جدل كبير أثاره مقطع فيديو منتشر على وسائل التواصل الاجتماعي لضابط برتبة عقيد في الجيش السوداني، وهو يتحدث عن معاناته المعيشية واضطراره للعمل كسائق سيارة أجرة بعد ساعات دوامه الرسمية، لتغطية احتياجاته اليومية، في ظل التردي الاقتصادي الكبير الذي تعيشه البلاد، والذي دفع بأطباء ومهندسين وأساتذة جامعات لسلك ذات الطريق.
انتشار سريع
في الواقع، اتسعت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة خدمة "التاكسي" التي تعمل بالتطبيقات الإلكترونية، حيث يلجا العديد من الموظفين للتسجيل في هذه الخدمة لتحسين دخلهم، مستفيدين من ارتفاع الطلب الناجم عن رداءة شبكة المواصلات والنمو السكاني المضطرد في العاصمة الخرطوم.
وفي حين يرى البعض أن الظاهرة تساعد فئات كبيرة من المهنيين والموظفين على زيادة دخلهم ومواجهة الارتفاع المضطرد في تكاليف المعيشة، يشير آخرون إلى أنها تعكس "حالة التردي في الخدمة المدنية، وعدم اهتمام الدولة بتوفير المناخ المهني والوظيفي المناسب".
هوة كبيرة
ويعكس لجوء الموظفين والأطباء والمهندسين للعمل كسائقي سيارات أجرة بعد ساعات دوامهم الرسمية، الهوة الكبيرة بين السوق والأجور التي يتقاضونها، حيث لا يكفي الأجر الشهري لاحتياجات أسبوع واحد، مما يجعل من الضروري البحث عن طريقة أخرى لزيادة الدخل وتغطية الاحتياجات الأسرية.
وتتراوح أجور الأطباء والمهندسين في القطاع الحكومي بين 30 و50 ألف جنيه شهريا (الدولار يعادل 430 جنيها).
ووفقا للباحثة الاجتماعية إيمان حسن، فإن اضطرار الكثير من أصحاب المهن الرفيعة للنزول إلى الشارع بحثا عن دخل إضافي هو "محاولة للاستجابة للضغوط المعيشية وارتفاع معدلات الاستهلاك، خاصة في مجتمع المدن الذي يعتمد على أنماط معيشية لا يريد التخلي عنها، وبالتالي يبحث الأفراد عن طرق شتى لمضاعفة دخولهم".
لكن حسن ترى أن المهندس أو الطبيب أو أي شخص متخصص في مجال مهني محدد، يجب أن يكون في وضع وظيفي يكفي احتياجاته، بحيث لا يضطر لاستهلاك طاقته أو التقصير في الجوانب غير المادية التي تحتاجها أسرته، مثل رعاية الأبناء والجلوس معهم والتعرف على مشاكلهم وحلها.
وتتابع: "كما أن مثل هذه الأعمال غالبا ما تكون على حساب صحة الموظف أو الطبيب أو غيرهم، مما يجعلهم في الكثير من الأحيان في وضع نفسي أو ذهني غير مريح، ويؤثر بالتالي على علاقاتهم الأسرية والاجتماعية".
دور غائب
ويرى مختصون أن "من واجب الدولة خلق مناخ وظيفي يمكّن أصحاب المهن التي يحتاجها المجتمع، كالأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، من تطوير أنفسهم والتركيز على الجانب المهني، دون التفكير في البحث عن طرق أخرى لزيادة دخلهم".
وينظر المتخصص في التنمية البشرية، مروان محمد، إلى الظاهرة من 3 زوايا، تتعلق الأولى بدور الدولة، والثانية بالتبعات السلبية على المستوى المهني، أما الثالثة فتتعلق بالنمط الاستهلاكي.
ويقول محمد، إن الأمر في مجمله "يرتبط بالتدهور الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، مما يدفع بالكثيرين للعمل في ـنشطة ـخرى خارج ساعات الدوام، وهو ما يقلل من مستوى الكفاءة والخبرة، خصوصا بالنسبة للخريجين الجدد أو المبتدئين".
ضرورة قصوى
بالنسبة لخالد حسن، وهو مهندس مدني يعمل في إحدى الشركات بالخرطوم، فإن التفكير في زيادة الدخل "ليس ترفا بل هو ضرورة قصوى، لتغطية المتطلبات الأسرية الأساسية، في ظل الارتفاع المتواصل في أسعار السلع والخدمات".
ويقول، إن الأجور التي تقدم للمهنيين بمختلف تخصصاتهم "لا تتناسب مع تكاليف المعيشة، مما يدفع بالكثير من أمثاله لاختيار الطريق الصعب، وهو التضحية بوقت راحته من أجل زيادة دخله".
ويشير حسن، الذي يعمل نحو 5 ساعات في مجال نقل الركاب بسيارته، إلى أن عددا كبيرا من المهندسين والموظفين والأطباء يشتركون في تطبيقات نقل الركاب، كمؤشر واضح على تدني مستويات الأجور في الخدمة المدنية في السودان.
وفي ختام حديثه، ينبه إلى ضرورة أن تلتفت الدولة إلى خطورة هذا التوجه، من خلال "وضع أسس واستراتيجيات اقتصادية توازن بين مستويات الأجور وتكاليف المعيشة، وذلك منعا للمزيد من التدهور في أوضاع الخدمة المدنية".
ويوضح: "عندما يضطر الموظف للعمل مساء في نشاط بعيد عن تخصصه، فإنه بطبيعة الحال لن يجد الوقت المناسب لتطوير نفسه من الناحية المهنية، وبالتالي ينعكس الأمر على الأداء في مجمل قطاعات الدولة".
المصدر : سكاي نيوز عربية