تفنيد أساطير الحكومة الإسرائيلية السابقة

حجم الخط

بقلم: عاموس جلعاد*

 


نشهد، مؤخراً، ظاهرة قاسية: تحقق كابوس الكاتب الشهير (جورج) اورويل، الذي وصف واقعا متكدرا تكون فيه الحقيقة في واقع الأمر كذباً، وتتعاظم الاكاذيب الى مستوى الحقيقة المؤكدة. في سلوك كهذا يكمن خطر حقيقي على الامن القومي لإسرائيل، كون مثل هذا النمط الثقافي الفاسد أثر على قرارات استراتيجية في الماضي ومن شأنه، اذا لم يوقف، أن يؤثر في المستقبل ايضا. يجب علينا أن نقضي ونقتلع من الجذور مثل هذا النمط لتشويه الواقع الاستراتيجي.
عمَّ يدور الحديث؟ اولا وقبل كل شيء عن التهديد الإيراني على امن الدولة منذ نحو ربع قرن، على اساس التداخل الفتاك بين حلم إيران لابادة إسرائيل والتطلع الى تحقيقه من خلال تطوير سلاح نووي وتهديد باليستي على سكان إسرائيل.
تباهت قيادة الدولة حتى وقت اخير بقدرتها الخاصة على وقف التهديد. فهل هكذا الحال؟ تقف إسرائيل اليوم امام احتدام دراماتيكي لحجوم التهديد الإيراني: لانه بخلاف الخطاب الدعائي، فان الغاء الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران وفرض عقوبات حادة ادى بالذات الى احتدام حجوم التهديد النووي الإيراني على إسرائيل.
بكلمات بسيطة رغم العمليات المجيدة حقا، التي نفذها «الموساد»، يمكن لإيران ان تصل الى قدرة نووية عسكرية تبعا لقرارها. يوجد سبيلان لمنع ذلك – الاول من خلال الولايات المتحدة، والثاني من خلال عملية عسكرية مستقلة دون تنسيق مع الولايات المتحدة.
ان توظيف الكارثة، لغرض مناكفة الزعامة الأميركية الحالية، هو بمثابة فضيحة حقيقية. فالادعاء الذي يقول ان إسرائيل يمكنها أن تعالج التهديد الإيراني وحدها دون تنسيق مع الولايات المتحدة، هو ذر للرماد في العيون وكذب. ودون التطرق الى القدرات العسكرية التي تحت تصرف إسرائيل، لا يمكن للدولة استراتيجيا أن تهاجم إيران دون تنسيق مع الولايات المتحدة. لماذا؟ لأن مثل هذه الحملة في الظروف الحالية تستوجب اسنادا وتنسيقا دوليا واسعا، ولا سيما مع الولايات المتحدة.
من المهم الاشارة إلى أن رئيس الوزراء السابق حاول ان يدفع الى الامام بحلف دفاع مع الولايات المتحدة، والذي بلا شك كان سيقيد حرية عمل إسرائيل.
ان الادعاء السائد بأن الحكومة السابقة عرفت كيف تدير سياسة إسرائيل تجاه الولايات المتحدة بالشكل الافضل لصالح إسرائيل يتناقض مع الواقع. فمن الواضح اليوم ان هذه السياسة تشبه المراهنات في الكازينو. فقد تركت إسرائيل الذخر المذهل الذي اكتسبته بعمل جم، اي التأييد لإسرائيل من الحائط الى الحائط في الولايات المتحدة. ونشهد أضراراً جسيمة جداً بإجماع التأييد لإسرائيل؛ التأييد لإسرائيل في أوساط الحزب الديمقراطي ضعف، والرئيس بايدن تقريبا لم يتحدث مع رئيس الوزراء السابق، والمنشورات التي تقول إن إسرائيل يمكنها ضمنا أن تتجاهل الولايات المتحدة في مسائل حرجة هي عديمة الاساس في الواقع. والضرر بمكانة إسرائيل الاستراتيجية لا يوصف، الأمر الذي يتطلب إصلاحاً فورياً وجذرياً.
تناقض آخر جدير بالانتباه ينطوي ضمن الادعاء بأن إسرائيل نجحت في تجاوز المسألة الفلسطينية وإقامة سلام مقابل سلام. وبالفعل، فان اتفاقات إبراهيم هي إنجاز تاريخي مهم للغاية، ولكن العلاقات السياسية مع الأردن في افول (بخلاف العلاقات الامنية القومية) وكذا ايضا السلام لا يتقدم الى تطبيع مع الدول الاساس في العالم العربي. توجد هنا فجوة واسعة جدا بين الوهم وبين الواقع. كما انه في اعقاب المواجهة مع «حماس» وان كانت سجلت لإسرائيل انجازات عسكرية، لكن «حماس» على طريقتها نجحت في أن تعيد المسألة الفلسطينية، القدس وغيرها، الى مركز الاهتمام. لهذا معانٍ بعيدة المدى بالنسبة لفرص التطبيع في المستقبل، والاستقرار الامني في «يهودا» و»السامرة»، الذي من شأنه ان يهتز، والازمة في علاقات اليهود – العرب وغيرها.
وختاماً، نوصي بالتمسك بالحقيقة وبالحقائق كأساس لسياسة محدثة: لا بديل عن التنسيق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ومكانتها كعمود فقري في امن إسرائيل، فالتهديد الإيراني تقدم بشكل كبير، ويحتمل أن يكون وقفه ينطوي بالذات على خيار سياسي معقول، والعلاقات مع الاردن بخاصة تستوجب تغيير اتجاه الى الايجاب، بشكل يناسب بين النهج السياسي الفاشل وبين التعاون العسكري الامني المبهر. في السطر الاخير مطلوب كهواء التنفس زعامة أخلاقية، موضوعية، ومحدثة.

عن «يديعوت»
*لواء احتياط ورئيس معهد السياسات والاستراتيجية في مركز هرتسليا المتعدد المجالات.