هل تؤدي إلى «هزّة إقليمية» في الشرق الأوسط؟ الخطوط العامة لإستراتيجية بايدن أصبحت واضحة

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

 


لم يتفاجأ جيمس كاين، صاحب شركة النفط «دلتا اينرجي»، الشهر الماضي، عندما أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنه يريد سحب اعفاء الشركة من العقوبات التي فرضت على سورية، وأنها لن تستطيع مواصلة استخراج النفط من الحقول في شمال سورية، التي تسيطر عليها القوات الكردية. كاين، السفير الأميركي السابق في الدنمارك، المنصب الذي عينه فيه الرئيس جورج بوش في العام 2005، هو عضو في الحزب الجمهوري من شمال كارولاينا، الذي كان يطمح ايضا الى أن ينتخب في مجلس الشيوخ. وقد أقام شركة استشارات للنفط خاصة هو وجيمس رايس، الضابط السابق في قوة «دلتا»، ووقع في 2020 على اتفاق لاستخراج النفط مع الادارة الكردية في شمال سورية من أجل بيع الإنتاج في الأسواق العالمية.
سورية، التي فرضت عليها عقوبات شديدة، منعت الشركات الدولية من أن تعقد معها الصفقات، وروسيا صاحبة الرعاية والامتيازات الاقتصادية الرئيسية في سورية، اعتبرتا نشاط الشركة الأميركية محاولة من قبل ادارة ترامب لـ»سرقة» نفط سورية ومساعدة قوات المتمردين الكردية. ترامب، الذي اعلن أنه سيسحب قواته من سورية، التصريح الذي تراجع عنه في اعقاب الضغوط من قبل الاكراد ومستشاريه، قرر أن يعطي شركة «دلتا» اعفاء من العقوبات لفترة سنة، مستخدماً الاعفاء ذريعة لابقاء نحو 900 جندي أميركي في شمال سورية، إضافة الى حوالي 200 جندي يتواجدون قرب معبر تنف الذي يفصل بين سورية والعراق. «قواتنا توجد هناك للدفاع، ضمن امور اخرى، عن حقول نفط الاكراد»، أوضح ترامب.
ولكن وريثه، بايدن، كانت له خطط اخرى. فهو عارض في الحقيقة اخراج القوات الأميركية من سورية، لكنه بدأ في تبني الاستراتيجية الأميركية الخاصة به حول بؤر قوة، الصين وروسيا، في حين أن الشرق الاوسط تم إبعاده عن رأس سلم الاولويات. عندما أعلنت ادارة بايدن عن عدم تجديد الاعفاء من العقوبات الذي أُعطي لشركة النفط الخاصة بـ»كاين»، سارع المتحدثون بلسانه الى التوضيح بأن «الجيش الأميركي غير موجود في سورية من اجل الدفاع عن النفط أو من اجل الحصول على فوائد منه. النفط هو لمواطني سورية».
لكن هذه التفسيرات لم يهضمها بسهولة من ينتقدونه. فهم طرحوا تفسيرا آخر بحسبه يسعى بايدن الى ارضاء روسيا وأن ينقل رسالة لايران بأنه يتجه نحو مصالحة دبلوماسية وليس نحو مواجهة عسكرية أو اقتصادية. واذا كان التنقيب عن النفط في شمال سورية يغضب النظام في سورية والكرملين فهو سيعرض بادرات حسن نية مهدئة مثل الغاء الاعفاء من العقوبات.
بالنسبة للأكراد، الذين حصلوا على مكانة حلفاء في عهد ترامب، فهذه يمكن ألا تكون فقط ضربة اقتصادية شديدة - لأن الدعم الأميركي منحهم سورا دفاعيا أمام محاولة النظام في سورية السيطرة من جديد على حقول النفط، بل هو إشارة شديدة إلى أنه حتى لو بقيت القوات الأميركية فليس بالضرورة أن تتبنى الطموحات السياسية للاكراد.

