التاريخ العالمي والتاريخ الإقليمي على أبواب مرحلة جديدة

حجم الخط

بقلم:د. احمد قطامش


 

ثقل روسيا . صحيح ان روسيا اقل من 150 مليون نسمة وإنتاج قومي 2تريليون دولار بأسعار محلية يضاف خدمات مجانية للمواطنين ( ماء، كهرباء ، غاز تعليم ، صحة …) بما جعلها الدولة السادسة عالميا في حجم الإنتاج القومي ( البنك الدولي 2017) والدولة الأولى في تصدير النفط ( اكثر من 11 مليون برميل يوميا ) وكذا الغاز، ناهيكم عن صادراتها العسكرية والمعادن والاخشاب والكيماويات بما جعل ميزانها التجاري رابح سنويا نحو 360 مليار صادرات و230 واردات ) ودخل الفرد يصنف من الدخل العالي عالميا ( البنك الدولي ) وليس المتوسط او الفقير . وقوة عمل يتقدمها قطاع الصناعة بنسبة 30%. وهي تمتد جغرافيا على سدس الكرة الأرضية بما فيها مساحات واسعة من القطب الشمالي الذي تتعاظم أهميته في الآونة الأخيرة ، وجيش نووي فتاك يخلق توازن رعب مطلق (هيكل ) وتفوق في الصواريخ فوق الصوتية والسلاح البحري.
ليس صدفة ان تنجح روسيا في إقامة علاقات تجاريه ومنفعة متبادلة مع عواصم في المعسكر الغربي لحلف الأطلسي ، بما يفوق 40 مليار دولار سنويا مع المانيا وبريطانيا 23 مليار دولار سنويا ( السفير الروسي في لندن ) وتركيا ارتفع التبادل التجاري معها 25% ( السفير الروسي ومع الهند 25 مليار دولار سنويا .
اما مع الصين ( فالتبادل التجاري تجاوز 100مليار دولار سنويا مع تخطيط ان يصل 200مليار ) بوتين ، ومع ايران 10 مليارات دولار….
وهذا وسواه يشكل الشرط الموضوعي الذي استند اليه الشرط الذاتي لقيادة بوتين -لافروف ، فحصدت الديبلوماسية الروسية نجاحات باهرة ابرزها العلاقات الوثيقة مع ايران وسوريا ( المرآة المقعرة للصراع ) لأحدى ساحات الصراع الدولي ، ومنها قفزت الى مصر واعادت علاقاتها مع العراق واستعادت بعض تأثيرها في الازمة الليبية بينما استمرت علاقاتها التاريخية مع الجزائر . فهل يصدقن احد ان تشرع الشركات الروسية ببناء مدينة صناعية في مصر بكلفة 30 مليار دولار الامر الذي لا ترحب به أمريكا .
ولم تكن السياسة الخارجية الروسية مؤيدة للمفاوضات المباشرة الفلسطينية الإسرائيلية تحت المظلة الامريكية . وخاطب لافروف الدكتور شعث ( تعالوا الى الأمم المتحدة ) وهي منحازة للمفاوضات برعاية الرباعية بما يفضي لدولة فلسطينية . حتى ان موسكو استقبلت وفداً فلسطينيا يضم كافة الفصائل لتوحيد موقفها على هذه القاعدة التي ايدتها فصائل وعارضتها فصائل أخرى.
لم يتجاوز الموقف الروسي في بدايات الازمة ( الحرب الكونية ) على سوريا التأييد السياسي والدبلوماسي لدمشق، غير انها ذهبت بعيداً بعد لقاء الجنرال المرموق الشهيد سليماني الذي اقنع بوتين بالدخول العسكري ، كما اعلن قائد ( معادلة القدس – تعني حربا إقليمية ) أي يمكن رفع سقف الموقف الروسي كلما تعاظمت قوة محور المقاومة وتعاظمت المصالح المتبادلة سيما ان الحلف الأطلسي يهدد العمق الروسي بنشر منظومات من الصواريخ البالستية والنووية على حدودها الغربية الى الحد الذي حذر فيه رئيس الأركان ( اذا تعرضت حدودنا للخطر لن نتردد في استخدام السلاح النووي) .!
