تميز الأسبوع الثالث لفترة ولاية حكومة بينيت – لبيد بزيارتين سياسيتين؛ ناجحة في الخارج وحل تصالحي قسري في البيت. قطف وزير الخارجية، يئير لبيد، ثمار اتفاق التطبيع الذي زرعته حكومة نتنياهو عندما دشن سفارة إسرائيل في الامارات. رئيس الدولة التارك، رؤوبين ريفلين، قام بزيارة وداع ودية في الولايات المتحدة لنظيره جو بايدن. وفي هذه المناسبة اتفق على إرسال دعوة فريدة من البيت الأبيض لرئيس الحكومة، نفتالي بينيت. وحتى لو كان هناك أي شك لدى أحد في ذلك إلا أن الشمس ستستمر في الشروق. حكومة التغيير الإسرائيلية استقبلت بأذرع مفتوحة في المجتمع الدولي.
الأمور في الداخل أكثر تعقيداً. الاتفاق المخيب للآمال، الذي تم التوصل اليه مع مستوطني البؤرة الاستيطانية غير القانونية افيتار لا يعتبر ذريعة كافية لحل الائتلاف، الذي عملت مكوناته بجهد من أجل تشكيله. لذلك تم ابعاد بنيامين نتنياهو عن الحكم (وبالنسبة لاخلاء البؤرة الاستيطانية، التي خطط لاخلائها في 11 تموز، سيضطرون في شارع بلفور الى الانتظار ورؤية ما سيحدث). يمكن تفهم رغبة بينيت – لبيد ورؤساء القوائم الائتلافية الاخرى في توفير الهدوء المصطنع، على الاقل الى حين تمرير الميزانية خلال بضعة أشهر.
مع ذلك، تدل احداث الاسبوع على أن هذا بالأساس كان أحد الجوانب، جناح اليسار – الوسط في الحكومة الذي اضطر إلى التنازل والتصالح. نجح المستوطنون في استغلال بينيت، ومن خلاله استغلال شركائه في اليسار. هم يمكنهم أن يسجلوا لأنفسهم انتصارا. ومثلما شرحوا فان الهدف هو اقامة مستوطنة جديدة بصورة تظاهرية. الاتفاق لا يلغي ذلك: صحيح أن السكان غادروا، لكن المباني الحجرية ستبقى على حالها. وسيقيم الجيش الإسرائيلي موقعا ثابتا في البؤرة الاستيطانية ومسألة مستقبلها سيتضح فقط بعد استكمال فحص مكانة الارض القانونية.
قبل أيام نشر هنا أن وزير الدفاع، بني غانتس، وجد نفسه وحيدا في المعركة. اصدقاؤه في الحكومة في حزب «يوجد مستقبل» وحزب العمل و»ميرتس» لم يتدخلوا تقريبا في هذه القضية. الوزيرة اييلت شكيد والوزير زئيف الكن ضغطا، بدعم من بينيت، وتمت الموافقة على الاتفاق. أثار هذا التشخيص رؤساء احزاب اليسار الأخرى. فحسب رأيهم، خلق غانتس لديهم الانطباع بأنه يعالج البؤرة، وسيعمل على اخلائها، ولم يطلب المساعدة على الاطلاق. الآن هو يريد القاء المسؤولية عليهم. سلوك وزير الدفاع، كما يعتقدون، ما زال مغروسا في رواسب الماضي، بسبب شعوره بالمرارة لأنه في الحكومة الجديدة سحبت منه مكانة رئيس الحكومة البديل لصالح يئير لبيد، الذي يمكن أن يصل الى المنصب رقم واحد في إطار الاتفاق مع بينيت.
هذا ليس الأمر الوحيد الذي يختلف فيه غانتس مع أصدقائه. فمحاولته تشكيل لجنة تحقيق رسمية في قضية الغواصات تم صدها الآن. وزيران من وزراء العمل، رئيسة الحزب ميراف ميخائيلي ونحمان شاي، اللذان عملا في السابق في «صوت الجيش»، طالبا بأن يناقشا معه بصورة ملحة نيته اغلاق المحطة العسكرية. هما يعارضان اغلاق المحطة ويقولان بأنه يكفي اجراء بعض التغييرات المطلوبة، وتعيين قائد جديد في الشهر القادم، وتقليص سيطرة ابواق الحكومة السابقة، من اجل اعادتها الى المسار.