احتفالات تخريج
يبدو أن قضية الإعفاء التي تم الغاؤها ليست أكثر من خطوة رمزية. وعندما تنضم اليها قرارات جديدة أساسها سحب القوات، وسحب السلاح والمعدات العسكرية الأميركية من منطقة الشرق الاوسط ومن افغانستان، يبدو أنه بعد نصف سنة على تتويج بايدن أصبح بالإمكان تمييز الخطوط العامة لسياسته الاقليمية الجديدة. مئات الشاحنات والطائرات الأميركية بدأت في سحب اطنان من المعدات العسكرية من افغانستان، سلاحاً وذخيرة، استعدادا للانسحاب النهائي للقوات من الدولة التي احتلت في 2001.
ذكر بايدن، ليس بالصدفة، 11 ايلول يوماً سيتم فيه اخلاء آخر جندي أميركي. في ذاك اليوم قبل عشرين سنة حدثت العمليات التي خلقت الذريعة للحرب ضد افغانستان واحتلالها. يوجد نحو ثلاثة آلاف جندي أميركي في افغانستان، وهؤلاء لم يعودوا بحاجة الى انتظار القوات التي ستحل محلهم من اجل أن يقدموا لهم احاطة. ينوي بايدن، الآن، عقد صفقة مع تركيا تمكن قواتها من حماية المطار في كابول العاصمة، لكن ليس اكثر من ذلك.
ما الذي سيحدث في افغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية؟ يبدو أنه سيحدث المزيد من الشيء ذاته. مواجهات عنيفة بين قوات «طالبان» وقوات الجيش الوطني الضعيف. ربما أيضا اعادة سيطرة «طالبان» في أفغانستان. وهي دولة يسيطرون فيها في الأصل على معظم المناطق. ويمكن التخمين بأن الولايات المتحدة ستنسى هذه الدولة المدمرة مثلما نسيتها بعد انتهاء الحرب بين افغانستان والاتحاد السوفييتي السابق. وإذا اندلعت فيها حرب أهلية فهي بالطبع سترسل طائرات محملة بالدواء والغذاء، لكنها لن ترسل أي جندي.
احتفالات تخريج يتوقع اجراؤها في عدد من الدول الاخرى في المنطقة. في بداية الشهر الحالي أعلنت الادارة الأميركية سحب بطاريات «الباتريوت» من السعودية والكويت والاردن والعراق لغرض «الصيانة». وأعلن عن هذا القرار وزير الدفاع الأميركي، لويد اوستن، لنظيره ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مكالمة هاتفية في 2 حزيران. المتحدثون بلسان «البنتاغون» قالوا، إن هذه المكالمة تركزت حول الحرب في اليمن والتزام الولايات المتحدة بـ»دفاع السعودية عن نفسها». وهذا هو جوهر الرسالة. السعودية، حسب تقدير الادارة، حسنت قدرتها العسكرية، وهي تستطيع الدفاع عن نفسها. وعلى أي حال، ستكتفي الولايات المتحدة ببيع السلاح وتقديم الاستشارة، وليس الحرب الى جانبها في حال اندلعت هذه الحرب.
لم يأت بايدن بأي جديد مقارنة بترامب، الذي اوضح للسعودية بأنه لا يحارب حروبها حتى ضد ايران. اذا ارادوا المساعدة، قال ترامب، يجب عليهم دفع مقابل. ولكن خطوة بايدن؛ سحب صواريخ «الباتريوت» التي ارسلها ترامب الى السعودية، تترجم تصريح ترامب الى عملية علنية على الارض، جاءت بالتوازي مع المحادثات التي تجريها واشنطن مع الحكومة في بغداد حول سحب القوات الأميركية من العراق. في العراق يوجد نحو 2500 عسكري أميركي بعد أن سحبت الولايات المتحدة قبل ذلك عددا مشابها من العسكريين في أعقاب قرار البرلمان العراقي من العام 2020 باخراج جميع القوات الأميركية من العراق كرد على تصفية الجنرال قاسم سليماني.

