إلى أين المسار في موضوع خريجي الجامعات؟ أم هي قوافل بطالة؟

حجم الخط

بقلم:د. حمزة ذيب مصطفى/جامعة القدس

 

من عادة الإنسان على الصعيد الفردي، أو الصعيد المجتمعي أن ينتظر لحظات التخرج من المراحل التعليمية بفارغ من الصبر وبكبير من الفرحة والسرور والإنتعاش، سواء أكان ذلك الطالب نفسه الذي كان على مقاعد الدراسة أم أولياء الأمور من آباء وأمهات وأفراد أسرة، أم المجتمع بقضه وقضيضه. لأن كابوسا قد انزاح عن كاهل الطالب والوالدين، وغمامة مثقلة ساترة للضوء قد انجابت وانقشعت، وعاصفة كبيرة هوجاء قد هدأت وسكنت. لأنه لا يخفى على أحد كم هي تضحيات الطالب والأهل على حد سواء حتى وصل هذا الابن المنتظر وفارس الأحلام إلى عتبات التخرج وحَمَل الشهادة الجامعية وتنفس الصعداء بعد جهد عظيم؟ وقد بذلت نفقات كبيرة من الأسرة على حساب لقمة عيشها الضرورية في هذا السبيل لعل هذا الفارس والمنقذ ينقذ أسرته مما هي فيه من ضيق وضنك، وظروف عيش عسرة يساعد ويؤازر فيها. ناهيكم عن نفقات السلطة الوطنية في هذا السبيل من إنشاء للمدارس ونفقات كبيرة عليها، وهيئات تدريسية وإدارية ومديريات تربية وتعليم يعد موظفوها ومنسوبوها بعشرات الآلاف. بمعنى كم بذل المجتمع الحكومي والأهلي حتى وصلت هذه الأفواج من الخريجين والخريجات إلى عتبات التخرج ثم حملت الشهادة الجامعية الأولى؟ فكل الشكر والإمتنان والتقدير لهذه الجهود العظيمة والكبيرة المبذولة والمنفقة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بكل مؤسساتها ووزارتها على رأس هذه الوزارات والمؤسسات وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي. والشكر أيضا موصول لأولياء وأسر هؤلاء الطلبة الخريجين وللطلبة ذواتهم على ما بذلوه وسهروا عليه وضحوا من أجله بالغالي والنفيس حتى استطاعوا أن يقطفوا ثمار ما تعبوا عليه وواصلوا ليلهم بنهارهم من أجله ومن آثر منهم سواه على نفسه.
لكن ما المؤمل والمنظور بعد هذا التخرج؟ وما الثمار المقطوفة بعد ذلك؟ هل حفلات التخرج فرح غير ممزوج بشئ آخر من الآلام؟ هل حفلات التخرج خالية مما يشوبها من هم وأسى يقض مضاجع هؤلاء الخريجين وذويهم؟ إلى أين ستذهب هذه القوافل من الخريجين والخريجات؟ ما المستقبل الذي ينتظر هذه القوافل؟ أين مراكز الإستيعاب لهؤلاء جيل الغد المنظور؟ أم أن هؤلاء سينضمون إلى قوافل العاملين وقوافل البطالة؟ ما الجدوى من كل هذه النفقات التي أنفقت في هذا السبيل من قبل المؤسسة الحكومية والأهلية؟ ما الثمار المرجو صلاحها من الجهود المضنية والكبيرة من قبل السلطة والأهل والطلبة؟ أم أن الإحباط سيتسلل إلى الأهل والطلبة على حد سواء؟ سيقف الأب وستقف الأم وكذلك الخريج أمام النتيجة المحتومة وجها لوجه من قلة فرص العمل ومصادمات حادة ومتكررة بين الأب والأم والخريج بعد مضي فترة بهجة التخرج وفرحة الحمل التي انتظرت طويلا منذ الوهلة الأولى للحمل وإلى آخر لحظة في السنة الرابعة أو الخامسة أو السادسة للخريج والخريجة أي ولادته خريجا.