نجح غانتس وبحق في أن يصد في اللحظة الاخيرة نية بينيت التعهد للمستوطنين بأنه في بداية آب ستتم اقامة مدرسة دينية في البؤرة الاستيطانية للحفاظ على الطابع المدني في المكان. في نهاية المطاف تم الاتفاق على اقامة المدرسة الدينية فقط بعد استكمال الفحص القانوني. ولكنهم في الجيش أيضا لم يتأثروا بالاتفاق النهائي. على مدى السنين رفض الجيش الإسرائيلي طلبات المستوطنين، التي بحسبها سيتم استبدال بؤرة استيطانية تم اخلاؤها لتتواجد فيها قوة عسكرية. هذا الحل الوسط لم تتم المصادقة عليه في السابق؛ لأنه كان سيلزم الجيش بوضع قوة في مكان لا توجد فيه أي ضرورة عسكرية، ويحوله الى حارس للبؤر الاستيطانية غير القانونية. وافق غانتس بالذات على ذلك، وخلق سابقة خطيرة. لأن القوة يمكن أن تبقى في المكان شهورا كثيرة الى حين استكمال الفحص.
يبدو أن الخطوة الصحيحة المطلوبة، سواء من غانتس أو من رئيس الاركان، افيف كوخافي، هي التصميم على الاخلاء الفوري لافيتار من الارض التي اقيمت عليها في أيار. الاتفاق الذي تمت المصادقة عليه حول الجيش الإسرائيلي الى المبيّض الرسمي للبؤر الاستيطانية، وهو يطمس الفرق بين الاعتبارات الامنية والاعتبارات الاستيطانية. النوايا الحسنة مثل منع الاخلاء العنيف والحفاظ على استقرار الحكومة، أدت الى استخدام مرفوض للجيش الإسرائيلي، مع خلق سابقة اكثر اشكالية.
حوار آخر
زيارة بينيت لواشنطن، كما يبدو في هذا الشهر، يمكن أن تكون قبل العودة المتوقعة للولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران. من الآن يبدو أن كوخافي، وفي أعقابه ريفلين، نجحا اثناء زيارة واشنطن في استئناف حوار اكثر موضوعية مع ادارة بايدن، تم فيه طرح تحفظاتهما على الاتفاق الآخذ في التبلور.
ولكن بالتدريج تبين أن القرار النهائي حول الاتفاق الجديد يوجد بالأساس في ملعب إيران، وأن النظام في طهران اقل حماسة للعودة الى الاتفاق مما كان يظهر في البداية. حتى قبل بضعة اسابيع افترضوا في إسرائيل أن الأميركيين يتجهون نحو الاتفاق، كما وجه بايدن مبعوثيه، وأن الإيرانيين ايضا سيوقعون؛ لأنهم بهذا سيتحررون من العبء الكبير الذي فرضته عليهم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها ادارة ترامب. الآن تتباطأ إيران، سواء بسبب أنها توصلت الى الاستنتاج بأن الاتفاق أقل إلحاحا بالنسبة لها أو لأنها تقدر بأنه يمكنها ابتزاز المزيد من التنازلات. وهي ايضا رفضت في الشهر الماضي تمديد مفعول الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، الذي نظم زيارة المراقبين للمنشآت النووية.
في المحادثات النووية نفسها، بعد ست جولات في فيينا، لم يتم تسجيل أي تقدم ملموس. وحسب اقوال الأميركيين فان الفجوة بين الطرفين ما زالت كبيرة جدا. وزير الخارجية الأميركي، انطوني بلينكن، حذر من أن الولايات المتحدة تقترب من ترك المحادثات على خلفية تصميم إيران على مواصلة والتقدم في تخصيب اليورانيوم. الإيرانيون يطالبون برفع جميع العقوبات التي فرضها ترامب. وحتى الآن يرد الأميركيون بالرفض.