عبء سياسي جديد
مثلما في حالة السعودية، ايضا في حالة العراق تقول الادارة الأميركية، إن الجيش العراقي يمكنه مواجهة التحديات العسكرية، وإنه لم تعد هناك أي حاجة لتدخل أميركي. متحدثون أميركيون شرحوا بأن الولايات المتحدة ستستمر بالاحتفاظ بآلاف الجنود في المنطقة، وهي لن تغادر ساحة الشرق الاوسط. ولكن أي تحرك للقوات، لا سيما تقليص التواجد العسكري، سيتم تفسيره قبل أي شيء كعملية سياسية.
ومثل سحب الاعفاء من شركة النفط الأميركية في سورية، هكذا ايضا قرارات بايدن بالنسبة لاعادة الانتشار في السعودية والعراق يتم عرضها وكأنها تستهدف المساعدة في المرحلة الاولى على انهاء المفاوضات بنجاح على الاتفاق النووي مع ايران، والاشارة لايران إلى أن الولايات المتحدة لا تنوي أن تدخل معها في مواجهة عسكرية. هناك أيضا من يذهب ابعد من ذلك، ويعتقد أن الامر يتعلق بخطوات بناء ثقة مع الايرانيين بهدف توسيع مساحة الحوار فيما بعد معها.
مصادر عسكرية أميركية مجهولة اوضحت لوسائل اعلام غربية أن الوجود العسكري لأميركا في العراق وفي السعودية لم يمنع هجمات المليشيات الشيعية التي تعمل ضد اهداف أميركية في العراق أو الهجمات الايرانية على السعودية، وهكذا فإن سحب القوات من هذه الدول لن يؤثر على القدرة الدفاعية أو منع الهجوم عليها. يثير هذا التفسير سؤالاً: لماذا استمر التواجد العسكري الأميركي في دول الشرق الاوسط لفترة طويلة جدا اذا لم يكن فيه أي فائدة دفاعية؟ ولكن السؤال العملي الاكثر أهمية هو كيف ستفسر كل من ايران وروسيا والصين اعادة انتشار القوات الأميركية، وماذا سيكون استنتاج دول الخليج؟
الفطرة السليمة تفترض أنه عند التوقيع على الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن ايران لن يعود لايران أي دافعية من اجل اجراء حوار سياسي مع الولايات المتحدة والتعاون معها على حل نزاعات اقليمية أو من أجل تقليص تدخلها في شؤون دول المنطقة. هذا الافتراض الاساسي يتضمن ايضا الاموال الطائلة التي ستكون لدى ايران، التي ستستخدمها لتوسيع نفوذها وتمويل التنظيمات الارهابية وتطوير صواريخها البالستية. وبهذا تعظيم تهديدها التقليدي.
في المقابل، هناك احتمالية لسيناريو آخر طرحه بعض مستشاري الرئيس بايدن، وهو أن عودة ايران الى سوق النفط العالمية والتجارية العالمية يمكن أن تجبرها على اجراء مفاوضات مع السعودية، على الاقل من أجل تنسيق أسعار النفط. هي ستواصل كونها معتمدة على الصين، التي وقعت على اتفاقات بعيدة المدى لشراء النفط من ايران مقابل استثمارات ضخمة في البنى التحتية، مدة 25 سنة، ولن تستطيع التنازل عن علاقاتها مع الولايات المتحدة، على الاقل في مجال البنوك وتحويل الاموال، وستسعى الى الخروج من الزاوية التي تم حشرها فيها، والتي تضطر منها الى ادارة نفوذها بوساطة منظمات وقبائل مثل «حزب الله» في لبنان والحوثيين في اليمن والمليشيات الشيعية في العراق.
حسب هذا التقدير المتفائل فإن الشرعية التي ستحظى بها ايران في اعقاب الاتفاق النووي ستمنح النظام في ايران قدرة على الوصول المباشر الى دول رفضتها حتى الآن، مثل مصر والاردن ودول الخليج، بالاساس بسبب ارتباطها بالسياسة الأميركية المناوئة لايران. الآن، هي تستطيع أن تستأنف علاقاتها معها دون خوف من الضغط أو من فرض عقوبات أميركية. ولكن هذا التقدير يقتضي فحص التطورات السياسية في ايران ومراكز الضغط التي ستنشأ فيها في اعقاب انتخاب الرئيس الجديد، ابراهيم رئيسي، الذي يمثل المقاربة المحافظة الراديكالية التي تستبعد وجود علاقة مع الولايات المتحدة.
التحركات التي ينفذها الرئيس بايدن في المنطقة تشير الى تناقض بين اعلانه في قمة الناتو، الذي بحسبه «أميركا تعود» وبين تطبيقه على الارض. ولكن أميركا تعود مع عبء سياسي جديد يمكن أن يحدث هزة اقليمية، ليس بأسلوب عسكري.
عن «هآرتس»