مسكين أنت أيها الأب المكافح والمجاهد ومسكينة أنت أيتها الأم الرؤوم التي تؤثر هذا الخريج على كل حظوظ نفسها. وكذلك أنت أيها الإبن وأيتها الإبنة حاملوا الشهادة الجامعية. لنتصور معا كيف ستكون حياة الأب والأم والأسرة بوجه عام والتي لديهم أربعة أو خمسة من الشباب والشابات الخريجين حاملي الشهادات الجامعية وكلهم لا يعملون. كانت حياة الأب والأم وأبناؤهم أطفال وصغار -رغم معاناة هذين الوالدين مع هذه الأسرة- أفضل حالا وأقل جهدا وأيسر تكلفة مما هي عليه الأسرة بعد أن شب الأبناء والبنات، وغدت كلفتهم أغلى بكثير مما كانوا عليه وهم صغار وأطفال. في هذه اللحاظات تبدأ هموم الأسرة ويبدأ تفكيرها في مصير أولادها من الخريجين. كيف يعيشون ومتى سيبنون مستقبلهم؟ وكيف يستطيع هذا الشاب من تكوين نفسه وذاته؟ متى سيتزوج ويمتلك أو يستطيع أن يستأجر بيتا؟.
من هنا تبدأ المشكلات في الأسرة تارة بين الأبناء أنفسهم وتارة بين الأب وأبنائه وأخرى ما بين الزوج والزوجة نتيجة وضع الأبناء المؤسف والمحزن، وماذا يصنع الشاب وكيف له أن يعيش وإلى أين سيذهب حتى يستطيع تأمين نفقات ومصاريف نفسه بعيدا عن تحمله لمسئوليات الأسرة؟ إلى من يبيع نفسه وأخلاقه؟ يا قوم: مجتمعنا في مشكلة كبيرة، بل في مأساة شديدة اسمها مأساة الخريجين ومأساة البطالة. وقد سبق لي أن كتبت قبل العقد ونصف من الزمان أو أكثر قليلا مقالة نشرتها في صحيفة القدس الغراء كانت بعنوان “البطالة شر غائب ينتظر” وتحدثت عن هذه المأساة التي تنتظر مجتمعنا وأسرنا، وإن لم نفكر بمجموعنا في كيفية التغلب على هذه المعضلة وإلا عرضنا مجتمعنا للكثير من الويلات والمشكلات. فلا بد من التفكير الجماعي لحل هذه المشكلة، والأغرب من ذلك والأعجب ما تتعبه وزارة التربية والتعليم في طريقة وأسلوب التعيين العقيم والمؤلم جدا والذي يفضي بالقضاء على حب العلم والتعليم في النفوس ويفتح طريقا عريضا إلى الأفئدة في مجالات الإحباط واليأس، وتتسلل إلى العقول شيئا فشيئا الزهادة في العلم وأهله. وبالتالي فإننا نجأر بأعلى أصواتنا معلنين كمجتمع فلسطيني بأكمله رفضنا واستنكارنا لهذه الطريقة المتبعة في التعيينات والتي فيها كل الظلم لهذه القوافل من الخريجين والخريجات. ونحن بكل تأكيد لا نحمل المسئولية لوزارة التربية والتعليم في قلة بل ندرة التعيينات، كما لا تتحمل حصة الأسد في المسئولية، غير أننا نحملها كل المسئولية في ظلم من يتقدم بطلب للتعيين في ملاكها، ولو جعلت الفرص حسب الأولولية وحسب الأسبق في التخريج لما كانت هنا مشكلة أو مسئولية تتحملها هذه الوزارة الكريمة المعطاءة فحينيذ تصبح وتغدو فرصا ووفق جدول وترتيب من جاءه الترتيب والدور عليه. وهذا لا ظلم فيه لأحد ولا تثريب حينئذ على وزارتنا الموقرة. ولا تثير هذه العدالة أحدا من الناس فكلٌ دوره وحظه. ونتمنى على وزارتنا الكريمة أن تعيد النظر في أسلوب وطريقة التعيينات وتتبع النظام العادل الذي لا يظلم أحدا، وكل يأخذ فرصته إذا سنحت وحانت.
لنعد إلى موضوعنا بشأن الخريجين لنقول بأن هذه المشكلة لا بد من أن نفكر فيها جميعا لنحلها، وذلك من خلال وسائل متنوعة، منها على سبيل المثال:

