ربما كنت قد كتبت هذا من قبل، ولكن لأنه منذ عام 2007، كرر كل من في السلطة في إسرائيل من نتنياهو إلى القادة السابقين في حزب العمل آلاف المرات نفس العبارات المتعلقة بحماس وغزة، فمن المفيد بالنسبة لي أن أرفع صوتًا مختلفًا مرة واحدة عما يتكرر: “سوف نسقط حماس” في غضون 48 ساعة يُعدم هنية” “سوف نستهدف كل قادة حماس”. منذ أن كان أولمرت في مكتب رئيس الوزراء، كانت الاستراتيجية الحقيقية لإسرائيل هي عزل غزة.
خلال فترة أولمرت، بينما كان مهتمًا بصدق بالتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، كان التفكير العام هو أن يظهر للفلسطينيين أنه يمكن أن يكون هناك فرق حقيقي في فرص الرخاء والحرية إذا دعموا القادة المعتدلين الراغبين في صنع السلام مع إسرائيل. إذا لم يفعلوا ذلك، فإنهم سيعانون مثل أهل غزة تحت الحصار والإغلاق. عندما تولى نتنياهو السلطة، أصبح من الواضح أنه لا توجد مصلحة إسرائيلية في اتفاق سلام حقيقي مع الفلسطينيين. بقيت سياسة العزلة، لكن هدفها كان إبقاء حماس في السلطة في غزة ونزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية في نفس الوقت. هدف نتنياهو الذي حققه كان إقناع الجمهور الإسرائيلي بأنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام. وبمجرد تحقيقه، صرف كل الضغوط الدولية على إسرائيل من الخارج، لأن دول العالم وافقت على الكذبة التي عززها نتنياهو بـ “لا شريك”. عندها كان لدى إسرائيل حصانة لمواصلة قمع الفلسطينيين وتوسيع بناء المستوطنات والسيطرة الإسرائيلية.
إن مؤسسة الأمن القومي برمتها، باستثناء “المثقفين الأمنيين” العاملين لدى نتنياهو، كانت تعلم وتفهم أن الشعارات السياسية المتعلقة بإسقاط حماس فارغة. لقد عرفوا وفهموا أن إسقاط حماس يعني إعادة احتلال غزة ولم يرغب أحد في مؤسسة الأمن القومي في حدوث ذلك – حتى نتنياهو نفسه. إن إعادة احتلال غزة جنون حتى بدون وجود قوة مقاومة مدججة بالسلاح قوامها الآلاف. يمكن للجيش الإسرائيلي أن يفعل ذلك، لكن الثمن في الأرواح البشرية، على كلا الجانبين، سيكون كارثيًا ولا يطاق وبمجرد اكتمال المهمة – ماذا إذن؟ لن يسيطر أي زعيم فلسطيني على غزة من ظهر الدبابات الإسرائيلية. ستغرق إسرائيل في رمال غزة إلى أن يتصاعد الضغط الشعبي مرة أخرى للانسحاب.
إليكم بعض البديهيات التي نحتاج إلى التعامل معها: غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين والشعب الفلسطيني. حماس هي حركة سياسية محلية داخل المجتمع الفلسطيني. حماس هي حركة إسلامية وطنية فلسطينية وليست ذراعًا إسلاميًا للإخوان المسلمين. الفلسطينيون في غزة لا يريدون الموت، لكن الاستمرار في العيش في ظل الظروف القائمة هناك يجعل من خيار القتال حتى الموت من أجل الوطن والله خيارًا أكثر جاذبية. استمرار سياسة اسرائيل في السنوات ال 14 الماضية، وهو الخيار الافتراضي، هو خيار سيء ونتائجها ستجلب المزيد من الشيء نفسه.
يجب أن ينبع أساس أي استراتيجية جديدة من فهم البديهيات المذكورة أعلاه وأيضًا فهم أن عبء الحكم على حماس يوفر الطرق نحو براغماتية أكبر. إن نقطة الانطلاق الأولى على الطريق نحو استراتيجية أكثر عقلانية لإسرائيل تجاه غزة وحماس هي فهم أن حماس هي الحكومة في غزة وأن حماس تريد الشرعية. يمكن لإسرائيل أن “تعطي الضوء الأخضر” بسهولة لقنوات سرية من قبل بعض الحلفاء مع حكومة حماس. هناك شركاء أوروبيون كان دبلوماسيونهم يسعون إلى هذا النوع من التواصل مع قادة حماس في غزة. حتى الآن، استخدمت إسرائيل والولايات المتحدة حق النقض ضد هذا الاحتمال. يمكن للولايات المتحدة بالتأكيد أن تجد بعض غير المسؤولين الذين تربطهم علاقات وثيقة بالإدارة مؤهلين لاتخاذ الخطوات الأولى نحو التعامل مع حماس. الولايات المتحدة منخرطة مع طالبان في أفغانستان. تعاملت الولايات المتحدة مع الجيش الجمهوري الإيرلندي في أيرلندا الشمالية. تعاملت الولايات المتحدة مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب إفريقيا ومع منظمة التحرير الفلسطينية قبل قيام إسرائيل بذلك. يمكن للحكومة الإسرائيلية نفسها الاستفادة من عدة قنوات خلفية سرية لبدء حوار غير رسمي، بدعم من المسؤولين. لقد استخدموني لهذا في الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على إسرائيل التواصل مع قادة القطاع الخاص في غزة، وتجديد قدرتهم على دخول إسرائيل، كما في الماضي. ومن الجانب الاسرائيلي، يجب على إسرائيل أن تمكّن بهدوء من إعادة إشراك قادة القطاع الخاص من غزة مع منظمات القطاع الخاص الإسرائيلي مثل اتحاد المصنّعين واتحاد غرف التجارة والهستدروت. يجب على إسرائيل أن تدعو مديري شركة توزيع الكهرباء في غزة، التي تملكها وتديرها حماس بالفعل، ولكن لها مظهر خارجي كشركة من القطاع الخاص، لإجراء مناقشات حول خطط لمد خط الكهرباء الإسرائيلي من عسقلان إلى غزة. هذه هي الطريقة الأسرع والأرخص لتوصيل كميات كبيرة من الكهرباء إلى غزة. يمكن القيام بذلك، بدون أيديولوجيا بصفتها صفقة تجارية بين الشركات. يمكن فعل الشيء نفسه بين شركة ميكوروت ودائرة المياه في بلدية غزة – باعتبار ان هذه ذريعة للتعامل فعليًا مع حماس بشكل مباشر مع تجاوز الرفض المفاجئ لإسرائيل وحماس لبعضهما البعض.
