منذ الدخول الصهيوني لقطاع غزة والضفة الغربية عام 1967م وفرض الاحتلال الصهيوني السيرة على كافة الشؤون المدنية في ما أسماه "الادارة المدنية ليهودا والسامراء"، أخذ الاحتلال يعطي المواطنون المتواجدون في قطاع غزة والضفة بطاقات شخصية، واستثنى الاحتلال من كانوا في بلدان النزوح منذ عام 1948م أو 1967م، كونهم غير مقيدين في السجلات المدنية، وفي عام 1994م تدخل السلطة الوطنية الفلسطينية قطاع غزة والضفة الغربية ويأتي معها الأمل المفقود لمن لم يحصلوا على البطاقة الشخصية، ولكن ذلك الأمل تبدد تحت تصنيف "البطاقة الزرقاء"، حيث شدد الاحتلال الاسرائيلي رفضه على الموافقة بإخراج بطاقات شخصية لمن لم يكن مقيداً في سجلات "الادارة المدنية قبل عام 1994م"، وأصبحت وزارة الداخلية تصدر "بطاقات تعريف بغلاف أزرق" للمحرومين من البطاقة الشخصية الرسمية "البطاقة الخضراء" وكانوا قد دخلوا قطاع غزة أو الضفة الغربية بتصاريح زيارة أو جوازات سفر عربية أو أجنبية أو حتى الأنفاق وغيرها من الوسائل التي لا تعتمد على جواز السفر الفلسطيني، لتشهد القضية الفلسطينية فصلاً جديداً من فصول المعاناة التي تعصف بالآلاف من أبناء الوطن.
جواز السفر
وهو يمسك بريشته ويرسم على قطعة من الفخار "موطني" قال الشاب حمدي شعشاعة: "صعب أن تكون في وطنك وتفقد حقك بأبسط حقوق المواطنة، صعب أن تكون بدون هوية بدون جواز سفر بدون تأمين صحي، صعب أن تكون تحت إطار البدون".
وكان شعشاعة قد وصل قطاع غزة مع عائلته عن طريق تصريح زيارة هرباً من الشتات والنزوح، ليجد نفسه بلا هوية وما يترتب عليها من استحقاقات.
ويضيف شعشاعة أن فقدان حقه في الحصول على الهوية الفلسطينية أثر على حياته في نواحي كثيرة أبرزها عدم مقدرته على استخراج جواز سفر فلسطيني مما يجعل عملية السفر معقدة ويتمكن فيها من الخروج من غزة بموجب البطاقة الزرقاء التي يمتلكها ولكن يصعب عليه العودة إلى أرض الوطن.
وتقف البطاقة الزرقاء كشبح يبدد أحلام الشاب شعشاعة وأخته ديما اللذين يقيمان معرض "تذكار" لعرض رسوماتهم ومشغولاتهم التراثية، ويطمحان للمشاركة في معارض عالمية لعرض التراث الفلسطيني والتعريف به في دول العالم، حيث أكد شعشاعة أنه لم يتمكن من تلبية أي دعوة وجهت له لإقامة معارض في دول عديدة أبرزها لبنان والسعودية والامارات لعدم امتلاكه جواز سفر.
وطالب شعشاعة أن تكون قضية أصحاب البطاقة الزرقاء مطروحة بشكل جدي وفعال من قبل كافة الجهات المسؤولة من السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي والمراكز الحقوقية.
أشد من النزوح
وقال المواطن بسام سلامة أن البطاقة الزرقاء أشد صعوبة من النزوح في بلدان العالم، نظراً لأنها تفقده كافة حقوقه المترتبة على الهوية بحيث تأثر على كافي المناحي الضرورية من علاج له ولأبنائه وتعليم ومعاملات بنكية وبريدية وكذلك تؤثر على العلاقات الاجتماعية إذ لا يستطيع الكثير من حملة البطاقة الزرقاء رؤية أهلهم الذين بقوا في الخارج وغيرها من الأمور الضرورية للسير قدماً في الحياة.
ولفت سلامة أنه توجه إلى عدة جهات في الحكومة وكان ردهم أن هذا الموضوع "سياسي" وحله يقع بيد الاحتلال بإفراجه عن الهويات والسماح بإصدارها واعطاءها لأصحابها، وهذا يأتي ضمن تفاهمات سياسية مع الاحتلال.
وعبر سلامة عن معانته بعبارة: "نحن نشعر أننا مواطنون درجة ثانية، إذ لا نتمتع بأي حق من الحقوق المدنية التي ينبغي أن توفرها لنا دولتنا الفلسطينية".
وشدد سلامة على ضرورة تحريك هذا الملف وجعله في سلم أولويات السلطة الوطنية الفلسطينية وكافة الجهات المعنية.
وختم سلامة حديثه وهو يفتح البطاقة الزرقاء قائلاً: "لا تسمن ولا تغني من حقوق!!!".
عوائق التعليم والعلاج
وقالت الدكتورة هديل عاشور "37 عاماً" أنها في جاءت في عام 2000م مع أهلها إلى قطاع غزة بتصاريح زيارة حيث كانوا يحملون بطاقة التعريف الأردنية، وبعد انتهاء مدة هذه التصاريح بقيت مقيمة في غزة، مما جعلها غير قادرة على الحصول على جواز سفر.
وأوضحت عاشور أن المشكلة قد أثرت عليها من عدة جوانب من أبرزها إكمال مسيراتها التعليمية حيث اضطرت لمناقشة رسالة الدكتوراه عبر تقنية "الفيديو كونفرنس".
