قمة بغداد الثلاثية

حجم الخط

بقلم حمادة فراعنة

 

 

للمرة الرابعة، تنجح القمة الثلاثية الأردنية المصرية العراقية، في عقد اجتماعها الدوري، وتنفيذ برامج عملها، تأكيداً لاستمراريتها والالتزام بما هو متفق عليه بين بغداد وعمان والقاهرة.
قمتهم الأولى انعقدت في القاهرة يوم 23 آذار 2019، والثانية من نفس العام، في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 أيلول 2019، والثالثة عقدت في عمان يوم 25 آب 2020، وها هي رابعتها لدى العاصمة العراقية يوم 27 حزيران 2021، أي أن أطرافها تلتزم بالاجتماع الدوري، حسب الأجندة المعدة المتفق عليها.
نجاح القمة الثلاثية ومواصلة عملها، يعود إلى خيار العواصم الثلاثة في البحث عما هو مطلوب في تلبية مصالح بلدانها وشعوبها، وتطلعاتها نحو التنسيق خدمة للمنافع المتبادلة، اعتماداً على ما يتوفر لكل منها من موارد واستثمار وآفاق للتطور، باتجاه التكامل.
وتأكيداً لهذا الخيار المتواصل، حضر القمة الأولى في القاهرة بضيافة الرئيس المصري، كل من الملك عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي، وفي القمة الثانية حضرها عن الجانب العراقي الرئيس برهم صالح، والثالثة في عمان حضرها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ما يدلل على ثبات الموقف والخيار، مهما تغيرت الحكومات.
مظاهر الاهتمام في التكامل ظهرت في الجوانب المتعددة، عبر المشاريع العابرة للحدود التي تخدم الأطراف الثلاثة، فالعراق لديه إنتاج ومخزون نفطي كبير، ومصر لديها طاقة بشرية، ولدى الأردن الربط الجغرافي والقدرات الفنية، ويقف خط أنابيب نقل النفط من البصرة جنوب العراق إلى الأردن ومصر في طليعة المشاريع الاقتصادية التي تخدم الأطراف الثلاثة، كما يقع مشروع الربط الكهربائي الذي يؤكد تكامل الضروريات الحيوية، والاستفادة التكاملية من وإلى العواصم الثلاث.
مشروع التكامل الاقتصادي والفني والاستثماري للبلدان الثلاثة يتوسم السير التراكمي وفق النمط الأوروبي وتجربتها الاقتصادية، فالمشروع الذي قدمه مصطفى الكاظمي تحت عنوان «الشام الجديد» وصرح به يُوحي بضم سورية إلى هذه المجموعة، لما تحتاج له من معالجة وبناء وتطور، وما لديها من قدرات الشراكة، كما لا يبتعد هذا المشروع نحو التكامل والتنسيق مع بلدان مجلس التعاون الخليجي.
طموح البلدان الثلاثة، لا تُمليه فقط الرغبة المستقبلية بل الواقع الاقتصادي الصعب، حصيلة عوامل سياسية قاهرة، فالعراق تعرض للدمار بسبب الغزو والحرب والإرهاب السياسي، والأردن يتعرض لصعوبات اقتصادية، ومصر لم تكن بعيدة التأثر عن العوامل المذكورة، ولذلك يقع التفاهم السياسي في مواجهة عوامل التدمير، والحصارات الاقتصادية، والمشاكل الإقليمية والمستعمرة الإسرائيلية.
المشاريع الاستراتيجية كالربط الكهربائي، وأنبوب النفط، والسوق المفتوحة، وتبادل السلع والخدمات، ستفرض معطيات وحصيلة إنتاج تربط المصالح وخلق الفرص التراكمية العابرة للحدود، تفتح بوابات الأمل نحو الاستقرار وتنمية المنافع وحُسن الجوار.
نتطلع حقاً لنجاح هذا الخيار، وهو الوحيد الذي يُعيد التوازن في العلاقات العربية كي تكون متكافئة، إضافة لبناء علاقات حُسن الجوار مع البلدان الأخرى وشعوبها.
كما يوفر هذا اللقاء الثلاثي المظلة الداعمة للنضال الفلسطيني لاستعادة الحقوق المنهوبة في المساواة والاستقلال والعودة، وكبح جماح الاحتلال والتوسع الاستعماري الإسرائيلي.
القمة الثلاثية أضافت إلى ما قبلها، وأرضية ثابتة مستقرة يمكن البناء عليها إلى ما بعدها.