عبّاس منصور يسهّل على الصهيونية مهمّتها !

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي

 

 


أمام هذا السحر كان من الصعب قليلا الصمود. خلال ساعة رسم رفيف دروكر صورة منصور عباس («المصدر»، القناة 13)، ولم يتوقف عباس عن إثارة الإعجاب، ويواصل سحره ويوحي بالثقة. هذا الشخص الأصلع وثقيل الوزن بالبدلة القديمة يبدو نقيضا للبطل في كل شيء: عربي، غير عصري، وعفا عليه الزمن كما يبدو؛ سياسي مخادع وغير طليق اللسان بشكل خاص، وناشط سياسي يبدو في أفضل الحالات سكرتيرا لمجلس العمال في المغار؛ طبيب أسنان لم تكونوا لتسمحوا له بالاقتراب من فكيكم.
ولكن كيف بدا هذا الشخص العربي، المحافظ والمتدين، عكس كل هذه الصفات، أو تقريبا عكسها. يبدو أنه حتى دروكر، المحلل الذكي الذي سبق أن شاهد كل شيء، وكره كل شيء، خرج عن أطواره بمحبته وتقديره العلني لبطل فيلمه. عباس قال للمشاهد الإسرائيلي: هذا ليس ما تعتقده. هذا ليس ما قالوه لك. أنا لدي شيء آخر لأعرضه عليك. جاء عباس وحطم الصورة النمطية أكثر من ألف مقال رأي لليسار. هو غير يساري على الإطلاق. وقد مرت بضعة أشهر وهو يقوم بتحطيم الصور النمطية.
ما ظهر في البداية ظاهرة عابرة، 15 دقيقة من الشهرة على لا شيء، أصبح حقيقة واقعة.
بنيامين نتنياهو يتصل، نفتالي بينيت يهمس، يئير لبيد يلاحق، اييلت شكيد تلتقي معه، ومجلس الشورى أصبح أكثر أهمية من مجلس كبار التوراة.
سياسيون لم يجتمعوا في السابق مع أي عربي عدا الذي يقدم الحمص والبطاطا والسلطة، اعتقدوا أنهم مرة أخرى سيحصلون على مقاول أصوات أو عميل، فجأة شاهدوا أمامهم شخصا ثوريا.  أحمد الطيبي يثير الإعجاب، عصري وأكثر طلاقة من عباس بدرجة لا تقدر. أيمن عودة شخص مقنع، يوحي بالثقة وصادق أكثر منه. عباس هذا يمكن أن يحدث تغييرا في المستقبل. أنا غير واثق من أنني أحب هذا التغيير، لكن لا يمكنك ألا تعجب بإنجازاته المحتملة.
يجب الإصغاء لرفيف دروكر وما يقوله عن عباس، هذا الأسبوع. يقترح عباس صفقة جديدة، صفقة جديدة من غير السهل هضمها، سواء من قبل العرب أو اليهود الذين يسعون للعدالة، لكن بالتحديد من يحلمون بدولة ديمقراطية واحدة، دون وهم حل الدولتين أو عار الابرتهايد، لن يكون من السهل معارضة هذه الصفقة، التي تقول ببساطة: المزيد من الأموال بدلا من الحرية، المزيد من الميزانيات بدلا من الشعار، المزيد من البيوت بدلا من الأقوال، المزيد من فرص العمل بدلا من التصريحات، اسمحوا لنا بالعيش في هذه البلاد، النسخة العربية.
سيعجب عباس اليهود أكثر من محاربي الحرية الذين يمكن أن يثيروا الاحترام أكثر منه.  هو يقترح نسيان إخوته الذين يتم سحقهم تحت حذاء الاحتلال مقابل تحسين حياة إخوته من مواطني إسرائيل.
ويتنازل عباس حتى عن الضريبة الكلامية. لن تسمعوه وهو يردد ويعظ مثل معظم السياسيين، وربما بسبب ذلك هو يوحي بالثقة أكثر منهم، حتى عندما يعترف أنه يقوم بالتضليل عند الحاجة. عباس رجل «المباي» الجديد للعرب. دونم بعد دونم، عنزة بعد عنزة، سور وبرج. لا سيف الدين الزعبي، الذي زين بخنوع القوائم التابعة المتعاونة لـ «المعراخ»، وبالطبع أيضا ليس عزمي بشارة الذي يدعو إلى دولة كل مواطنيها، العادلة والخيالية.
ما العمل فيما يتعلق بعباس؟ من غير السهل - بالتأكيد ليس من يؤمنون بالعدالة، الحرية والمساواة – التنازل عن القليل من هذه الأحلام من أجل واقع أفضل بقليل.  ومن غير السهل التحمس لعباس الذي سيصبح في لحظة بطلا لمن يسمون اليهود المتنورين. شخصيات مثله تنزلق في الحلق أفضل وتسهل عليهم إخفاء نفاقهم.
هذا سينتهي مرة أخرى بفوز الصهيونية التي هي التفوق اليهودي والمقتنعة بأنه يمكن شراء قلوب الأولاد بالدمى البلاستيكية.
عباس يسهل عليها مهمتها. ولكن في واقع أمل ضعيف تتلاشى فيه العدالة أمام العنصرية والقومية اليهودية المتطرفة، في واقع تكون فيه حكومة بينيت – ساعر – لبيد فرح اليسار ويسقط الاحتلال عن جدول الأعمال، فإن الشك بدأ بالتآكل: ربما رغم كل شيء، عباس؟ حتى ولو فقط في الوقت الحالي.

 عن «هآرتس»