سياسة بايدن في الشرق الأوسط مقلقة لكن يمكن تحمّلها

حجم الخط

بقلم: دان شيفتان


تدريجياً تتضح السياسة الخارجية لإدارة بايدن. إنها مقلقة، لكن يبدو أن التخوف الأساسي من العودة إلى الخطوط العالمية والإقليمية لأوباما لم يتحقق حتى الآن.
يخطئ بايدن في أمور مهمة، ويخضع لضغوط الجناح التقدمي المتطرف في حزبه، لكنه بعكس أوباما، لا يتنكر للحاجات الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها.
ضاقت مساحة المناورة لإسرائيل نسبياً عمّا كانت عليه خلال رئاسة ترامب، لكن موقفها التفاوضي إزاء الإدارة الأميركية في موضوعات حساسة بالنسبة إلى أمنها ورفاهها لا يزال جيداً جداً.
على الصعيد العالمي يمكن التشجّع لحقيقة أنه في العهد الديمقراطي تترسخ في واشنطن وجهة النظر التي تُقر بوجود أعداء للمصالح الأميركية لا يترددون في تقويض مجتمعها من الداخل والخارج.
المقصود هو التهديد الصيني والمخاطر من روسيا. يُطلَق على هؤلاء بأدب اسم «المنافسين»، لكن إدارة بايدن تتبنى بصورة متزايدة الافتراض أن هؤلاء ليسوا مستعدين لاحترام قواعد اللعبة، إلّا إذا فُرضت عليهم بالقوة.
الصراع معهم لا يجري كما كان في الحرب الباردة، من خلال الاختبار المستمر لميزان القوى العسكري، وتختلف وسائل الإخضاع عن تلك التي استُخدمت في أيام المواجهات مع الاتحاد السوفياتي، لكن الإقرار بشدة الخطر ليس أقل. المشكلة مع بايدن ليست في فهم التهديد، بل في الإجراءات المتعددة والثنائية التي يستند إليها: يبرز هنا تفضيل واضح لاستخدام ضغوط عابرة للقارات على روسيا والصين؛ لكن في هذا المجال لا يمكن الاعتماد على الأوروبيين الذين لم يقوموا قط بدورهم في الدفاع عن أوروبا في إطار حلف الناتو وخصصوا لهذا الدفاع أقل بكثير مما وعدوا به.
الدولة الأكثر أهمية بينهم ألمانيا، التي لا تزال تعمّق الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية بوساطة مشروع الغاز في بحر الشمال، الذي يلتف على أوكرانيا ويضعفها.
ويعتمد الحلفاء الآسيويون اقتصادياً بالدرجة نفسها على الصين، وقدرتهم على دعم مساعي الكبح الأميركية مشكوك فيها.
في الشرق الأوسط يمكننا أن نهنئ بايدن على التخلي عن وهم أوباما بفرض تسوية فلسطينية على إسرائيل تهدئ وترسّخ الاستقرار في الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن يقوم بايدن بخطوات رمزية مؤذية، لكنه لن يخاطر بفشل إضافي للحل الشامل.
في الموضوع الأساسي الإقليمي خضعت الإدارة الأميركية لإملاءات إيران، وهو ما سيسمح للأوروبيين والأميركيين بإيهام أنفسهم بأنهم أوقفوا سعي إيران للوصول إلى مكانة دولة على عتبة النووي، بينما هم يمولون تطلّع نظام الملالي إلى الهيمنة الإقليمية من خلال رفع العقوبات.
والرأي السائد أنهم سيتخلون عن التظاهر الأجوف بالتوصل إلى اتفاق «أطول وأفضل بكثير» بعد تخليهم مسبقاً عن أوراق مساومة أساسية. هذا إذا لم يحبط الرئيس الجديد في طهران بصورة غير متوقعة هذه السياسة المؤذية باستفزازات لا يستطيع حتى بايدن احتواءها. حتى الآن الأخبار سيئة جداً بالنسبة إلى إسرائيل والمنطقة كلها.
الأخبار الجيدة لها علاقة بالمنظور الأوسع: من المتوقع ألّا تتخلى الولايات المتحدة عن إسرائيل وعن حلفائها العرب عندما تدرك متأخرة أنها بحاجة إليهم أكثر من أي وقت مضى.
يرغب الأميركيون ويريدون الخروج من التدخل المباشر والعميق في الشرق الأوسط، من أجل التركيز على التحدي الصيني.
بالنسبة إليهم، المنطقة أقل أهمية مما كانت عليه في إبان فترة الحرب الباردة، وخلال أيام اعتمادهم على استيراد النفط، لكن لا يزال الشرق الأوسط يشكل مفترق طرق استراتيجياً وحساساً يمكن أن يجرهم إلى تدخل لا يرغبون فيه. من أجل ترسيخ الاستقرار في المنطقة هم بحاجة إلى دول إقليمية عظمى شريكة في المصالح الأميركية وعلى رأسها بحسب درجة الأهمية إسرائيل، والسعودية، ومصر. حتى في حساب استراتيجي بارد من دون الأخذ في الاعتبار الصداقة والقيم المشتركة، فإن إسرائيل ليست دولة يمكن حشرها في الزاوية.
في مواجهة العدائية الإيرانية، وجنون عظمة أردوغان، ومؤامرات «الإخوان المسلمين»، وفي مواجهة الإرهابيين والمتعصبين دينياً، الذين يتكاثرون في المنطقة، جرى في الأعوام الأخيرة تنظيم مسعى كابح من طرف ائتلاف إسرائيلي – عربي- مُوالٍ للأميركيين. بدأت واشنطن تعترف بأهميته وقيمته.

عن «إسرائيل اليوم»