الاتفاق مع إيران: واشنطن ستضع إسرائيل أمام "وقائع منتهية"

حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال

 



من المفارقات أن انتخاب إبراهيم رئيسي المتشدد رئيساً لإيران يمكن أن يقرّب توقيع الاتفاق النووي القديم - الجديد.
هذا هو تقدير جهات "موثوق بها" في الجانب الأميركي، تعتقد أن فترة الأسابيع الستة حتى تسلّم الرئيس الجديد منصبه، والتي يواصل خلالها الرئيس الحالي حسن روحاني (المعتدل) مهماته، هي نافذة فرصة للتوصل إلى اتفاقات. لكن هذه التقديرات تتجاهل عن قصد ربما أن "اعتدال" روحاني هو ضمانة محدودة، وأن مَن يقرر ويحدد موقف طهران هو المرشد الأعلى، علي خامنئي.
وبحسب التقديرات المذكورة أعلاه، خامنئي ليس فقط مَن نظّم انتخاب إبراهيم رئيسي، بل أيضاً هو ينوي حالياً أن يوضح للأميركيين، وبمساعدة الشركاء الآخرين في الاتفاق النووي الأصلي - أوروبا وروسيا والصين - أنه من الأفضل استغلال الفترة الحالية للعودة إلى الاتفاق من دون مطالب إضافية، لأن ما هو ممكن اليوم سيكون غير ممكن غداً.
يبدو أن هذه التحليلات تعتمد على تقديرات للإيرانيين بأن إدارة بايدن مستعجلة للعودة إلى الاتفاق من دون شروط تقريباً، بما في ذلك التخلي عن العقوبات ضد إيران، وخصوصاً تلك التي فرضها الرئيس ترامب. حتى لو حقق الإيرانيون كل ما يريدونه، بإمكان رئيسي ومؤيديه الادعاء أنهم ليسوا هم مَن قدم التنازلات، بل الذين سبقوهم.
مكث رئيس الأركان، أفيف كوخافي، في الأيام الأخيرة في واشنطن للاطلاع على نيات إدارة بايدن، وكي يعرض عليها مواقف إسرائيل. قبل الزيارة بدأت الإدارة الأميركية حملة تضليل إعلامية من أجل التعتيم على نياتها بشأن موضوع المفاوضات مع إيران، ولتصعّب على حكومة إسرائيل الجديدة بلورة سياسة واضحة في هذا الشأن.
التوجه هو أن واشنطن ستضع إسرائيل أمام وقائع منتهية من دون أن تتمكن من الاعتراض عليها، ومن دون أن تتوقع أن تؤخذ تحفظاتها في الحسبان، أو أن تتمكن من بلورة استراتيجيا واضحة خاصة بها كما كانت خلال فترة نتنياهو.
صحيح أن رئيس الحكومة الجديد، نفتالي بينت، استغل حفل انتهاء دورة تخريج ضباط الطيران، الأسبوع الماضي، ليعلن أن "المسؤولية عن مصيرنا هي بين أيدينا"، لكن ليس واضحاً ماذا يكمن وراء هذه الكلمات.
على كل حال، في هذه الأثناء أعطت سياسة واشنطن في التعتيم نتائجها، بحسب ما كتبت صحيفة "هآرتس"، "في إسرائيل يجدون صعوبة في تقدير ما إذا كانت إيران والدول العظمى قريبة من توقيع اتفاق نووي، أو أن انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران يدل على تشدد سيؤدي إلى تفجير الاتصالات، أو إلى تقدم في مشروع طهران لإنتاج سلاح نووي في أسرع وقت".
على ما يبدو، وبحسب ما جاء في وسائل الإعلام، بلورت الأجهزة الاستخباراتية في إسرائيل ثلاثة تقديرات مختلفة ومتعارضة: التقدير الأول، إيران مهتمة بتوقيع الاتفاق، لكنها تريد انتظار استلام رئيسي منصبه كي يحظى بالفضل على هذه الخطوة، وللحصول على شرعية دولية على الرغم من ماضيه الدموي المتطرف.
الثاني، بعكس التلميحات الإيجابية، سواء من المفاوضين الإيرانيين الحاليين أو من أطراف غربية، الاتصالات توشك على الفشل.
 التقدير الثالث، طهران تنوي إبطاء وتيرة الاتصالات بالدول العظمى عن قصدـ وفي هذه الأثناء التقدم بوتيرة سريعة نحو القنبلة.
بالإضافة إلى ذلك، في إسرائيل لا يتجاهلون التقدير أن طهران مهتمة باستغلال الفترة حتى تسلّم رئيسي منصبه من أجل الدفع قدماً بأهدافها. ويبدو أن الموضوعات الأُخرى التي تُقلق إسرائيل وشركاءها العرب، مثل الصواريخ البعيدة المدى والإرهاب وسعي إيران للهيمنة، لن توقف التقدم نحو الاتفاق، بحسب واشنطن أيضاً.
عندما يستخدم الطرفان إيران والولايات المتحدة استراتيجيا تشتيت الانتباه ليس مستغرباً أن تكون صورة الوضع ضبابية، وأن يكون على الاستخبارات الإسرائيلية، مثل كل استخبارات مهنية، تقديم بدائل مختلفة إلى المسؤولين السياسيين وهذا ما فعلته. من الصعب في الواقع السياسي غير المستقر حالياً معرفة ما سيفعل القادة السياسيون إزاء هذه التقديرات، وماذا سيقررون بشأن الخيارات المترتبة عليها.
حتى في وضع "صفر مفاجآت" من طرف الولايات المتحدة، يتعين على إسرائيل أن تأخذ في اعتباراتها عملية استباقية عسكرية، وتعميق العمليات التي تدخل في إطار المعركة بين الحروب، وأيضاً تهديداً لا لبس فيه لبقاء الثورة الإسلامية - مع الأخذ في الاعتبار الخلاصات السياسية والأمنية المترتبة على كل توجه من هذه التوجهات، بما فيها التخوف غير المستبعَد من أننا قد نضطر إلى القبول باتفاق جديد- قديم يتحول إلى حقيقة قائمة.

عن "معاريف"