في هذه الاثناء وبصورة استثنائية، صادق بايدن في بداية الاسبوع على هجوم جوي ضد مليشيات شيعية مؤيدة لإيران، على جانبي الحدود بين سورية والعراق. وفي هذا الهجوم استُهدفت بنى تحتية لطائرات مسيرة استخدمها الإيرانيون بشكل دقيق ومؤلم ضد قواعد أميركية في العراق. هناك صلة بين الأمرين. محرر «نيويورك تايمز»، ديفيد سنغر، كتب بأنه الى جانب تقدم المشروع النووي، مؤخرا، يوجد الآن لدى إيران ترسانة من القدرات الجديدة التي لم تكن موجودة لديها عند التوقيع على الاتفاق الاصلي في 2015، مثل طائرات مسيرة دقيقة وصواريخ بالستية بمدى طويل ووسائل سايبر هجومية. وحسب قوله، الآن أصبح من الواضح أنه اضافة الى اتفاق نووي جديد فانه مطلوب اتفاق اضافي يعالج ايضا موضوع زيادة القوة العسكرية لإيران، وكذلك مساعدة التنظيمات الارهابية والعصابات في المنطقة.
حول البلاغة والقيود
في الساحة الفلسطينية تم تسجيل أسبوع آخر من الهدوء الاستثنائي في القطاع، مقابل التوتر المتزايد في الضفة الغربية، لأسباب جزء منها غير مرتبط مباشرة بإسرائيل. في الاسبوع الاول للحكومة الجديدة تم اطلاق بالونات حارقة كثيرة على الغلاف، وفي المعارضة سارعوا الى الادعاء بأن هذا حدث لأن «حماس» شخصت ضعف متخذي القرارات في القدس. سلاح الجو قام بمهاجمة اهداف لـ «حماس» في القطاع، ومنذ ذلك الحين تم الحفاظ على اتفاق وقف اطلاق النار، باستثناء بعض الحرائق، أول من أمس، بعد الظهر. وحسب تقارير في وسائل الاعلام العربية فقد تم في القاهرة استئناف المفاوضات غير المباشرة بين وفود إسرائيل و»حماس» بوساطة رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل. الوفدان كانا بجانب بعضهما، لكن كالعادة لم يلتقيا بشكل مباشر. حسب طلب إسرائيل، تتركز المفاوضات الآن في مشكلة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في القطاع. تربط إسرائيل التقدم الحقيقي في اعادة تأهيل البنى التحتية في القطاع باستعداد «حماس» للتقدم في إعادة جثامين الجنود الإسرائيليين والمدنيين المحتجزين على قيد الحياة في القطاع.
يبدو أن أحد أسباب الهدوء هو حقيقة أن مصر تدخل الى القطاع بشكل ثابت، ومن خلال غض إسرائيل الطرف، ارساليات كبيرة من البضائع عبر معبر صلاح الدين قرب رفح. تتستر «حماس» بذلك على القيود التي لا تزال إسرائيل تفرضها على الحركة في المعابر من أراضيها منذ انتهاء عملية «حارس الاسوار» في ايار. تتجاهل إسرائيل ادخال البضائع رغم أنها تعرف أنه يوجد هنا مدخل لادخال الوسائل والمواد التي يمكن أن تستخدمها «حماس» في إعادة بناء قوتها العسكرية في القطاع. وكالعادة، توجد فجوة بين الخطاب الواضح في ايام القتال وبين القيود اليومية التي تمليها الرغبة في تجنب انفجار فوري آخر.
حتى الآن لم يتم التوصل الى اتفاق جديد على إدخال الأموال القطرية الى القطاع، باستثناء التمويل المباشر من قطر لشراء الوقود. وفي ظل غياب حل يدمج الامم المتحدة والسلطة الفلسطينية فان إسرائيل تقول إنها لن تسمح بمواصلة تحويل الأموال النقدية في حقائب الى غزة. وفي ظل غياب اتفاق يضمن تحويل منظم للأموال فان المسافة ستكون قصيرة نحو تصعيد جديد، ربما في نهاية الصيف الحالي.
عن «هآرتس»
الجيش الإسرائيلي ينقل لواء ناحال من رفح إلى بيت حانون
28 ديسمبر 2024