير من روايات شهود العيان عن سلوك “أمراء” السوء وأفعال مروقهم على الدين. وهم يعلمون أنهم عُصاة وأن ما يفعلونه جزاؤه جهنم. ففي أفغانستان حدثت الأهوال، وفي سوريا تذابحت الجماعات على النحو الذي جعل أجزاء المجتمع التي خضعت لهم في أوقات سابقة تتأكد من خلال المشاهدات أن هؤلاء يفعلون كل الذمائم ويسترخصون دماء بعضهم بعضاً، وأن إبليس لو حكم البلاد سيكون أكثر تأدباً ورفقاً بالناس منهم. وتشابهت الحكايات التي أوردتها التقارير عن أفاعيلهم في العديد من البلدان. فبخلاف ما حدث في نيجيريا مؤخراً، بعد إعلان بوكو حرام عن مبايعة داعش في العام 2015، فإن هذه الأخيرة ولغت في دماء من بايعوها في العام 2021. وهذا أحد العناصر التي تفسر استرخاصهم لدم الإنسان من كل دين.
أما عن السلوك والغرائز فحدّث ولا حرج. ففي كتابه “كلام في السياسة.. من نيويورك إلى كابل” ينقل محمد حسنين هيكل عن تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، إبان حرب الجهاديين ضد الاتحاد السوفييتي، أن هذه الوكالة أمضت ستة أشهر في معالجة صراع عميق بين أميريْ حرب كان سببه الأساس الخلاف على غُلام “اكتشفه” أحدهما لكي يلوط به، ثم استأثربه الثاني متعدياً على حقوق “الملكية” التي يراها الأول له. وحدث الشيء نفسه حسب تقارير موثقة بالأسماء في جنوب سوريا. ولم يكن ذلك أمراً خارجاً عن السياق، إذ تؤكد عليه تقارير جديدة من غربي أفريقيا، حيث تنشط هذه الجماعات في عمليات اختطاف الفتيات الصغيرات بالتزامن مع عمليات إنزال المزيد من الظلام على ظلام الأمية والجهل العميق ليس بالدين وحده، وإنما بوسائل الحياة الآدمية.
وليس أدل على ذلك من معنى اسم جماعة بوكو حرام نفسها، الذي يُؤكد على حُرمة التعليم الغربي كما يسمّونه. فالعلوم عندهم بدع غربية وليست محصلة تجارب إنسانية طُرحت لصالح البشر أجمعين وتشاركوا فيها. وأغلب الظن، أن هذا العداء للعلم والتعليم، هو خيار تعبوي لهم، لأن الجاهل هو الذي سيصبح طوع البنان، مستعداً لأن يقتل نفسه دون أن يفكر في مآلات انتحاره. فهو لا يعرف أن بذل روحه رخيصة لن يجلب لهذه الشراذم، نصراً أو خلافة!
في أفغانستان كان هناك ما يسمى التحالف الشمالي، الذي أبادت أطرافه بعضها بعضا، وحاول “رباني” الطاجيكي تصفية “حكمتيار” البشتوني، ثم انقض جنرال أصولي يُدعى دوستم على علماء الدين والمشايخ الذين يمتلكون الحد الأدنى من المعرفة الإسلامية، لكي يعُمّ الجهل ويستمر الصراع ويغنم الأنجاس من قادة الجماعات.
في نيجيريا نفّذ تنظيم داعش غزوته الحاسمة للإجهاز على بوكو حرام، بقتل قادتها وعلى رأسهم أبو بكر شكوي وأعاد صياغة من تبقى منهم وأطلق عليهم لقب “طالبان” الأفريقية، استهداءً بتجربة الفصيل الأفغاني ذي المأثرة الوحيدة، وهي الهروب من المدارس والمراكز التعليمية. وأعلنت داعش الأفريقية، أن المسلمين في أمان، طالما أنهم يؤدون لها الجزية!