بحسب متابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية المتنوعة، بدأت المعركة على سردية ما يسمّى بـ”عهد بنيامين نتنياهو” في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، والذي امتدّ على فترتين متباعدتين، بين الأعوام 1996 – 1999 وبين الأعوام 2009 – 2021. وبطبيعة الحال، تختلف التقويمات وتتناقض في أحيانٍ.
ويعتبر الكتاب والمحللون اليمينيون أن نتنياهو هو أفضل رئيس حكومة، على الأقل منذ حرب 1967، وبعض هؤلاء الذين لا تربطهم صلة وثيقة بالأفكار التقليدية لحزب الليكود، ممن لديهم توجهات ليبرالية، وخصوصًا في الاقتصاد، وأيضًا في الحقوق المدنية والفردية، يعتبرونه أفضل من رئيسي الحكومة السابقين من الحزب نفسه، مؤسس الحزب، مناحيم بيغن، ويتسحاق شامير.
في المقابل، يعتبر الكتاب والمحللون المحسوبون على الطيف اليساري في الخريطة (بمعايير إسرائيل) أنّه الأسوأ بين رؤساء الحكومات منذ قيام دولة الاحتلال، لأسبابٍ تتعلق أساسًا بالسياسة الداخلية، والتي كان من مآلاتها انتهاء إسرائيل بنسختها القديمة التي سوّقتها، دولة علمانية وديمقراطية، ونجحت عبرها في أن تأسر مخيال دول كثيرة، فضلًا عن تفكيك المجتمع اليهودي إلى قبائله/ أسباطه التكوينية.
وحين يُقارَن نتنياهو ببيغن مثلًا، يُشير ناطقوه إلى أن بيغن هو أول من حقّق فوز الليكود بسدّة الحكم، وتحت زعامته خسرت النخب القديمة التي توصف بأنها يسارية، مقاعدها في الحكومة، ولكنها حافظت على معظم نفوذها المؤثّر، واحتفظت بمواقعها في قمة مؤسّسات قوية مثل وسائل الإعلام والوسط الأكاديمي، وبقيت المحكمة الإسرائيلية العليا حاشدة بقضاة يمثلون موقفًا ليبراليًا تجاه الحقوق المدنية على الرغم من عدم انتمائهم إلى أي حزب سياسي رسميًا، بينما في عهد نتنياهو، ولا سيما في الفترة الثانية التي استمرّت 12 عامًا، تم القضاء رويدًا رويدًا على هذا النفوذ وتلك المواقع، كما جرى توجيه اللوم إلى النخب القديمة في إسرائيل على أخطاء مُرتكبة في ميدان السياستين، المحلية والخارجية.
طبعًا سُئل نتنياهو أكثر من مرة بشأن السردية المُشتهاة منه إزاء عهده، وفي إحداها قال في مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الأميركية “سي إن إن”، في كانون الثاني 2016: “أريد أن يذكروني كدرع واقٍ لإسرائيل. وهذا يكفيني”.
وفي حينه، كان إجماع على أنه يشير إلى وقايتها مما يُعرف بـ”التهديد الإيراني”. وقد كان هذا التهديد بمثابة العنوان الأبرز الذي اعتبر نتنياهو مواجهته هدفًا رساليًا، ويبدو أنه يريد أن يستأثر لنفسه بمواجهته، كما تدلّ على ذلك أيضًا تصريحاته أخيرًا بالتزامن مع مغادرة منصبه ومحاولة وضع وصيةٍ حول التحديّات التي ينبغي بخليفته أن يتعامل معها.
لا يتفق المسؤولون والخبراء في الشؤون الأمنية في إسرائيل على تاريخ مُحدّد لظهور التهديد الإيراني خطرًا رئيسيًا عليها. ووفقًا لما قاله رئيس جهاز الموساد السابق، شبتاي شفيط، بدأ التهديد عام 1991، وتمثّل بالأساس في محاولة طهران التزوّد بسلاح نووي. وتعامل معه كل من تولّوا منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية منذ ذلك العام، يتسحاق رابين ونتنياهو وإيهود باراك وأريئيل شارون وإيهود أولمرت، ثم نتنياهو منذ 2009.
وكان القاسم المشترك لجميع هؤلاء، باستثناء نتنياهو، هو مواجهة ما اعتبر تهديدًا من وراء الكواليس، وتجسّدت في شنّ عمليات سريّة تتسبّب بإعاقة المشروع النووي الإيراني، ومحاولة الدفع نحو اعتماد نظام عقوباتٍ دولية يضع إيران أمام خيارين لا ثالث لهما: التنازل عن المشروع أو الإفلاس اقتصاديًا.
وبموجب ما يؤكد أكثر من خبير في شؤون الأمن، يعود سبب ذلك إلى أن من شأن تصدّر حملة التصدّي للمشروع النووي أن يضاعف خطر المواجهة المباشرة مع إيران.
البقية معروفة، فقد اختار نتنياهو منذ 2009 سياسة مغايرة. وبموجب ما نُشر في إسرائيل حاول ثلاث مرات أن يدفع نحو شنّ هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، وباء بالفشل. ووقف ضد اتفاق الدول العظمى الست معها. ومع ذلك، لا يوجد حتى أدنى اتفاق على أن ذلك كله زاد من وقاية إسرائيل.
عن “عرب ٤٨”