وحصلت على الدكتوراه في هذه السنه 2019، كما أنها لم تتمكن منذ 10سنوات من تحويل والدتها المريضة للعلاج بالخارج في ظل تفاقم وضعها الصحي.
كما تساءلت الدكتورة عاشور: "ما هو السبب وراء عدم اصدار هوياتنا الوطنية الفلسطينية رغم أن قضيتنا قضية وطنية ومحورية، وكذلك رغم أن هناك العديد ممن كانت معاناتهم نفس معاناتنا صدرت هوياتهم بعد دخولهم الأراضي الفلسطينية عام 1995م؟"، وتظل الإجابة على سؤالها رهن التصريحات الرسمية التي غابت عن هذه القضية منذ عشرات السنين.
دعوة لوسائل الاعلام
كما قالت الصحفية دنيا الأمل اسماعيل والتي تعاني من مشكلة "البطاقة الزرقاء": "منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة ونحن نعاني من هذه المشكلة ولا صوت يسمع ولا اجراءات بالشكل المطلوب لايجاد حل، والأزمة في اشتداد مع زيادة متطلبات الاحتياج لاصدار هوية".
ولفتت اسماعيل أن مشكلة البطاقة الزرقاء تحرمهم من أبسط حقوقهم على عدة أصعدة منها لقاء الأهل والعمل في الخارج حيث يكون من الصعب المجئ إلى أرض الوطن والعودة إلى مكان العمل أو الاقامة في البدان الأخرى، وكذلك الحرمان من العلاج إذ أن أسماء حملة هذه البطاقة غير مدرجة في كشوفات التأمين الصحي لدى الحكومة، وكذلك مشاكل في المعاملات المالية وفي التطور المهني حيث لم تتمكن من حضور عدة مؤتمرات وندوات عالمية.
ودعت اسماعيل وسائل الاعلام إلى التحرك الحثيث لابراز معاناة حملة "البطاقة الزرقاء" وعقد البرامج وكتابة المضامين الت تخاطب الجمهور العالمي وتوضيح معنى "البدون داخل الوطن" في ظل تعنت الاحتلال لايجاد حل لهذه المشكلة.
من جانبه، قال الوكيل المساعد في وزارة الداخلية "الشق المدني"، عاهد حمادة، أن مشكلة حملة بطاقة التعريف الزرقاء تأخذ عدة جوانب من أهمها عدم قدرة حملتها من اصدار جواز سفر حيث أن "اتفاقية المعابر" التي تم توقيعها بين الاحتلال الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية عام 2005م على عدم السماح لأًصحاب بطاقة التعريف من التنقل والسفر عبر معبر رفح البري من جانب قطاع غزة جسر الملك فيصل من جانب الضفة.
ونوه حمادة على أن اتفاقية المعابر تم تفعيلها من جديد في عام 2017 وذلك بعد رجوع حرس الرئيس لتنظيم العمل داخل المعبر، وطلب السلطة الفلسطينية من الجانب المصري عدم التعامل مع كل من ليس لديه رقم وطني فلسطيني.
وأشار حمادة أن عدد حملة هذه البطاقة قد بلغ قرابة 23ألف مواطن من المسجلين في كشوفات الوزارة وأن هناك عدد آخر لم يسجل إما لعدم بلوغه السن القانوني أو اعتبارات أخرى كعدم قيام الشخص بتحديث بيانته وتقديم الطلب.
وأضاف حمادة أن الجانب الاسرائيلي توقف عن استقبال أي طلبات لم شمل منذ عام 2000م مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وبعدها جرى اصدار بطاقات ل5000 مواطن على أمل اتمام اجراءات الموافقة والمواطنة لهم إلا أن السلطة الوطنية في رام الله رفضت الاعتراف بها وذلك بسبب الانقسام الفلسطيني، ومنذ عام 2006م توقف وزارة الداخلية بغزة عن استقبال هذه الطلبات كون المواطن يتحمل عبئ تكاليف هذا الطلب مع عدم وجود أي حل للمشكلة.
وأكد حمادة أن هذه المشكلة سياسية وحلها بأن يسمح الاحتلال لأصحاب هذه البطاقة من الحصول على رقم وطني يتمكنوا على إثره من اصدار جواز والتمتع بكافة حقوقهم.
كما يأمل حمادة أن يتم وضع هذه المشكلة في سلم أولويات الجهات الدولية والحقوقية للعمل على انهاء هذه المشكلة.
حق المواطنة
"نتلقى بشكل مستمر شكاوى مناشدات ممن يعانون من مشكلة البطاقة الزرقاء وتم عقدة ندوات لمناقشة هذه المشكلة التي حرم فئة كبيرة تعد بعشرات الآلاف من المواطنين من حقهم في السفر وتلقي العلاج والاستقرار المعيشي"، هذا ما بدأ به أ. بكر التركماني "منسق الهيئة المستقلة لحقوق الانسان في غزة".
وأضاف التركماني أنه تم اجراء لقاءات مع أصحاب البطاقة الزرقاء وكذلك التواصل مع الجهات المرتبطة بهذه القضية من غير الوصول إلى أي حلول.
كما أكد التركماني على كفالة القانوني الدولي لحق كافة الأفراد في الحصول على بطاقات هوايا شخصية في بلدهم الأصلي والاستفادة من كافة الخدمات والحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية المترتبة على ذلك، حيث جاء الحق في المواطنة في العهد الدولي لحقوق الانسان، وعلى كل دولة الالتزام بتمكين مواطينها من حقوقهم المكفولة والسعي لإثبات أحقيتهم في الانتماء والمواطنة