4 تغلبت ايران على الحصار والعقبات القصوية والتهديدات ومحاولات تفجير الساحة الداخلية ، ولم يعد جديداً القول ان الجمهورية الإيرانية باتت قوة إقليمية (85 مليون بإنتاج قومي يربو على 700 مليار دولار ( الأرقام متضاربة ) وكان لتقليص صادرات الطاقة اثره ، وأحرزت منجزات علمية وبحثية لها مكانتها ولها علاقات وحضور في أواسط اسيا وغير اسيا وصولا الى فنزويلا .
ولم يثمر العداء الأمريكي الشرس للْي ذراعها في الملف النووي و تغيير سياستها الخارجية ، وفي عداد ” معجزة ” تصنيعها للصواريخ البالستية وما أصبحت عليه قوتها البحرية .
والعامل الذي ينبغي التذكير به هو محور المقاومة التي تشكل ايران قوته الأولى وركنه الركين الذي مد يد المساعدة السخية لأطرافه بما ساعدها حقا على الصمود وتحقيق الانتصارات .
وبفوز الرئيس رئيسي انما تنسجم السلطات الثلاث ( المرشد، الرئاسة ، الحكومة ) وسوى ذلك من مؤسسات النظام الإيراني ، فما ( يقود ايران مؤسسة لا فردا) هيكل ، بل وكانت نسبة الاقتراع في الإقليم التي يغلب عليها العنصر السني 70% من النسبة العامة ، بما وجه صفعة للمقاطعين الذين بلعوا سم ما روجته وسائل الاعلام الغربية والرجعية العربية .
وبرنامج الرئيس رئيسي المعلن واضح ( بناء اقتصاد انتاجي والتوجه شرقا ، والعدالة و محاربة الفساد واستهداف الفجوة الطبقية وتحدي الامبريالية بصلابة اكبر وإزالة النفوذ الأمريكي من غرب اسيا وتعزيز إمكانات محور المقاومة ، وهو لم ينتظر فوزه بالرئاسة فزار العراق والتقى بقيادات المقاومة العراقية ، ودونما اغفال لما يشاع عن تأييده لمعادلة ( القدس تعني حربا إقليمية ) وصولا الى شعار ( شعوب المنطقه مستقبل المنطقة ) وهو بذلك يشكل امتداداً ولكن ديالكتيكيا وتجديديا لمسار الثورة الإيرانية .
وكان لافتا ما تلقاه من تهنئات من رؤساء دول وحركات عربية وغير عربية تتخندق في جبهة العداء للإمبريالية والليبرالية الجديدة ( ومن قواعدها ان لا تقوم الدولة بتنمية اقتصادية إنتاجية وان لا تتبنى سياسات اجتماعية لمساعدة الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل وكبار السن …)
فاليوم ينتصب التناقض الأول عالميا بين الهيمنة ومناهضو الهيمنة . هؤلاء المناهضون يتقدمون واطراف الهيمنة يتراجعون .
فزمن جديد يتكون ، ومرحلة جديدة تتشكل ، انهما زمن ومرحلة ما بعد الهيمنة واحادية القطبية وعربدة المخططات التدميرية للغرب وامتداداته، انه زمن المشروعات التحررية والنماذج المغايرة للنموذج الرأسمالي الغربي والامركة . انه صفحة جديدة في سفر التاريخ .
انها بداية مرحلة تبشر بانتصارات الإرادة السيادية والهويات القومية التحررية وانتصار المشروعات التنموية الاستقلالية موشحة بعدالة اجتماعية وبعض التحولات الاشتراكية سيما في الصين وكوبا وفيتنام وعديد من السلطات اليسارية .
انه زمن جديد لا متسع فيع لإهانة الكرامة الوطنية من مجرد سفير او قنصل او موظف في خارجية دولة غربية يصدر امراً فتنصاع حكومات وتنهب ثروات الشعوب ، ووصلت القباحة ان يستحوذ ( سبعة اشخاص بأكثر من نصف ثروة الكرة الأرضية ، تشومسكي وان يبلغ متوسط دخل الفرد في بعض بلدان الشمال 60-80 ضعف دخل الفرد في دول الجنوب وان يتلقى (40% من مواطني الدول الغنية لقاح كوفيد بينما يتلقاه 1% في دول الجنوب ) منظمة الصحة العالمية .

 

ولكن ماذا عن فلسطين نقاط القوة والضعف والمصير ؟ هذا يستحق وقفة منفصلة .