من الممكن أن تعمل إسرائيل مع مصر على انشاء غرفة التجارة المصرية-غزة ، وحتى على نطاق أوسع لغرفة التجارة المصرية الفلسطينية مع قاعدة عملياتها في غزة. هذه هيئة يمكن أن تتعامل بإيجابية مع القطاع الخاص الإسرائيلي. يعتمد قطاع الزراعة في غزة على التعاونيات الزراعية التي شاركت إسرائيل بالفعل في المساعدة في إنشائها في الثمانينيات. كان العديد من هذه التعاونيات شركاء تجاريين نشطين مع إسرائيل، وفي الواقع، كانت المنتجات الزراعية في غزة في وقت واحد توفر لإسرائيل 1/12 من منتجاتها الطازجة. تم تدريب العديد من رؤساء التعاونيات في كلية الزراعة في الجامعة العبرية في رحوفوت. كان تدريبهم حاسمًا لنجاح الزراعة في غزة. يمكن تجديد هذه الاتصالات والتعاون في التجارة والتدريب وإعادة البدء.
يمكن لإسرائيل والقطاع الخاص الفلسطيني، من غزة والضفة الغربية، الشروع في عقد مؤتمر دولي حول إعادة إعمار المنطقة الصناعية بغزة في إيريز. هناك إمكانية لتصور فقاعة أمنية لريادة الأعمال والتوظيف على الحدود بين إسرائيل وغزة مع وصول سريع إلى ميناء أشدود، ربما من خلال خط سكة حديد مباشر بين المنطقة الصناعية والميناء. الكيبوتسات والموشافيم على طول الحدود بين إسرائيل وغزة بحاجة إلى عمال، والعمال في غزة بحاجة إلى عمل. يمكن إجراء الفحوصات الأمنية والنقل الآمن من غزة وإليها دون صعوبة كبيرة. نشطاء السلام في غزة (نعم هناك نشطاء سلام في غزة) ويجب منح الأكاديميين من غزة مرة أخرى تصاريح لحضور مؤتمرات في إسرائيل وخارجها. هذا قطاع مهم من المجتمع كان له في الماضي العديد من الاتصالات عبر الحدود ولسنوات عديدة تم قطعه وعزله. من المهم تجديد تلك الاتصالات. يجدر أيضًا محاولة جعل المنظمات الطلابية الإسرائيلية تحاول الوصول إلى المنظمات الطلابية في جامعات غزة.
يمكن لإسرائيل أن تشير إلى مصر والأردن والإمارات وأي شركاء عرب آخرين بأنها ستشجعهم على بدء عملية العمل مع حماس لفهم بطريقة بناءة كيف تنظر حماس إلى عملية خفض التصعيد وإعادة الإعمار الحقيقي. من المهم هنا أن تفهم إسرائيل أن حماس لا تشن الحرب من أجل غزة، بل من أجل القضية الفلسطينية برمتها. إن استرضاء حماس في غزة وحدها مع ترك الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت الاحتلال العسكري المستمر الحالي لن يضع حداً للصراع بين حماس وإسرائيل. في نهاية المطاف، الأمر كله يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يتم حله وفي النهاية سيكون هناك حاجة إلى إنهاء تفاوضي لهذا الصراع. من الصعب بالنسبة لي أن أتخيل نهاية تفاوضية للصراع لن تكون حماس جزءًا منها.
أخيرًا ، بلا شك، إذا كنت في موقع المسؤولية، كنت سألتقط الهاتف وأتصل بقادة غزة، واحدًا تلو الآخر، ليس لتهديدهم، ولكن لاقتراح التحدث معهم مباشرة.
فلنتوقف في الختام عن الكذب على أنفسنا بأن هناك حلولاً عسكرية للقضية الفلسطينية، للتعامل مع غزة أو لمواجهة حماس. الاعتماد على هذا الاعتقاد وعلى الشعار القديم المتعب لإعادة بناء الردع لن يجلب لنا سوى المزيد من الشيء نفسه.
*الكاتب رجل أعمال سياسي واجتماعي كرّس حياته للسلام بين إسرائيل وجيرانها. صدر كتابه الأخير “السعي للسلام في إسرائيل وفلسطين” من قبل مطبعة جامعة فاندربيلت وهو متاح الآن في إسرائيل وفلسطين. وقد صدر الآن باللغتين العربية والبرتغالية أيضًا.