1. تعزيز البيئة الإقتصادية، ودعم هذا القطاع بشكل كبير كي نجذر فرصا للعمل لأبنائنا وبناتنا الخريجين وغير الخريجين.
2. تشجيع رأس المال وعمل التسهيلات اللازمة للإستثمار كالإعفاء الجمركي مثلا أو الإعفاء الضريبي بشروط معينة ولفترات معينة محددة أو وضع شروط لمصلحة البلد وللمصلحة العامة.
3. إزالة كافة القيود والمعوقات من أمام رأس المال، سواء أكان ذلك متعلقا بأمور نظامية أو تكميلية (لوجستية)، حتى نضمن فتح كل السبل أمام رأس المال دونما قيد أو تعقيد من هنا أو هناك لقاء إتاوات معينة للبعض من المسئولين وذوي العلاقة. كما يحدث وبكل أسف في بلدان دول العالم الثالث المتأخر وقد يكون بلدنا إحداها.
4. عمل كافة الوسائل لاستقطاب رجالات أعمال من خارج فلسطين سواء أكانوا فلسطينيين أم غير فلسطينيين، وعمل كل ما يلزم لإغرائهم في مجالات الإستثمار سيما تأمين رأسمالهم ومصالحهم لأن رأس المال -كما يقال- جبان.
5. تنشيط المجالات السياحية -إن أمكن بسبب ظروف الإحتلال وقيوده على الجانب الفلسطيني ومحاولة استئثاره لهذا الجانب من الزواية الإقصتادية والسياسية -سيما السياحة الدينية للقدس الشريف والأقصى خاصة وفلسطين عامة، وكذلك لمدينة بيت لحم وكنيسة القيامة لدى الجانب المسيحي.
6. محاولة إيجاد فرص عمل لدى الدول الشقيقة في الخليج العربي الممتئلة بكل أسف بالعمالة الآسيوسية، وكثير منهم غير مسلمين من بوذيين وسيخ وهندوس ووثنيين. فأبناؤنا أحق وأجدار بهذا النفع، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى والتكافل الإجتماعي الإسلامي، وهناك وعلى تلك الأرض فرص عمل كثيرة وكبيرة.
7. محاولة ملأ الشواغر في المواقع المختلفة، فهناك نقص كبير في الموظفين لدى وزارات هامة كوزارة الأوقاف على سبيل المثال ووزارة التربية والتعليم، ولربما وزارة الصحة كذلك. فأنا لا أملك إحصائية أو دقة في هذا الجانب، لكن هي الفكرة، ومن الممكن التحقق منها والعمل على سد هذا النقص، وهنا نستطيع أن نستوعب أعدادا أكبر من أوساط الخريجين.
8. النظر في نظام التقاعد المبكر وجعل هناك حوافز حتى يتسنى لأعداد كبيرة أن تفتح مجال التوظيف للأجيال الشابة والجديدة، ومن الممكن أن هذا معمول به لدينا لا أدري على وجه التحديد والضبط فإن كان معمولا به كنظام دائم فلا بأس بذلك، وإن لم يكن فلننظر فيه.
هذه بعض مقترحات، وهي ليست وحدها في حل هذه المشكلة ولكنني أردتُ أنّْ أثير هذه الموضوع الهام علَّنا نشترك في حلها وحل هذه المعضلة.
“إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”.